الأصل فى البورصة أنها مرآة لكل الأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تحدث فى البلد الذى تقع فيه ، بل أنها تتأثر بالأحداث الدولية سلبا أو إيجابا حسب أثر تلك الأحداث على أوضاع البلد التى تقع فيها ، وذلك فى ضوء تشابك الأسواق والعوامل الاقتصادية ، ووجود أسهم محلية مدرجة فى أسواق أخرى دولية فى نفس الوقت . وكلما زادت الشفافية زادت درجة تعبير البورصة عن أية تغيرات ، تؤثر على الأوضاع فى البلد الذى تنتم إليه ، واستحقت أن يطلق عليها لفظ بورصة كُفأة ، وهكذا تحتاج البورصة الى وجود استقرار مجتمعى ، فأى توتر اجتماعى ستظهر آثاره سريعا على شاشة التداول من خلال تراجع مؤشرات الأسعار . وبعد الانقلاب العسكرى الذى قام به وزير الدفاع المصرى على رئيس البلاد ، وقام بعزله واحتجازه فى مكان غير معروف ثم تحويله للمحاكمة ، كانت تلك الخطوة كافية لتراجع البورصة المصرية بشدة ، خاصة مع تعطيل العمل بالدستور وإلغاء مجلس الشورى المنتخب ، ثم ارتكاب عدد من المذابح تجاه المتظاهرين المعارضين للانقلاب ، واعلان حالة الطوارىء وتعطيل القطارات . وتعطل السياحة وعزوف الاستثمار الأجنبى عن القدوم ، ومع استمرار المظاهرات الرافضة للانقلاب والتى تعبر عن انقسام مجتمعى ، كان من الطبيعى أن تنعكس تلك الأمور على أداء البورصة ، إلا أن البورصة لم تكتف بتجاهل تلك الأحداث ، بل اتجهت للصعود وبشدة ، وأصبح الخبراء يتندرون على البورصة بقولهم " اقتصاد ينهار وبورصة تتصاعد " ! وأصبحت عناوين نشرات الأخبار استمرار المظاهرات المناهضة ومقتل أعداد من المتظاهرين ، واستمرار صعود مؤشر البورصة !. ** صعود غير مبرر وهكذا ارتفع مؤشر أسعار البورصة من 4971 نقطة فى الثالث من يوليو من العام الماضى يوم الانقلاب ، الى 5549 نقطة يوم فض اعتصامى رابعة والنهضة ، ثم واصل المؤشر صعوده الى 5621 نقطة بنهاية سبتمبر ، ثم الى 6783 بنهاية العام الماضى . واستمر فى الصعود خلال العام الحالى ليرتفع الى 7405 بنهاية يناير ، ثم الى 8127 نقطة بنهاية فبراير ، ثم استمر فى الصعود خلال شهر مارس ليصل الى 8502 نقطة فى الخامس والعشرين من مارس . وفى ظل الشفافية الغائبة ثارت الشكوك حول الاستعانة بمحافظ البنوك العامة الحكومية لمساندة السوق ، وعندما نعرف أن قيمة محفظة استثمارات بنك حكومى واحد بلغت بنهاية يونيو الماضى نحو 108 مليار جنيه ، ومحفظة بنك حكومى آخر بنفس التوقيت 53 مليار جنيه ، يمكن أن نتصور إمكانية التأثير على أداء البورصة ، خاصة وأنها بورصة غير عميقة وقيمة تعاملها اليومى محدودة. وامتدت الشكوك الى محافظ التأمينات الاجتماعية والتى سبق استخدامها لنفس الغرض منذ سنوات ، كما ثارت شكوك حول المال السياسى من قبل بعض رجال الأعمال ، مثل رجل أعمال معروف بمناهضته لحكم الاسلاميين . - ومع تدهور الأحوال الاقتصادية وتزايد عجز الموازنة وارتفاع نسبة التضخم وزيادة البطالة ، وعزوف البنوك عن اقراض العملاء وارتفاع الدين العام ، وانخفاض نسبة النمو وتراجع التصنيف الائتمانى لمصر ، لم تجد حكومة الببلاوى أمامها سوى صعود مؤشر البورصة تتشبث به كدلالة على الاستقرار ، متجاهلة الشكوك فى كونه صعودا مصطنعا . وهكذا ظلت الأسعار ترتفع ، حتى أعلن قائد الانقلاب عن عزمه ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية ، وفى صبيحة اليوم التالى لذلك الاعلان اتجهت الصناديق والمؤسسات المحلية لبيع الأسهم ، مما حقق خسارة مدوية بالبورصة فقدت معها نحو 15 مليار من رأس المال السوقى ، وبدلا من الاعتراف بالحقيقة كان الاتهام لمديرى المحافظ بالتآمر والعمالة ، والزعم بتدخل قطرى للتأثير السلبى على الأسعار . ** أسباب اقتصادية للانخفاض وفى تصورى أن ما حدث من هبوط عنيف للأسعار بالبورصة خلال أول ثلاث جلسات للتعامل بعد اعلان ترشيح السيسى ، أمر طبيعى فى ضوء ادراك المتعاملين أن ترشيح وزير الدفاع نفسه قد أسقط عنه آخر أوراق التوت ، التى كان يغطى بها ما قام به من اجراءات نحو الرئيس المنتخب ، وأوصل ترشيحه رسالة واضحة للمستثمرين أن البلاد داخلة على حكم عسكرى ، وهو حكم طالما رفضه المصريين وقاموا بثورة فى الخامس والعشرين من يناير لاسقاطه . وأصبح المشهد السياسى أكثر انقساما لأن مظاهرات الثلاثين من يونيو لم يكن من مطالبها استبدال الرئيس بوزير الدفاع ، كما أن الحريات قد انكمشت بصورة واضحة ، فى ضوء التصدى بقنابل الغاز والرصاص والاعتقال للمتظاهرين السلميين ، وصدرت أحكام بالتحويل للمفتى للمئات ،كما أن ترشيح وزير الدفاع نفسه قد أكد بلا شك أن ما حدث فى الثالث من يوليو هو انقلاب عسكرى ، حسب توصيف قائد الجيش الثالث الميدانى السابق المعلن لإحدى الفضائيات . .
