الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في مرمى نيران الكتاب والصحفيين الصهاينة والغربيين لرفضه للهيمنة الغربيةوالأمريكية الكتاب جاء على طريقة المخابرات , فهل هناك جهات مشبوهة تقف وراء المؤلف ؟ كتب ياسر أنور حسنا فعل باسم يوسف , حين مارس جريمة السطو غير المسلح على إحدى مقالات الكاتب بن يهوذا Ben Judah , تلك المقالة التي كانت تحمل تحريضا غير معلن للغرب ضد روسيا لكي يكون أكثر تشددا فيما يتعلق بقضية أوكرانيا ومنطقة القرم , وهو الأسلوب الذي يتبعه لوبي المحافظين الجدد سواء في الولاياتالمتحدةالأمريكية أو أوروبا بين الابتزاز والتهييج ضد كل من يقف أمام استمرار الهيمنة الغربيةوالأمريكية على العالم . وأيدلوجية المحافظين الجدد ليست خيارا سياسيا فقط , بل هي فلسفة عامة وأيدلوجية مكتملة الملامح الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية . فهي على المستوى الديني تستمد روافدها من الأساطير التوراتية المساندة للمشروع الصهيوني بأبعاده المختلفة . وعلى المستوى الاقتصادي تتبني الرأسمالية المتوحشة التي تحول العالم إلى مجموعة من العبيد في خدمة حفنة من رجال الأعمال . وعلى المستوى الثقافي تمارس الهيمنة الفكرية والعلمية والفنية على العالم , ولا تسمح بتسلل أية أفكار مغايرة إلى بنية المجتمعات الغربية , ولذلك فهي تعتبر الإسلام العدو الرئيس ثقافيا وعسكريا . لكنها في أثناء محاولاتها تجريد ذلك العدو الرئيس من كل عوامل القوة ضد مصالحها ووجودها , فإنها تراقب أيضا الأعداء المؤقتين الذين يبرزون من وقت لآخر في أماكن شتى من العالم . ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أحد هؤلاء الأعداء الجدد أو المؤقتين , وذلك لأن لديه مشروعا قوميا مغايرا ومتصادما مع الليبرالية الغربية . وفي هذا السياق يأتي كتاب " بن يهوذا " المعنون ب الإمبراطورية الهشة , كيف بدأت ثم أنهت روسيا حبها لفلاديمير بوتين .Fragile Empire , How Russia fell in and out of love with Vladimir Putin يقول المؤلف في مقدمة كتابه : "To write this book I travelled 30,000 km over five years. I crossed Russia from the Baltic to the Pacific twice, interviewing hundreds of people in places where most Western journalists never go... I have tried to interview people from every walk of life about their country" إنني لكي أكتب هذا الكتاب , كان ينبغي علي أن أقطع مسافة 30000 كيلومتر , في أكثر من خمس سنوات . لقد عبرت روسيا من البلطيق إلى المحيط الهادي مرتين , وقد قابلت مئات الأشخاص في أماكن لم يصل إليها معظم الصحفيين الغربيين ... كما حاولت أن أقابل أناسا آخرين من مستويات شتى لأعرف رأيهم في بلدهم . المعلومات التي يسوقها المؤلف في كثير من صفحات الكتاب أغلبها ليس جديدا , سواء ما يتعلق بتاريخ الرئيس الروسي بوتين من منعطفات وصعود ووصول إلى السلطة , وغير ذلك من الجوانب المختلفة من شخصيته وحياته إضافة إلى أبرز معارضيه بالإضافة إلى الكثير من الأحداث التي مرت بها روسيا , لكن الجديد في الكتاب هو طريقة الغمز والتشويه والتقليل من التأثير الذي أحدثه بوتين . من ناحية أخرى , فإن الكتاب يحاول أن يحدث شرخا طبقيا في المجتمع الروسي معتبرا أن موسكو شيء , وروسيا شيء آخر , وقد تحدث عن ذلك بالتفصيل في الفصل العاشر على وجه التحديد المعنون ب موسكو ليست روسيا " 'Moscow is Not Russia حيث يتحدث المؤلف عن غياب الدولة في المناطق النائية من روسيا وخصوصا سيبيريا مركزا على جوانب التخلف الثقافي والتكنولوجي هناك , فالناس يؤمنون بالسحر والخرافات , ويحارب بعضهم بعضا بالسكاكين ! وكما هو ملاحظ , فهي طريقة انتقائية لا تتناسب مع القراءة المتكاملة والموضوعية للمشهد , وربما لا توجد دولة في العالم , إلا وبها العديد من تلك الأماكن النائية المماثلة حتى في المجتمعات الغربية ذاتها . ويصل المؤلف إلى أقصى درجة من التحريض الداخلي ضد موسكو في الفصل الحادي عشر المعنون ب موسكوالمحتلة , Moscow the colonist ويعرض في هذا الفصل رؤية بعض سكان المناطق الفقيرة والمهمشة لموسكو الذين ينظرون إليها باعتبارها محتلا طفيليا , في إشارة تحريضية واضحة إلى الانفصال .ولم ينس الكاتب أيضا أن يتوقف أمام للقبضة الحديدية التي يمارسها النظام الروسي على المستوى الإعلامي والسياسي من خلال قمعه للحريات وسيطرته على مفاصل الدولة . وعلى الرغم من اعترافه بالتأثير الذي أحدثه بوتين , فإنه يتحدث عنه بدرجة عالية من التهكم قائلا : Putin is not the strongman he appears. Russia's leader may be victorious as a politician, but he has utterly failed to build a modern state. Once loved for its forcefulness and the spreading of new consumer lifestyles, Putin's regime is now increasingly loathed for incompetence and corruption بوتين ليس ذلك الرجل القوي كما يبدو . إن زعيم روسيا ربما يكون منتصرا كسياسي , لكنه فشل في بناء دولة حديثة . وبمجرد أن أحب الناس قوة حكمه ونشره لأساليب استهلاكية جديدة , فإن الاشمئزاز من حكمه يتزايد بسبب عجزه إضافة لانتشار الفساد . وكما هو واضح فإن شحنات الكراهية والرغبة في التشفي ليست في حاجة إلى أيضاح , وإذا أتيحت لنا الفرصة , فربما نلقي مزيدا من الضوء على فصول أخرى من الكتاب .