الذين يأملون فى تقديم زعيم الانقلاب لمحكمة العدل الدولية عليهم ألا يفرطوا كثيرًا فى الأمل؛ وذلك لسبب وجيه جدًّا وهو أنه لن يكون موجودًا عندما تستدعيه هذه المحكمة.. لماذا..؟ لأنه –على الأرجح- سيكون بين احتمالات ثلاثة : إما أن الثورة الشعبية ستقضى عليه .. وإما أنه ميت بالفعل ومدفون فى ثلاجة برودتها تحت الصفر بخمسين درجة.. على هيئة كبسولة.. فى انتظار تكنولوجيا متقدمة جدًّا يحلم بها الأغنياء السوبر فى أمريكا تعيدهم إلى الحياة فى قادم الأيام.. والاحتمال الثالث أنه فاقد للوعي؛ فى غيبوبة طويلة الأمد مثل غيبوبة الدكتاتور البرتغالى سالازار (الذى مات سنة 1975) أو الأسباني فرانكو (الذى مات سنة 1970).. أو مثل شارون الذى أصيب بجلطة دماغية منذ ثلاثة عشر سنة تسببت فى فقدان وعيه... واستمر فى غيبوبته حتى دُفن مؤخّرا هذا العام.. إنهم يستعرضون جسده تحت الكاميرات ليشهد العالم معجزة الميت الحي؛ الذى لا تزال بعض خلايا دماغه تعمل؛ ويطلقون أخباره من وقت لآخر: فتارة يقولون: إن الخلايا الحية فى الدماغ بدأت تظهر نشاطًا أكثر وتارة يقولون: إن صحة شارون تتدهور.. ولكن الحقيقة التى لا يتحدثون عنها أبدا أن الرجل ميت وأن أجزاء من بدنه قد تعفّنت ويجرى استئصالها من وقت لآخر.. وأنه قد ملأ الناس بالقرف، حتى أن أهله أنفسهم عبّروا عن رغبتهم فى وقف الأجهزة الطبية التى تبقيه على هذه الحالة العفنة.. هناك شبه كبير بين هؤلاء الأربعة فكلهم ارتبطت حياته بأنهار الدم والقتل والحروب الأهلية.. وتصفية الأبرياء والأحرار؛ فالعالم لا ينسى أبدا المحاكمة الهزلية التى أدّت إلى إعدام شاعر الحرية الأسباني العظيم "فدريكو جارثيا لوركا".. ولا ينسى مذابح صبرا وشاتيلا..
ولعل هناك علاقة رحم فرعونية متميزة بين الطاغيتين المصري والإسرائيلي.. وربما عرقية أيضًا..!! ولكننا -للأسف- لم ندرك الحكمة الإلَهية البالغة التى تشى بسرّ هذه الحالة النادرة من الموت الذى لا يجري على النمط التقليدى المعتاد .. لعبرةٍ إلَهية.. كما تتجلّى فى هذه الآية البليغة:
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} ولله آيات تعصف بالعقل المتأمل إذا أمعن التفكير فيها؛ فالله قادر على أن ينزِّل عذابه مكثَّفًا مضاعفًا فى الدنيا والآخرة على من غضب الله عليه.. كما يتجلّى فى هذه الآية : {إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}.