رئيس هيئة المحطات النووية يبحث مستجدات مشروع الضبعة مع آتوم ستروي الروسية    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية في شمال سيناء    ارتفاع أسعار الذهب ببداية تعاملات اليوم السبت وهذا العيار يسجل 5190 جنيها    سعر الذهب اليوم فى مصر.. عيار 21 يسجل 4515 جنيهًا دون مصنعية    وزير الري يتابع حالة مجرى نهر النيل وفرعيه وإزالة التعديات    الزراعة: هناك متابعة مستمرة لجميع مزارع الدواجن ولم يتم تسجيل حالات نفوق والتحصينات متوفرة    بدء توافد القادة والضيوف إلى مقر انعقاد القمة العربية ال34 بالعراق    ترامب: اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان منع اندلاع حرب نووية    وزير الخارجية الإيراني: المواقف الأمريكية والتصريحات المتناقضة تعقد مسار المحادثات    موعد مباراة الزمالك وبتروجت في الدوري والقنوات الناقلة    مواعيد مباريات اليوم السبت 17 مايو والقنوات الناقلة    إقالة بابافاسيليو من تدريب غزل المحلة    القنوات الناقلة مباشر لمباراة الأهلي والزمالك اليوم في دوري سوبر السلة.. والموعد    لجنة التظلمات تخطر 3 أندية والرابطة بقرارات اجتماع مباراة القمة    النيابة تطلب تقرير الطب الشرعي في مصرع شاب غرقا بترعة الدهشورية بالجيزة    اليوم .. طقس شديد الحرارة والعظمى بالقاهرة 40    مصرع شخص وإصابة 16 فى انقلاب سيارة على طريق وصلة أبو سلطان بالإسماعيلية    الخارجية: مصر تطالب جميع الأطراف الليبية بالالتزام بأقصى درجات ضبط النفس    مصرع شاب غرقا أثناء إنقاذ شقيقه بترعة المحمودية في البحيرة    نشرة مرور "الفجر".. انتظام بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    سعد الصغير أمام المحكمة بعد قليل بسبب أغنية الأسد    عادل إمام.. حكاية زعيم نذرته أمه بطبق فتة عدس    متحدث "الحكومة العراقية": القمم العربية أصبحت منصة لتقريب وجهات النظر    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي بمرسى مطروح    ترامب يواصل هجومه على تايلور سويفت: "لم تعد مثيرة منذ أن قلت إني أكرهها"    دار الإفتاء المصرية: الأضحية شعيرة ولا يمكن استبدالها بالصدقات    تزامنا مع ذروة الموجة الحارة، 10 تعليمات من الصحة للمواطنين لتجنب ضربات الشمس    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما ب"خلية التجمع"    موجة شديدة تضرب البلاد اليوم| وتوقعات بتخطي درجات الحرارة حاجز ال 40 مئوية    اليوم، انقطاع مياه الشرب عن مدينة الفيوم بالكامل لمدة 6 ساعات    مستقبل وطن المنيا يُطلق مبادرة "طلاب فائقين من أجل مصر".. صور    نقيب العلاج الطبيعي: إحالة خريجي التربية الرياضية للنيابة حال ممارسة الطب    محام: أحكام الشريعة الإسلامية تسري على المسيحيين في هذه الحالة    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 17 مايو 2025    اللقب مصرى.. مصطفى عسل يتأهل لمواجهة على فرج فى نهائي بطولة العالم للاسكواش    مقتل عنصر أمن خلال محاولة اقتحام لمقر الحكومة الليبية في طرابلس    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    اليوم.. نظر استئناف سيدة وعشيقها في اتهامهما بقتل زوجها بالبدرشين    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    الاتحاد الأوروبي والصين يعلّقان استيراد الدجاج البرازيلي بعد اكتشاف تفش لإنفلونزا الطيور    العراق يؤكد: مخرجات قمة مصر بشأن غزة تتصدر جدول قمة بغداد    