عقد المركز الإسلامي بفنلندا جلسة نقاشية حول العديد من القضايا الفقهية المعاصرة عقب صلاة الجمعة الماضية بمقر المركز بهلسنكي، وكان من أبرز القضايا كيفية الصيام والصلاة في الأيام السرمدية وهي الظاهرة الكونية التي يعيشها البعض في شمال فنلندا وتعني طول النهار لفترة تصل إلى ثلاثة وعشرين ساعة يومياً صيفاً وطول الليل لفترة تصل إلى ثلاثة وعشرين ساعة أيضاً في الشتاء، مما يشق على الصائم ويصعب عليه صيام هذه الفترة الطويلة، كما يصعب على المصلي الانتظام في الصلاة وتحديد وقتها في ليل طوله كله ساعة، ويجب أن يصلي فيه ثلاثة أوقات، المغرب والعشاء والفجر، أو في نهار كله ساعة يجب أن يصلي فيه الظهر والعصر.. وعلى الرغم من أن هذه القضية أزلية وقد تناولها العديد من الفقهاء بالبحث والدراسة والإفتاء، إلا أن وجود المسلمين وتكاثرهم في مثل هذه المناطق يجعلهم في حيرة بين الأخذ بالعزيمة، ومن ثم الالتزام بمواعيد الشروق والغروب بفنلندا، وبين الأخذ برأي الفقهاء بالصيام بناء على مواقيت أقرب دولة مسلمة تركيا أو على مواقيت مكةالمكرمة، أو على مواقيت بلد المقيم الأصلية. ونظراً لأن الإسلام دين الوسطية واليسر {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} فإن الفقهاء قد استعانوا بالأطباء لتحديد طاقة الإنسان "المتوسط" في الصيام ومدى قدرته على تحمل الصيام دون إضرار بالصحة العامة وخاصة "الكلى" لهذا رأى المشاركون في الجلسة أن يختار الصائم أحد الرأيين في إطار مصلحته الصحية ودون الإضرار بنفسه، وحذر المشاركون من إثارة المشكلة من خلال الدعوة أو التحمس لأحد الرأيين وتعصب كل فريق إلى رأيه، لأن هذا هو الذي يسبب المشكلة والفرقة بين المسلمين، وذكَّر المشاركون الحاضرين بأنه يصعب على المسلم أن يتقي الله حق تقاته ولكن المقبول أن يتقي الله ما استطاع مصداقاً لقوله تعالى: {اتقوا الله ما استطعتم} وأن التشدد والتنطع قد يؤدي إلى الهلاك وضياع وحدة المسلمين. وكان من بين المشاركين الكاتب الصحفي إسماعيل الفخراني الذي ألقى خطبة الجمعة وكانت حول ضرورة الاستقامة على وسطية الإسلام وعدم الإفراط أو التفريط في شرع الله، وذلك في إطار قول الله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}، كما تناولت الخطبة أيضاً معنى الحرية والاستقلال في ظل الإسلام حيث صادف يوم الجمعة عيد استقلال فنلندا، وهو من أعظم أعيادها، فقد أكد الخطيب على أن الإسلام هو دين الحرية والاستقلال والكرامة، ومن أجل هذه القيم نزل الإسلام ليخرج ويحرر الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن العبودية والاستغلال إلى الحرية والاستقلال، وحث الحضور على ضرورة أن يكون الواحد منهم قدوة في هذه البلاد وأن يتحلى بالأخلاق والقيم الإسلامية الراقية حتى يكون بحق "رسولا وسفيرا" صالحاً لبلاده، ونموذجاً راقيا لدينه وللسلم العام، وهذا أفضل ما يمكن أن يقدمه شكراً لهذه البلاد التي وفرت له لقمة العيش بكرامة والحياة بأمان وسلام.