اليوم تحِلُ الذكرى الخامسة للغزو الأميركي للعراق، وتحل معها ذكريات الأعوام الأربعة الماضية التي لم يختلف فيها الوضع كثيراً عما هو قائم حالياً. فالعراق يسير من سيئ إلى أسوأ، والفرق الوحيد فقط يكمن في معاناة العراقيين التي تزداد كلما تعثر مشروع المصالحة الوطنية، وكلما زادت المسافة بين الفرقاء العراقيين. حلّت الذكرى الخامسة لاحتلال العراق في ظل أوضاع مأساوية غير مسبوقة، وفي ظل مأساة إنسانية لم يكن لأحد أن يتخيل يوماً أن تقع على أرض العراق. ويكفي أن نقرأ التقرير الذي أصدرته قبل أيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والذي يشير إلى أن العراق بات من البلدان "الأكثر خطراً في العالم". ويؤكد التقرير أنه بسبب النزاع القائم في العراق، يجد ملايين العراقيين صعوبة في الحصول على المياه الصالحة للشرب والمنشآت الصحية والرعاية الصحية، مشيراً إلى أن الأزمة الراهنة قد تفاقمت بسبب النتائج المستمرة للنزاعات المسلحة السابقة وسنوات العقوبات الاقتصادية. ويلفت التقرير الانتباه إلى أنه بالرغم من تحسن الوضع الأمني في بعض المناطق، فإن هناك عراقيين ما زالوا يسقطون قتلى أو جرحى كل يوم في معارك واعتداءات. والأخطر من ذلك أن التقرير يؤكد أن المدنيين غالباً ما يستهدفون عمداً من دون أي مراعاة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وأن لدى كثير من العائلات هناك- على الأقل- مريضاً أو جريحاً أو شخصاً اعتبر في عداد المفقودين أو معتقلاً أو مجبراً على العيش بعيدا عن ذويه. في حين تؤكد كافة التقارير الدولية الأخرى أن المرافق الأساسية في العراق قد دمرت تماماً وفي حاجة لعقود طويلة كي تعود إلى سابق عهدها. فعلى سبيل المثال لم يعد بإمكان ملايين الأشخاص الحصول سوى على كميات غير كافية من المياه الرديئة النوعية، لأن شبكات توزيع المياه والصرف الصحي لا يمكن صيانتها ولا يوجد سوى عدد ضئيل جدا من المهندسين. هذا هو "فردوس الديمقراطية" الذي بشر به المحافظون الجدد، وسعى إليه الرئيس الأميركي جورج بوش، وهذه هي ضريبة الغزو الأميركي للعراق التي يدفعها العراقيون دون غيرهم. ولم يكن للذكرى الخامسة لغزو العراق أن تمر مرور الكرام، فقد آثر ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي ومهندس الحرب على العراق، أن يقوم خلالها بزيارة خاطفة إلى بغداد، حاول فيها أن يضع اللمسات النهائية على نموذج العلاقة التي سوف تحكم بلاده والعراق لعقود طويلة قادمة. لم يذهب تشيني للعراق كي يبحث عن حل لحال التشرذم التي أصابت النسيج الوطني العراقي، أو أن يجد ملجأ لآلاف العائلات والأسر التي فقدت ذويها وأهلها في الحرب الأهلية، فمثل هذه القضايا لا تشغل باله، وإنما ما يشغله حقاً هو القواعد العسكرية الأميركية في العراق. لم يذهب تشيني للعراق كي يبحث عن مخرج آمن لقواته، وإنما ذهب كي يؤمن آبار النفط التي سوف يستثمر فيها أمواله بعد إحالته للتقاعد. وهو ما أكدته جريدة فاينانشال تايمز التي أشارت إلى أن الملف الرئيسي فى جولة تشيني، والتي تمتد لعشرة أيام، هو النفط. وكم كان ملفتاً أن يدعو تشيني الدول العربية كي ترسل سفراءها إلى بغداد، ليس للبحث عن حل للأزمة العراقية، وإنما لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في العراق. وكان حرياً بنائب الرئيس الأميركي أن يسأل نفسه: ومن الذي أعطى إيران اليد العليا في العراق؟ لا يزال تشيني يجاهر بنجاعة الغزو الأميركي للعراق، ويؤكد أنه لم يكن غزواً وإنما "حملة حررت الشعب العراقي من طغيان صدام حسين ووضعتهم على الطريق الصعب والتاريخي للديمقراطية"، هكذا احتفل تشيني بالذكرى الخامسة للحرب على العراق. كان حرياً بنائب الرئيس الأميركي أن يقرأ صحيفة الاندبندنت البريطانية خلال الأيام القليلة الماضية، التي وضعت قائمة بالفائزين والخاسرين من حرب العراق، والتي أشارت إلى أن إيران والقاعدة هما أبرز الفائزين من احتلال العراق. في حين أن أبرز الخاسرين هم الرئيس الأميركي جورج بوش، وتلميذه النجيب، توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق، بالإضافة إلى الفلسطينيين الذين تاهت قضيتهم في ظل استحواذ العراق على الاهتمام العالمي بدلاً منها. كما لم يكن للذكرى الخامسة للعراق أن تمر دون أن يقوم أحد المحافظين الجدد بزيارته، وهو المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركي، السيناتور جون ماكين، الذي يسعى لتدعيم مركزه الانتخابي في مواجهة المرشح الديمقراطي خلال المعركة النهائية في نوفمبر المقبل. وهكذا بات العراق ساحة لجني المكاسب السياسية، حتى وإن جاءت على حساب الشعب العراقي الذي يدفع ثمن أخطاء الآخرين.