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    لكزس RZ 2026| طراز جديد عالي الأداء بقوة 402 حصان    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى AA1 مع نظرة مستقبلية مستقرة    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    رويترز: إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا    انطلاق الدورة الثانية لمهرجان SITFY-POLAND للمونودراما    قانون الإيجار القديم.. الإسكان: لن يتم طرد أي مواطن وبرلماني يطالب بإسقاطه    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمهورية الضباط.. حكام مصر «الجدد» الحقيقيون
نشر في الشعب يوم 20 - 10 - 2013

القوات المسلحة تستغل ذلك الإرث التاريخى لتدعى أحقيتها فى تحديد المصلحة والهوية الوطنيتين، ولتضع نفسها فوق الدولة وفى منأى عن النظامَين القانونى والقضائى
اقترب عسكر مصر من «مَأْسَسة» سيادتهم السياسية على الدولة بعد الانقلاب على مرسى
لا يستطيعون تحقيق الأهداف الأكثر طموحا مثل: مكافحة البطالة وتحسين المستويات المعيشية، وتشجيع المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الاستثمار المحلى، ورفع معدلات الإنتاجية الاقتصادية والكفاءة الإدارية فى الوزارات والهيئات
ثمة إغراء كبير فى تعهد الحكومة الانتقالية «التكنوقراطية» فى مصر باستعادة السلم الأهلى والاستقرار السياسى، وإنقاذ الاقتصاد، فيما تعانى مصر أزمة دستورية مطولة، وميلا متناميا إلى العنف، وسط اشتداد الضيم الاجتماعى واللا مساواة الاقتصادية.
باتت الحلول المالية السريعة ممكنة، بفضل منح مصر ما قيمته 12 مليار دولار من المعونات السعودية والإماراتية والكويتية -إذا توافرت فعلا- وإمكان الاتفاق على قرضٍ بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولى. وسيتيح ذلك للحكومة الانتقالية أن تضبط عجز الموازنة، وتزيد احتياطى العملة الصعبة، وتُبطِئ معدلات التضخم، وتعزز ثقة المستثمرين فى الأجل القصير.
غير أن صعوبات جمة -إن لم نَقُل: مستحيلة- ستواجه تحقيق الأهداف الأكثر طموحا، مثل مكافحة البطالة وتحسين المستويات المعيشية، وتشجيع المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الاستثمار المحلى، ورفع معدلات الإنتاجية الاقتصادية والكفاءة الإدارية فى الوزارات والهيئات الحكومية.
لا يعود ذلك إلى افتقار إلى السياسات أو الوصفات الناجعة، بل مرده إلى أنه لا الحكومة الانتقالية ولا الحكومة التى ستُشكَّل عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التى يُفترَض أن تُجرى بحلول نهاية عام 2013، تستطيع أن تنطلق بالإصلاحات الإدارية والاقتصادية اللازمة لحلّ مشكلات مصر البنيوية المستديمة، بدون الاصطدام المباشر بالشبكات والمصالح العسكرية الواسعة والمُبطَّنة فى أرجاء جهاز الدولة الهائل كافة، وفى القطاعات المملوكة للدولة من الاقتصاد.
إن «جمهوية الضباط» هذه ستقوِّض أداء أى حكومة مُنتخَبة ديمقراطيا تسعى إلى تحقيق التحول الحقيقى فى إدارة اقتصاد البلاد، مهما كان اتجاهها السياسى أو العقائدى. وصحيح أن أداء الرئيس محمد مرسى وجماعة «الإخوان المسلمين» اتسم بالتخبط، إلا أن أكثر الحكومات ليبرالية أو علمانية كانت ستجد شرعيتها تتآكل أيضا؛ ما يجعلها عرضة للاضطرابات ومُتّكِئة إلى المؤسسات عينها -أى القوات المسلحة- التى يشكِّل توغلها فى الدولة والاقتصاد أحد العوامل الرئيسة فى تعمُّق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية واستفحالها.
