شنت أحزاب المعارضة هجوماً حادا علي الحزب الوطني متهمة إياه بأنه "حزب عائلي تعطيه أجهزة الأمن الحماية وأن العديد من المرتبطين به تكونت أموالهم من حرام"، وتكاتفت تلك الأحزاب في صد مشروع (التوريث) الذي يتبناه الحزب والذي أعلن عنه خلال مؤتمره السنوي أمس، وفيه كرس جمال مبارك المشروع وزعم أنه يقف في صف الفقراء ويساندهم. ففي افتتاح المؤتمر السنوي للحزب الوطني الحاكم في مصر، ألقي جمال مبارك ما بدا خطابا رئاسيا جاء في معظمه ارتجاليا وانفعاليا في مواجهة الانتقادات السياسية الحادة التي يتعرض لها الحزب والحكومة والرئيس مبارك في القضايا الداخلية والخارجية. فبعد ثمانية وعشرين عاما من التخريب المتواصل لكل مرافق الحياة في مصر، قدم الحزب الوطني ثماني وعشرين ورقة للإصلاح المزعوم، لم تجد قيادات الحزب ما تقوله غير ترديد الوعود والشعارات القديمة، زاعمين أن الحياة ستكون أفضل خلال السنوات المقبلة مما يؤكد وجود نوايا لفرض التوريث على المصريين، وزعم جمال أن الحزب سوف يضع سياسات لمساندة الفقراء، كما زعم صفوت الشريف أن عهد الشللية قد انتهي في الحزب.
وطرح جمال للمرة الأولي أمس تعهدات انتخابية وبرنامج عمل يمتد لست أو سبع سنوات حسب تعبيره، رغم أن الولاية الرئاسية لوالده تنتهي رسميا بعد خمس سنوات، مما يؤكد وجود نوايا لتوريث الحكم بعد تنحي الرئيس مبارك (78عاما) خلال عام أو اثنين. وبالرغم من تصريحاته السابقة التي أكد فيها أنه لا يرغب في الترشح لرئاسة الجمهورية، بدا نجل الرئيس وكأنه يقدم أوراق اعتماده الرئاسية للحزب الذي أعلنت كوادره تأييدها له في ختام الخطاب بتصفيق حاد يليق بمرشحهم للرئاسة.
ظهر الارتباك والانقسام والشللية واضحا في تنظيم المؤتمر، مما دفع وكالات الأنباء العالمية إلي مقاطعة المؤتمر، ولم يتم تسليم البطاقات للصحفيين إلا فجر أمس وكان الحضور في اليوم الأول أقل بكثير مما كان متوقعا وجاءت المناقشات دون المستوي بكثير.
وركز جمال في الخطاب علي الجوانب الاقتصادية والخدماتية زاعما أن قيادته للجنة السياسات خلال السنوات الأخيرة أدت إلي تحقيق انجازات أهمها: وصول معدل النمو الاقتصادي الي 6.9 بالمئة في العام الماضي متعهدا العمل علي زيادة هذه النسبة خلال السنوات الست او السبع المقبلة. نجاح برنامج دعم الصادرات في زياد نسبة الصادرات بنسبة ثلاثين بالمئة و(يجب ان يزيد هذا المعدل خلال السنوات الست لمقبلة). زيادة اجور العاملين بالدولة بنسبة عشرين بالمئة في الحد الادني ثم عشرة بالمئة اخري بشروط مماثلة، مقرا بالحاجة لزيادات جديدة في المستقبل . نجاح برنامج الاصلاح الضريبي في زيادة الدخل الضريبي بنسبة 17 بالمئة، وزيادة عدد الممولين بنسبة اربعين في المئة. تحقيق الاستقرار في سوق النقد نتيجة برنامج الاصلاح المصرفي الذي طرحناه امامكم قبل عامين . اعداد برامج لاصلاح التعليم وتحسين الخدمات الصحية، وتخصيص 5 مليارات جنيه (877 مليون دولار) لاصلاح السكك الحديد بالسنوات الخمس المقبلة.
