يبدو أن أزمات الأمة العربية أخذت تتعقد بتعقد الحياة السياسية في كثير من الدول العربية، وأصبحت تسير في حلقات، واحدة تأتي بأخري، وأزمة الاحتياجات اليومية أصبحت من هموم المواطن العربي علي امتداد التاريخ. ويبدو أن اصطفاف المواطن العربي في طابور أصبح إلزاميا، فبعض الدول ذات الكثافة السكانية العالية كمصر عاشت لفترة طويلة ومواطنوها يصطفون لساعات أمام الجمعيات الاستهلاكية وأكشاك السكائر والمخابز وبعض مستودعات التموين للحصول علي بعض ما يحتاجونه. ان الأزمات التي تحدث في بلداننا غالبا ما تكون مقصودة وليست عشوائية أو نتيجة لسوء تخطيط اقتصادي أو نتيجة لحصار أو احتلال أو كليهما، لان الاحتلال عادة ما يستولي علي ثروات الشعوب ويعيق الانتهاج ويوقف النمو الاقتصادي. أما الأزمات التي يعاني منها سكان الأراضي الفلسطينية فقد أصبحت (بالجملة من كثرتها) هذه الأيام، وهي ناتجة عن استمرار الاحتلال الاسرائيلي وممارساته الاحتلالية وانتهاكه المتواصل لحقوق الانسان الفلسطيني، والأزمة في الوطن الفلسطيني تعقبها أزمات، حتي اننا أخذنا نشك في أن وجودنا علي هذه الحياة كفلسطينيين أزمة في حد ذاتها!! لقد سرق الاحتلال الأمريكي ثروات العراق وتراثه وتاريخه ونفطه وصنع الأزمة بعد الأزمة حتي أصبح المواطن العراقي يصطف أمام محطات الوقود، كمواطني الدول التي تستورد النفط بالجالون، هذا بخلاف أزمة الرغيف والدواء ان وجد. أما الجديد في مسلسل الأزمات الفلسطينية فيتمثل في أن لا يجد الفلسطيني طابورا يقف فيه لأن لا وجود لاحتياجاته، وإن وجدت فهي شحيحة بدرجة تؤدي الي رفع سعرها لأكثر من الضعف. غزة من جديد لا وقود فيها بل إن حصتها من الوقود أصبحت مقننة ومحدودة، وقد تحرم بعد حين. أصحاب السيارات يصطفون ساعات طويلة أمام محطات الوقود علي أمل الحصول علي بضعة لترات من السولار، قد لا تكفي ليوم واحد أو حتي لتسيير سياراتهم عشرات من الكيلومترات. ان الأزمة الآن أصبحت متي يصطف المواطنين أمام محطات الوقود وكيف يصطفون بسياراتهم ويغلقون الشوارع، وقد يستيقظ أصحاب السيارات ليبكروا في الاصطفاف، والمرعب في مسلسل الأزمات هذا اننا شعب يتأدلج مع الأزمات، ونتحدث في الأزمة الحالية والأكثر حداثة وليس الأزمة الأم، أزمة الاحتلال الاسرائيلي. أما أزمة الرغيف وسبل الوصول اليه فقد باتت الشغل الشاغل للسكان لأن كل الناس يأكلون الخبز ويتعاطونه بادمان ليس لجودته ولذة طعمه، وانما لارتفاع أسعار اللحم والألبان ومشتقاته، والمخيف في الأزمة هو أن طعم الرغيف أصبح لا يطاق والسبب هو الدقيق الفاسد الذي يورد الي قطاع غزة أو رداءة جودته وارتفاع أسعاره قياسا مع نوعه وجودته أيضا. أما أزمة العمل والطابور الطويل للخريجين فجعلتهم ينتظرون بلا أمل لأنهم قد يصطفون بالطابور، ولكن للأسف قد تسحب الوظيفة المعلن عنها أو يكون قد حصل عليها أحد قبل الاعلان ليصبح الحصول عليها يحتاج لشهادة حزب سياسي وليس لكفاءة!! لا نعرف متي ينتهي مسلسل الأزمات ومتي يقتنع صانعوها بان هذا الشعب لا طاقة له ليتعايش مع مجمل الأزمات المحاكة ضد أبنائه علي وجه العموم، فما عاد لدينا أمل في انتهائها ويبدو أن الأمل أصبح في أزمة أيضا، فاليوم أزمة الدقيق والرغيف والوقود والعمل، وغدا الماء والهواء والكساء. انه الاحتلال مرة أخري من صنع أزمة الانقسام والاختلاف السياسي عبر التعنت المقصود في تسويف المفاوضات واطالة زمنها دون تغيير علي الأرض يتيح للسكان العيش علي الأقل مطمئنين لما قد يحدث بالمستقبل. ليس غريبا أن يخلق المحتل أزمات للوطن المحتل، ولكن الغريب ان نخلق نحن الفلسطينيين لأنفسنا أزمة، فالوحدة الوطنية أصبحت في أزمة أصعب من أزمة الخبز والرغيف والوقود والعمل والاعتقال. ان الغالبية العظمي من أبناء الشعب الفلسطيني يصطفون صفا واحدا ليقولوا كلمة واحدة وهي كفي، فلنكن أبناء وطن واحد: اخوة نعيش معا لنواجه ما يصنعه المحتل من أزمات قاتلة لوجودنا وصمودنا وكفاحنا علي كافة الأرض الفلسطينية، ومعا نعيد دورة البناء والتطوير ونهتم بهذا الانسان الفلسطيني الذي لم نهتم به منذ أن اختلفنا، وهنا نستطيع أن نقول للمحتل بالفعل اننا اقوي من أزماتك التي تبتكرها وتصنعها واحدة تلو الأخري، معا نتحدي الأزمات باصرار وطني خالص. com.Akkad_price@hotmail