لقد كشفت تنحية مرسى عن الرئاسة كم اقترب عسكر مصر من «مَأْسَسة» سيادتهم السياسية على الدولة المصرية، ومن ثم إدامة جمهورية الضباط؛ فقد كرَّس الدستور الجديد المُقَرّ فى استفتاء ديسمبر 2012 استقلالية القوات المسلحة التام عن السيطرة المدنية، وأزاح الرقابة البرلمانية، حتى الشكلية، عن موازنة الدفاع والمشاريع الاقتصادية والعسكرية، وحرَّمَ مقاضاة الضباط -حتى العاملين والمتقاعدين- أمام المحاكم المدنية ولو ارتبط الأمر بجرائم تخضع للقانون الجنائى المدنى. وقد أقرَّت إدارة مرسى هذه البنود، التى لم تعارضها القوى السياسية المناهضة له، باستثناء الشباب الثورى والوجه الليبرالى محمد البرادعى.
كما يشكِّل الضباط غالبية أعضاء مجلس الدفاع الوطنى، الذى أعاد المجلس العسكرى الحاكم آنذاك إحياءه فى يونيو 2012.
إن مجلس الدفاع الوطنى هو الجهة الوحيدة المخوَّل لها صراحةً الآن مراجعة موازنة الدفاع فى بنوده العامة. ويفوِّض عمليا القوات المسلحة فى الإشراف على مجالات سياسية تعتبرها ذات صلة بالأمن القومى.. والنتيجة هى مزيد من تقييد سلطات الرئاسة والحكومة وصلاحياتهما.
تتجسَّد اليوم السلطة العسكرية فعليا فى شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. واتضح ذلك فى حادثة لم تلقَ اهتماما إعلاميا يذكر، هى إقالة اللواء محمد رأفت شحاتة من رئاسة الاستخبارات العامة فى 5 يوليو 2013. كان شحاتة أول ضابط يرتقى إلى ذلك المنصب من داخل الجهاز، الذى طالما ترأسه ضباط قادمون من الاستخبارات الحربية -أى الاستخبارات العسكرية- ولم يكن قد فات على توليه رئاسة الاستخبارات سوى تسعة أشهر ونصف الشهر، ولم يكن ثمة سبب موجب لإقالته. غير أن الأمر اعتُبِر من الأهمية الملحة التى جعلت الرئيس الانتقالى عدلى منصور يصدر مرسوما بذلك فور توليه منصبه، وباستبدال اللواء محمد فريد التهام -وهو ضابط سابق فى الاستخبارات الحربية- مكان شحاتة، وبذلك أعاد السيسى تأكيد هيمنة الجهاز الأخير الذى كان يقوده السيسى حتى تعيينه وزيرا للدفاع فى أغسطس 2012، وغلبة القوات المسلحة عموما.
إن تعيين التهامى لافت بشكل خاص؛ لأنه ترأس سابقا هيئة الرقابة الإدارية، وهى أهم الأجهزة الرقابية المصرية، التى ترفع تقاريرها إلى رئيس الجمهورية مباشرة.
تولى التهامى ذلك الموقع طوال السنوات السبع الأخيرة من عهد الرئيس حسنى مبارك الذى استخدم الهيئة لمعاقبة معارِضيه ومكافأة مؤيديه، بفتح أو إغلاق ملفات التحقيق فى أنشطتهم التجارية والمالية. والواضح أن التهامى حاز رضا مبارك؛ إذ جرى التمديد له أربع مرات بعد انتهاء فترة عمله النظامية البالغة أربع سنوات، إلى أن عزله مرسى فى سبتمبر 2012 بعد اتهامه بالفساد.