وتشكك أحزاب المعارضة في اغلب هذه الارقام، وتشير الي تضارب في بيانات الحكومة نفسها حول معدل النمو الاقتصادي وغيره، وسخرت صحيفة معارضة امس الاول من انشغال بعض اركان الحكم في عقد مؤتمرات باوروبا حول صدام الحضارات بينما تفشل الحكومة في منع صدام القطارات، في إشارة لكوارث القطارات الاخيرة وصدور تقرير رسمي الأسبوع الماضي يؤكد ان عدد ضحايا حوادث النقل بلغ قي مصر اكثر من ستة ألاف قتيل وثمانية وعشرين الف جريح سنويا. وكان ملفتا ان الإصلاحات السياسية لم تشغل سوي اقل من دقيقة في هذا الخطاب المطول، بينما لم يتطرق جمال ابدا لموضوع التعديلات الدستورية بالرغم من حالة الاحتقان السياسي التي تعيشها البلاد. وبدأ جمال حديثه في هذا الموضوع بالقول لن نكون في موقع الدفاع لكنه تساءل فورا ردا علي انتقادات المعارضة كيف يقال اننا نناقش موضوع الاصلاحات الرئاسية في غرف مغلقة؟ ، واشار الي ان الرئيس كان طرحه في خطاب عام في شهر تموز (يوليو) الماضي، ثم تشكلت لجان لبحثه في الحزب، متعهدا الاستمرار في التفاعل مع القوي السياسية.
ويكرس تجاهل الخطاب لمطالب المعارضة بتعديل المادتين 76، 77 في الدستور (تحددان شروط الترشح للرئاسة وعدد الفترات الرئاسية) التكهنات حول عزم الحزب الحاكم ترشيح جمال لخلافة والده. ويذهب هذا السيناريو الي خريطة طريق تبدأ بحل مجلس الشعب واجراء انتخابات جديدة حسب قانون القائمة النسبية التي ستمنع مشاركة الاخوان المسلمين خاصة فيها، وبالتالي استخدام المقاعد التي يشغلونها حاليا (88) لتقوية بعض الاحزاب الهامشية مقابل مشاركتها بمرشحين صوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة لاعطائها صورة شرعية وبالتالي جعل التوريث ديمقراطيا.
واختتم جمال خطابه بالاعلان عن ورقتين مفاجئتين للمناقشة، وهما رفض المشروع الامريكي المعروف ب الشرق الاوسط الاوسع باعتبار انه يهدف لتذويب الهوية العربية، وطرح موضوع الاستعانة بالطاقة النووية لأول مرة في مواجهة الحاجة لتسريع عجلة التنمية. واعتبر مراقبون ان اعلان رفض المشروع الامريكي جاء لاصلاح ما افسدته تصريحات للرئيس بوش مؤخرا اشاد فيها بجمال والمجموعة الاقتصادية العاملة معه، وهو ما هدد بحرق فرصه في الوصول لسدة الحكم في بلد يعرف ارتفاعا قياسيا في مشاعر العداء للولايات المتحدة وسياساتها في فلسطين والعراق بشكل خاص.
يذكر أن النظام كان استخدم تهمة العمالة للامريكان لتشويه صورة ايمن نور الذي جاء في المركز الثاني بالانتخابات الرئاسية، وفقد مقعده في البرلمان بالانتخابات الأخيرة.
