محافظ الغربية: متابعة يومية لإنهاء المشروعات وتحسين الخدمات.. ولن نسمح بأي تباطؤ    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلي استهدف نازحين غرب خان يونس    السفير الفرنسي بالقاهرة: ندعم مصر في الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد    مصادر: ترامب تفاجأ بخطوة البنتاجون لوقف تسليم أسلحة إلى أوكرانيا    خالد الغندور: مودرن سبورت يقرر عدم تفعيل بند شراء معتز زدام    أحمد بلال: الأهلي وبيراميدز سيتنافسان على لقب الدوري.. والزمالك في المركز الثالث    أسامة كمال يشيد بجهود الحماية المدنية في إطفاء حريق رمسيس: دايما بننساهم ودايما موجودين    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة    محافظ الجيزة يعقد اللقاء الأسبوعي لبحث شكاوى المواطنين بعدد من الأحياء    مرشحان في اليوم الرابع.. 7مرشحين يتقدمون بأوراقهم لانتخابات مجلس الشيوخ بالأقصر    مصر تفوز على تونس وتتوج بالبطولة العربية للسيدات لكرة السلة    استشهاد لبناني في غارة إسرائيلية بطائرة مسيّرة استهدفت سيارة في صيدا    المشدد 10 سنوات لعامل بتهمة حيازة حشيش وقيادته تحت تأثير مخدر بالقليوبية    بعد أزمة سرقة اللوحات الفنية.. ON تحذف برومو برنامج مها الصغير الجديد    عودة الملك لير.. يحيى الفخراني يفتتح العرض الثالث بحضور وزيري الثقافة والخارجية    السفير التركي: زيارة "بويوكادا" للإسكندرية تجسد تعزيز التعاون العسكري مع مصر    شاشة ON تحذف برومو برنامج كلام كبير ل مها الصغير    فابيان رويز: نحترم ريال مدريد وسنقاتل على بطاقة نهائي المونديال بأسلوبنا    التعليم العالي: فتح باب التسجيل بالنسخة الثانية من مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب    مملكة الحرير.. الأشقاء يجتمعون مرة أخرى بعد انتشار الطاعون    معتز وعمر وائل يتوجان ببرونزية التتابع في بطولة العالم للخماسي الحديث    رئيس جامعة بنها يتفقد مستشفى الجراحة: تطوير ب350 مليون جنيه لخدمة مليون مواطن سنويا    تطورات الحالة الصحية للإعلامية بسمة وهبة بعد إجراء عملية جراحية    العثور على طبيب مصاب بجرح فى الرقبة داخل مستشفى بنى سويف الجامعى    كشف حساب مجلس النواب في دور الانعقاد الخامس.. 186 قانونا أقرها البرلمان في دور الانعقاد الخامس.. إقرار 63 اتفاقية دولية.. 2230 طلب إحاطة باللجان النوعية    تعليم الإسماعيلية تؤهل طلاب الثانوية لاختبارات قدرات التربية الموسيقية    إحالة الأم المتهمة بقتل أطفالها الثلاثة بالشروق للمستشفى النفسي    زحلقنا الأمريكان، مبارك يكشف في فيديو نادر سر رفضه ربط شبكات القاهرة بسنترال رمسيس    أجواء شديدة الحرارة ورطوبة مرتفعة.. "الأرصاد" تُحذر من طقس الساعات المقبلة    دينا أبو الخير: الجلوس مع الصالحين سبب للمغفرة    إصابة 3 أشخاص فى مشاجرة بالأسلحة النارية بقنا    بحوث الإسكان يناقش تخطيط وتنفيذ مشروعات الساحل الشمالي والتغيرات المناخية    شباب عُمان.. تتوج بجائزة مهرجان لوهافر للإبحار بفرنسا    رئيس جامعة بنها يتفقد سير العمل والاطمئنان على المرضى بالمستشفى الجامعي    طريقة عمل كيكة الشوكولاتة بأقل التكاليف والنتيجة مبهرة    «الوطنية للانتخابات»: 311 مرشحا لانتخابات الشيوخ على الفردي.. .