مهما كانت حقيقة اتهامات الفساد أو عدمها، فإن تقمص التهامى دور رئيس الاستخبارات العامة يُلقى الضوء على كيفية عمل جمهورية الضباط. ولها ما تحميه فعلا؛ ففى مقابلة صحفية صريحة جديرة بالثناء، فى مايو 2013، أشار الرئيس الجديد لهيئة الرقابة الإدارية اللواء محمد عمر وهبى هيبة إلى «تزاوج رأس المال بالسلطة» الذى أعاق عمل الهيئة فى عهد مبارك، وكشف أن مرسى رفع حصانة رئاسة الجمهورية من المراقبة للمرة الأولى فى تاريخها، ثم عدَّد هيبة قطاعات الدولة الثلاثة الأكثر تأثرا بالفساد، وهى: الحكم المحلى، وهيئات الاستثمار والشركات القابضة المملوكة للدولة، ودوائر الجمارك والضريبة والتأمين الاجتماعى.
بغض النظر عما إذا قصد هيبة الربط أم لم يقصد، فإن القطاعَين الأول والثانى -أى الحكم المحلى وهيئات الاستثمار والشركات القابضة- يوظفان أعدادا كبيرة من الضباط المتقاعدين تصل إلى الآلاف فى المناصب العليا. والأمر نفسه ينطبق على العديد من قطاعات الإدارة المدنية، مع تركيز خاص فى الوزارات والأجهزة العاملة فى مجال الأراضى، كالإسكان، وإدارة العقارات، والأشغال العامة، والتطوير الزراعى، واستصلاح الأراضى والسياحة. ويتمتع كبار الضباط بنوع من الإقطاعية؛ إذ يستحوذ كل فرع من القوات المسلحة على توزيع المناصب فى محافظات محددة، وفى الشركات القابضة ودوائر الخدمات العامة الواقعة ضمن اختصاص ذلك الفرع التقنى أو الجغرافى.
كما تُفاخِر القوات المسلحة بقدرتها على تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى بكلفة أقل من شركات القطاع الخاص، وبتوفيرها السلع الاستهلاكية الرخيصة من منتجات صناعية وغذائية، وبتقديم «الهدايا» إلى الشعب المصرى، من «الشنط» الغذائية المجانية للفقراء، إلى الجسور ومحطات تنقية المياه وغيرها. إلا أن كل ذلك يستند إلى اقتصادات زائفة تتجاهل إعفاء مشاريع القوات المسلحة من الضرائب، وتخفيض الرسوم الجمركية على مستورداتها، وتمتعها بأسعار ميسَرة للعملة الصعبة، والعمالة الرخيصة أو المجانية، والأسعار المدعومة للوقود والكهرباء؛ أى أن مزاعم الربحية التنافسية والعطاء الكريم خادعة؛ إذ إن الخزينة العامة هى التى تتحمل التكاليف الحقيقية بتقلص جبايتها.
لقد أعلنت حكومة مصر الانتقالية عن نيتها رسم «خريطة طريق» للإصلاح الهيكلى؛ فهى تطمح إلى الاستثمار فى البنية التحتية، وخصخصة بعض الشركات القابضة، وتوفير فرص أفضل للقطاع الخاص للتنافس والاستثمار عموما. هذه غايات جديدة سبق أن أعلنتها الحكومات السابقة مرارا، لكنها تتجاهل علاقة جمهورية الضباط الاستخراجية والريعية أساسا بالدولة المصرية والمالية العامة والاقتصاد. ستدوم هذه العلاقة على حالها ما سُمح للمؤسسة التى أنشأت الجمهورية المصرية فى عام 1952 -أى القوات المسلحة- بأن تواصل استغلال ذلك الإرث التاريخى لتدّعى أحقيتها فى تحديد المصلحة والهوية الوطنيتين، ولتضع نفسها فوق الدولة وفى منأى عن النظامَين القانونى والقضائى اللذين يُلزِمان المواطنين وسلطاتهم المدنية المُنتخَبة ديمقراطيا.
* باحث أول فى مركز كارنيجى للشرق الأوسط – بيروت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.