- ولأن شراء السهم هو شراء لمستقبل الشركات المصدرة للك الأسهم ، فلقد أدرك مديرو المحافظ الاستثمارية ، أنأوضاع تلك الشركات ستزيد سوءا فى ضوء المنافسة غير المتكافئة ، مع اتساع نطاق النشاط الاقتصادى للشركات التابعة للقوات المسلحة ، والتى تستخدم عمالة تتقاضى مكافآت رمزية كما لا تدفع ضرائب وتتمتتع بأفضلية فى المناقصات ، ستزيد درجتها مع اختيار رئيس ينتسب إليها .
وهاهى شركات الجيش تقوم ببناء كبارى على 27 مزلقان للسكة الحديد بالأمر المباشر حسب تصريح وزير النقل ، كما تنافس شركات الجيش المنتجة لعدد من السلع الغذائية الشركات لخاصة المنتجة لنفس السلع ، كما استحوزت شركة تابعة للجيش على طريق القاهرة الاسكنرية الصحراوى لمدة خمسين عاما ، بعد استحوازها على طريق العين السخنة القطامية ، كما تم الاعلان عن تولى شركات الجيش انشاء محور شبرا بنها بطول 42 كيلو متر .
كذلك تم الاعلان عن قيامها ببناء مليون وحدة سكنية ،وتتوسع الشركات التابعة للجيش فى انشاء محطات تموين السيارت بالوقود ، واستحوزت الأندية التابعة للجيش على نشاط اقامة الأفراح على حساب الفنادق السياحية ، حتى علاج بعض الأمراض يحاولون الدخول فيه ، الى جانب نشاط مستشفياتهم الطبى .
وشارك مندوب للجيش فى اجتماعات انشاء 25 صومعة لتخزين القمح ، كما صرحت الامارات التى أعلنت عن قيامها ببعض الاستثمارات والمساعدات بحوالى 9ر4 مليار دولار ، أن مساعداتها سواء كانت مدارس أو مستشفيات او غير ذلك ستكون من خلال القوات المسلحة .
- وهكذا أدرك مديرى المحافظ أن شركات القطاع الخاص ستجد صعوبة فى السوق فى ظل المنافسة غير المتكافئة مع الشركات التابعة للقوات المسلحة ، إضافة الى الصعوبات الحالية التى تواجهها الشركات الخاصة ، من عزوف البنوك عن الاقراض ، وعدم تدبير احتياجات الشركات من العملات الأجنبية مما وسع فارق السعر للعملات بين البنوك والسوق الموازية ، والاضطرابات والمطالب العمالية ،وأحكام استرداد الشركات التى تم بيعها للمستثمرين .
** توقع معاودة التدخل
تلك هى الأسباب الحقيقية لهبوط البورصة فى أعقاب اعلان وزير الدفاع ترشيح نفسه للرئاسة ، فى ظل حالة استقطاب وتكميم للأفواه ومساندة اعلامية واعتقال وقتل للمعارضين له ، بما يجعل اقتناصه للمنصب أمرا مفروغا منه ، وأن عملية الانتخابات هى كما قال خالد على أحد المرشحين السابقين "مسرحية " ولهذا عزف عن الترشيح ، وهو تعبير كرره الفريق أحمد شفيق فى تسريب اعترف بصحته .
ورغم أن تلك الأسباب للاتجاه للبيع متداولة ما بين مديرى المحافظ ، إلا أنه فى ظل التنكيل والتشويه الاعلامى لكل رأى معارض لا يستطيع أحد منهم المجاهرة برأيه ، فمن يكون مدير استثمار صندوق أو محفظة ، بالمقارنة للدكتور البرادعى أو أبو الفتوح أو عمر حمزاوى أو زياد بهاء الدين ، وما لقوه من اتهامات قاسية لمجرد جهرهم برأيهم بما لا يتفق مع هوى شلة الحكم ، رغم مشاركتهم فى أحداث الانقلاب ومباركتهم له فى البداية !
وفى ظل نظام حكم أهدر نتائج خمس استحقاقات انتخابية ،وزج بالمعارضين بالسجون وأحالهم الى المحاكمات ، وتسبب فى قتل الآلاف واصابة آلاف آخرين ، فإنه سيلجأ لاستخدام كل الوسائل ومحافظ الجهات الحكومية للتأثير على البورصة وايقاف تراجعها بأى ثمن ، بصرف النظر عما يمكن أن تتحمله المحافظ الحكومية من خسائر ، خاصة فى الفترة السابقة على اجراء الانتخابات الرئاسية