ولا قوائم حتى اليوم    بعد غياب 8 سنوات.. إليسا ووائل جسار يلتقيان في ليلة الأحاسيس بجدة    ننشر أسماء أوائل الصف الثالث للتمريض بمحافظة مطروح للعام الدراسي 2024 - 2025    فودافون مصر تعزي "وي" في ضحايا حادث حريق سنترال رمسيس: "قلوبنا معكم"    الخميس.. الأوقاف تنظم 2963 مجلسا دعويا حول آداب دخول المسجد والخروج منه    مدير أوقاف مطروح: آفة العصر إدمان السوشيال ميديا وسوء استخدامها    سمير عدلي يطير إلى تونس لترتيب معسكر الأهلي    الشرطة الإسبانية تكشف نتائج التحقيقات الأولية حول وفاة جوتا    شيخ الأزهر يستقبل قاضي قضاة فلسطين ووزير الأوقاف الفلسطيني    البحر الأحمر تشدد على تطبيق قرار منع استخدام أكياس البلاستيك وإطلاق حملات لحماية البيئة البحرية    غلق وتشميع 13 كافيتريا لإدارتها بدون ترخيص فى الزقازيق    الأردن يحصد برونزية البطولة العربية لسيدات السلة على حساب الجزائر    وزير الكهرباء و"روسآتوم" يتفقدان سير العمل في مشروع المحطة النووية بالضبعة    مصدر أمني ينفي إضراب نزلاء ينتمون للجماعة الإرهابية داخل مراكز الإصلاح    أمينة الفتوى: «النار عدو لكم فلا تتركوا وسائل التدفئة مشتعلة أثناء النوم»    فرص جديدة واستقرار مالي.. اعرف توقعات برج الحوت في الأسبوع الثاني من يوليو 2025    وزارة الأوقاف تخصص 70 مليون جنيه قروضًا حسنة بدون فوائد للعاملين    وفّر في استهلاكك وادفع أقل في فاتورة الكهرباء    الداخلية تكشف ملابسات فيديو هروب الربع نقل على دائري المقطم في القاهرة    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    وزير البترول: تنفيذ مشروعات مسح جوي وسيزمي لتحديد الإمكانات التعدينية فى مصر    حريق سنترال رمسيس.. وزير التموين: انتظام صرف الخبز المدعم في المحافظات بصورة طبيعية وبكفاءة تامة    موعد مباراة تشيلسي وفلومينينسي في كأس العالم للأندية والقناة الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمهورية الضباط.. حكام مصر «الجدد» الحقيقيون
نشر في الشعب يوم 20 - 10 - 2013

القوات المسلحة تستغل ذلك الإرث التاريخى لتدعى أحقيتها فى تحديد المصلحة والهوية الوطنيتين، ولتضع نفسها فوق الدولة وفى منأى عن النظامَين القانونى والقضائى
اقترب عسكر مصر من «مَأْسَسة» سيادتهم السياسية على الدولة بعد الانقلاب على مرسى
لا يستطيعون تحقيق الأهداف الأكثر طموحا مثل: مكافحة البطالة وتحسين المستويات المعيشية، وتشجيع المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الاستثمار المحلى، ورفع معدلات الإنتاجية الاقتصادية والكفاءة الإدارية فى الوزارات والهيئات
ثمة إغراء كبير فى تعهد الحكومة الانتقالية «التكنوقراطية» فى مصر باستعادة السلم الأهلى والاستقرار السياسى، وإنقاذ الاقتصاد، فيما تعانى مصر أزمة دستورية مطولة، وميلا متناميا إلى العنف، وسط اشتداد الضيم الاجتماعى واللا مساواة الاقتصادية.
باتت الحلول المالية السريعة ممكنة، بفضل منح مصر ما قيمته 12 مليار دولار من المعونات السعودية والإماراتية والكويتية -إذا توافرت فعلا- وإمكان الاتفاق على قرضٍ بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولى. وسيتيح ذلك للحكومة الانتقالية أن تضبط عجز الموازنة، وتزيد احتياطى العملة الصعبة، وتُبطِئ معدلات التضخم، وتعزز ثقة المستثمرين فى الأجل القصير.
غير أن صعوبات جمة -إن لم نَقُل: مستحيلة- ستواجه تحقيق الأهداف الأكثر طموحا، مثل مكافحة البطالة وتحسين المستويات المعيشية، وتشجيع المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الاستثمار المحلى، ورفع معدلات الإنتاجية الاقتصادية والكفاءة الإدارية فى الوزارات والهيئات الحكومية.