وكشفت المناقشات الأولية التي أجريت داخل أروقة المؤتمر عن خلافات بين تياري الإصلاحيين بزعامة جمال مبارك والحرس القديم الذي يقوده صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني. فقد استبعد صفوت الشريف مجموعة المنشقين علي تعليمات الحزب من حضور المؤتمر الذين كانوا يهددون بعقد مؤتمر صحفي لشرح وجهة نظرهم في اختيار قيادات الوطني بأمانات المحافظات. وتولي الشريف والدكتور علي الدين هلال أمين الإعلام مراجعة أسماء الحضور من أعضاء الحزب حتى الثانية من صباح أمس وأقصيا عدداً من أجهزة الإعلام المحلية والدولية الراغبين في تغطية وقائع المؤتمر وكشفت قيادات بالحزب الحاكم عن عدم تسلمهم لأوراق العمل. التي تقدم بها الحزب لمؤتمره العام عن الإصلاح السياسي وغيره حتى مساء الاثنين بينما وصلت لأغلبهم أثناء دخولهم قاعة مركز المؤتمرات. وفوجئ الحاضرون بأن جدول الأعمال أقره بالكامل دون أن يشاركوا في إعداده أو قراءته قبل الاجتماعات لمنعهم من الإدلاء بآرائهم فيه.
وأعلن صفوت الشريف خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر أن الحزب يسعي للارتقاء بأدائه قائلاً: فلتذهب الشللية إلي الجحيم لأنها لا تؤدي إلي تقدم في الأداء، وأكد الشريف أن المرحلة القادمة ستشهد إعادة هيكلة للحزب بالكامل فكراً وتنظيماً بهدف تصحيح أي خلل في الأداء ووصف الشريف عام 2007 بأنه عام الإصلاحات الدستورية التي تمثل لب الديمقراطية، وطالب الشريف كافة القوي السياسية والوطنية بإقامة حوار مجتمعي حول الإصلاحات.
في المقابل شنت أحزاب المعارضة هجوماً علي الحزب الوطني متهمة إياه بأنه "حزب عائلي تعطيه أجهزة الأمن الحماية وأن العديد من المرتبطين به تكونت أموالهم من حرام". وقرر حزب التجمع دعوة الأحزاب والقوي السياسية إلي مؤتمر للوفاق القومي تشارك فيه الأحزاب وأساتذة الجامعات وفقهاء القانون الدستوري عقب إجازة عيد الفطر المبارك لمدة 3 أيام للتوصل إلي صيغة تبعث الحياة من جديد في الأحزاب وتضع مسودة لدستور مصري في مواجهة المشروع الذي يقدمه الحزب الحاكم حول التعديلات الدستورية. ويدرس حزبا الكرامة والوسط إشهار وجودهما في الشارع السياسي من جانب واحد بعد أن رفضت لجنة شئون الأحزاب الاعتراف بهما. وأكد أمين اسكندر عضو الأمانة العامة لحزب الكرامة ان المشروع يستهدف انتزاع حقوق الأحزاب في التواصل مع الشعب واصفاً الحزب الوطني بأنه لا وجود له وصاحب أغلبية بالاغتصاب في البرلمان. وأيد منير فخري عبدالنور السكرتير العام لحزب الوفد دعوة الوفاق الوطني بين الأحزاب المصرية والقوي الوطنية للانتقال من نظام أتوقراطي الي ديمقراطي حقيقي.
ويرعي المركز العربي لاستقلال القضاة مؤتمراً اليوم بالتوازي مع اجتماعات الحزب الوطني لمناقشة وضع دستور جديد للبلاد وتقديم مشروع للتعديلات التي تحتاجها البلاد علي الدستور الحالي. ويصف ناصر أمين المدير العام للمركز الهدف من ذلك بألا نترك الساحة فارغة أمام الحزب الحاكم حتى لا يتم الافتئات علي القيم والمفاهيم الدستورية وخاصة قضايا الحريات والمساواة. ويشارك في المؤتمر نخبة من قضاة القانون والقضاء وعلي رأسهم الدكتور إبراهيم درويش والمستشار أحمد مكي والدكتور عاطف البنا ويحيي الجمل. ووصف مركز سواسية لحقوق الإنسان التعديلات الدستورية المعروضة أمام المؤتمر السنوي الرابع للحزب الوطني بأنها تعديلات تكرس الاستبداد رافعاً شعار أنه "لا إصلاح بدون حوار مع المعارضة"، واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين أن اجتماعات الحزب الوطني تهيئ الأجواء لتكريس السلطة وتوريث الحكم.