لا يعود ذلك إلى افتقار إلى السياسات أو الوصفات الناجعة، بل مرده إلى أنه لا الحكومة الانتقالية ولا الحكومة التى ستُشكَّل عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التى يُفترَض أن تُجرى بحلول نهاية عام 2013، تستطيع أن تنطلق بالإصلاحات الإدارية والاقتصادية اللازمة لحلّ مشكلات مصر البنيوية المستديمة، بدون الاصطدام المباشر بالشبكات والمصالح العسكرية الواسعة والمُبطَّنة فى أرجاء جهاز الدولة الهائل كافة، وفى القطاعات المملوكة للدولة من الاقتصاد.
إن «جمهوية الضباط» هذه ستقوِّض أداء أى حكومة مُنتخَبة ديمقراطيا تسعى إلى تحقيق التحول الحقيقى فى إدارة اقتصاد البلاد، مهما كان اتجاهها السياسى أو العقائدى. وصحيح أن أداء الرئيس محمد مرسى وجماعة «الإخوان المسلمين» اتسم بالتخبط، إلا أن أكثر الحكومات ليبرالية أو علمانية كانت ستجد شرعيتها تتآكل أيضا؛ ما يجعلها عرضة للاضطرابات ومُتّكِئة إلى المؤسسات عينها -أى القوات المسلحة- التى يشكِّل توغلها فى الدولة والاقتصاد أحد العوامل الرئيسة فى تعمُّق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية واستفحالها.
لقد كشفت تنحية مرسى عن الرئاسة كم اقترب عسكر مصر من «مَأْسَسة» سيادتهم السياسية على الدولة المصرية، ومن ثم إدامة جمهورية الضباط؛ فقد كرَّس الدستور الجديد المُقَرّ فى استفتاء ديسمبر 2012 استقلالية القوات المسلحة التام عن السيطرة المدنية، وأزاح الرقابة البرلمانية، حتى الشكلية، عن موازنة الدفاع والمشاريع الاقتصادية والعسكرية، وحرَّمَ مقاضاة الضباط -حتى العاملين والمتقاعدين- أمام المحاكم المدنية ولو ارتبط الأمر بجرائم تخضع للقانون الجنائى المدنى. وقد أقرَّت إدارة مرسى هذه البنود، التى لم تعارضها القوى السياسية المناهضة له، باستثناء الشباب الثورى والوجه الليبرالى محمد البرادعى.
كما يشكِّل الضباط غالبية أعضاء مجلس الدفاع الوطنى، الذى أعاد المجلس العسكرى الحاكم آنذاك إحياءه فى يونيو 2012.
إن مجلس الدفاع الوطنى هو الجهة الوحيدة المخوَّل لها صراحةً الآن مراجعة موازنة الدفاع فى بنوده العامة. ويفوِّض عمليا القوات المسلحة فى الإشراف على مجالات سياسية تعتبرها ذات صلة بالأمن القومى.. والنتيجة هى مزيد من تقييد سلطات الرئاسة والحكومة وصلاحياتهما.
تتجسَّد اليوم السلطة العسكرية فعليا فى شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. واتضح ذلك فى حادثة لم تلقَ اهتماما إعلاميا يذكر، هى إقالة اللواء محمد رأفت شحاتة من رئاسة الاستخبارات العامة فى 5 يوليو 2013. كان شحاتة أول ضابط يرتقى إلى ذلك المنصب من داخل الجهاز، الذى طالما ترأسه ضباط قادمون من الاستخبارات الحربية -أى الاستخبارات العسكرية- ولم يكن قد فات على توليه رئاسة الاستخبارات سوى تسعة أشهر ونصف الشهر، ولم يكن ثمة سبب موجب لإقالته. غير أن الأمر اعتُبِر من الأهمية الملحة التى جعلت الرئيس الانتقالى عدلى منصور يصدر مرسوما بذلك فور توليه منصبه، وباستبدال اللواء محمد فريد التهام -وهو ضابط سابق فى الاستخبارات الحربية- مكان شحاتة، وبذلك أعاد السيسى تأكيد هيمنة الجهاز الأخير الذى كان يقوده السيسى حتى تعيينه وزيرا للدفاع فى أغسطس 2012، وغلبة القوات المسلحة عموما.
إن تعيين التهامى لافت بشكل خاص؛ لأنه ترأس سابقا هيئة الرقابة الإدارية، وهى أهم الأجهزة الرقابية المصرية، التى ترفع تقاريرها إلى رئيس الجمهورية مباشرة.
تولى التهامى ذلك الموقع طوال السنوات السبع الأخيرة من عهد الرئيس حسنى مبارك الذى استخدم الهيئة لمعاقبة معارِضيه ومكافأة مؤيديه، بفتح أو إغلاق ملفات التحقيق فى أنشطتهم التجارية والمالية. والواضح أن التهامى حاز رضا مبارك؛ إذ جرى التمديد له أربع مرات بعد انتهاء فترة عمله النظامية البالغة أربع سنوات، إلى أن عزله مرسى فى سبتمبر 2012 بعد اتهامه بالفساد.
مهما كانت حقيقة اتهامات الفساد أو عدمها، فإن تقمص التهامى دور رئيس الاستخبارات العامة يُلقى الضوء على كيفية عمل جمهورية الضباط. ولها ما تحميه فعلا؛ ففى مقابلة صحفية صريحة جديرة بالثناء، فى مايو 2013، أشار الرئيس الجديد لهيئة الرقابة الإدارية اللواء محمد عمر وهبى هيبة إلى «تزاوج رأس المال بالسلطة» الذى أعاق عمل الهيئة فى عهد مبارك، وكشف أن مرسى رفع حصانة رئاسة الجمهورية من المراقبة للمرة الأولى فى تاريخها، ثم عدَّد هيبة قطاعات الدولة الثلاثة الأكثر تأثرا بالفساد، وهى: الحكم المحلى، وهيئات الاستثمار والشركات القابضة المملوكة للدولة، ودوائر الجمارك والضريبة والتأمين الاجتماعى.
بغض النظر عما إذا قصد هيبة الربط أم لم يقصد، فإن القطاعَين الأول والثانى -أى الحكم المحلى وهيئات الاستثمار والشركات القابضة- يوظفان أعدادا كبيرة من الضباط المتقاعدين تصل إلى الآلاف فى المناصب العليا. والأمر نفسه ينطبق على العديد من قطاعات الإدارة المدنية، مع تركيز خاص فى الوزارات والأجهزة العاملة فى مجال الأراضى، كالإسكان، وإدارة العقارات، والأشغال العامة، والتطوير الزراعى، واستصلاح الأراضى والسياحة. ويتمتع كبار الضباط بنوع من الإقطاعية؛ إذ يستحوذ كل فرع من القوات المسلحة على توزيع المناصب فى محافظات محددة، وفى الشركات القابضة ودوائر الخدمات العامة الواقعة ضمن اختصاص ذلك الفرع التقنى أو الجغرافى.
كما تُفاخِر القوات المسلحة بقدرتها على تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى بكلفة أقل من شركات القطاع الخاص، وبتوفيرها السلع الاستهلاكية الرخيصة من منتجات صناعية وغذائية، وبتقديم «الهدايا» إلى الشعب المصرى، من «الشنط» الغذائية المجانية للفقراء، إلى الجسور ومحطات تنقية المياه وغيرها. إلا أن كل ذلك يستند إلى اقتصادات زائفة تتجاهل إعفاء مشاريع القوات المسلحة من الضرائب، وتخفيض الرسوم الجمركية على مستورداتها، وتمتعها بأسعار ميسَرة للعملة الصعبة، والعمالة الرخيصة أو المجانية، والأسعار المدعومة للوقود والكهرباء؛ أى أن مزاعم الربحية التنافسية والعطاء الكريم خادعة؛ إذ إن الخزينة العامة هى التى تتحمل التكاليف الحقيقية بتقلص جبايتها.
لقد أعلنت حكومة مصر الانتقالية عن نيتها رسم «خريطة طريق» للإصلاح الهيكلى؛ فهى تطمح إلى الاستثمار فى البنية التحتية، وخصخصة بعض الشركات القابضة، وتوفير فرص أفضل للقطاع الخاص للتنافس والاستثمار عموما. هذه غايات جديدة سبق أن أعلنتها الحكومات السابقة مرارا، لكنها تتجاهل علاقة جمهورية الضباط الاستخراجية والريعية أساسا بالدولة المصرية والمالية العامة والاقتصاد. ستدوم هذه العلاقة على حالها ما سُمح للمؤسسة التى أنشأت الجمهورية المصرية فى عام 1952 -أى القوات المسلحة- بأن تواصل استغلال ذلك الإرث التاريخى لتدّعى أحقيتها فى تحديد المصلحة والهوية الوطنيتين، ولتضع نفسها فوق الدولة وفى منأى عن النظامَين القانونى والقضائى اللذين يُلزِمان المواطنين وسلطاتهم المدنية المُنتخَبة ديمقراطيا.
* باحث أول فى مركز كارنيجى للشرق الأوسط – بيروت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.