يكتنف مصر مناخا محموما لا صوت فيه إلا مكافحة الارهاب !! والإرهاب هنا يعني به بالضرورة الاخوان المسلمون!! رغم أن معرفتنا بالقوم منذ وعينا أنهم استفادوا من تجربتهم في الاربعينات والخمسينات , ومنذ خرجوا من سجون عبد الناصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات مارسوا العمل السياسي والاجتماعي والدعوي بروح سلمية وروح المتسامح الذى عفى وتجاوز عن كل ما لاقوه من أذى وظلم وتعذيب وقهر طوال فترة سجنهم هم في الصدر من التيار الإسلامي فإذا كانت التهمة تسعهم جميعا ماداموا يعتنقوا منهجا إسلاميا لإصلاح الحياة السياسية إلا أن فوهة مدافع الطغاة تستهدف الاخوان أولا , وتستهلك الحديث وتسخر السحرة رميا للإخوان بتهمة الارهاب ومن ثمّ يغدو صاحب كل لحية من القوم الارهابيين يمارس الاخوان العمل السياسي ودخلوه من أوسع الأبواب منذ ولاية المرشد الثالث الراحل العظيم عمر التلمساني الذى أحيا مواتا وجمع الاخوان على منهج حسن البنا , أذكر جيدا ومازلت أعي حزمة الاتهامات التي كان يرمي بها قسما كبيرا من أقسام الحركة الإسلامية الاخوان نتيجة تمسكهم بالعمل السياسي واختلاطهم بكل طوائف المجتمع , واجهوا اتهامات من شباب ومن شيوخ أنهم يهادنون السلطة وأنهم رضوا الدنية , غير انهم واصلوا مسيرتهم بنجاحات كبيرة دخلوا الانتخابات البرلمانية عام 84 في تحالف تاريخي مع حليف ناصبهم العداوة ردحا من الزمن , أعني به حزب الوفد في ظل أخر قيادة تاريخية هو فؤاد سراج الدين وحصدوا مقاعد لا بأس بها داخل البرلمان المصري . ثم عاودوا الكرة مرة أخرى في انتخابات 87 عبر تحالف أوسع مع حزبي العمل والأحرار وأيضا حققوا وجودا قويا ثريا داخل البرلمان المصري , وخاضوا جولات انتخابية برلمانية أخرى مستقلين حتى حصدوا 17 عضوا ثم بلغ عدد نوابهم في انتخابات 2005 88 عضوا , لم يكن طريقم خلال تلك الفترات مفروشا بالورود بل عانوا "الحظر" دائما وتحركوا من خلاله وكان أحب الألقاب التي تميزوا بها "الجماعة المحظورة" , وهكذا عانت فصائل الحركة الإسلامية أيضا العنت والقهر والسجن والاعتقال والحرمان من فرص العمل السياسي المشروع كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هى انتخابات برلمان 2010 تلك التي ثار بعدها الشعب ثورة عارمة على نظام القهر والظلم والاستبداد وتزوير ارادة الأمة , وقام الشعب بثورته العظيمة في 25 يناير 2011 , وبقي الاخوان رافدا من روافدها وقسما من أقسامها كما كان التيار الإسلامي كله بين صفوف الثورة عدا بعض الانتهازيين الذين يحلو لهم دائما الوقوف في المنطقة الرمادية حاز الاخوان وحلفائهم أغلبية أول برلمان بعد الثورة , وأصبح لهم أول رئيس منتخب في مصر الثورة , ووقع الانقلاب وأطيح بالرئيس وبكل المؤسسات الديمقراطية , وانتقل الاخوان والإسلاميون بأحزابهم التي تنوعت إلى مقاعد المعارضة في الشارع مستخدمين آليات التظاهر والاعتصام السلميين ظنا منهم أنه حق من حقوقهم الطبيعية إذ عاود حزب العمل نشاطه مرة أخرى وأصبح للجماعة الإسلامية ذراعا سياسيا ممثلا في حزب البناء والتنمية اتسم بالموضوعية في عمله وسياساته , وأصبح للجهاديين حزبا انتقلوا به للعمل السياسي الثوري هو الحزب الإسلامي , كما تنوعت الأحزاب السلفية ومنها حزبي الأصالة النهضة , وكان حزب الوسط قد حصل على أول رخصة قبيل اندلاع الثورة بحكم قضائي لم يدرك الاخوان ومن خلفهم التحالف الوطني لدعم الشرعية أن زمن الديمقراطية قد ولى , وأن الديمقراطية التي تنادى بها الانقلابيين إنما هي ديمقراطية إقصائية لا مكان فيها لأصحاب المرجعية الإسلامية , تحالف العسكر مع الليبراليين والقوميين واليسار والشيوعيين وأحزاب العار الذين شبعوا سقوطا في كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضوها في مواجهة اصحاب المرجعية الإسلامية من أجل إبعاد هذا التيار العريض الذي يحظى بدعم الوجدان العميق المتجذر في نفوس المصريين هتف البغاة وهم شرذمة "لا مكان للإسلام في مصر" وصرخ مسخ منهم فلترق الدماء مجددا من أجل مصر العلمانية!! لا يعرف الطغاة الحكم في إطار من الشرعية , لا يقدرون على الحكم بغير قوانين الطوارئ , هكذا حكموا كلهم بلا استثناء – عدا شهور قليلة في أواخر حكم السادات – منذ 52 وحتى سقط مبارك كانت العصى التى يقودون بها شعوبهم هي الطوارئ , لذلك كان أول قرار اتخذوه بعد دحر السلطة الشرعية في البلاد هو اعلان الطوارئ , وعادوا يحكمون بقانون الطوارئ وقضاء الطوارئ كان الاتهام دائما هو "الارهاب" المعتصمون برابعة والنهضة ارهابيون مسلحون . قتلوا جهارا نهارا لم يبد معهم سلاحا يُذكر ولم يبدوا مقاومة تُذكر , دعى التحالف الوطني من أجل دعم الشرعية إلى مظاهرات ومسيرات سلمية وخرج الناس الأحرار فاتحين صورهم لرصاص الغدر والخسة فاستشهد الرجال والشباب والنساء والأطفال , حرقت الجثث وتم خطفها , تم القبض على مرشد الاخوان البديع الدكتور محمد بديع ولم يكن معه حرسا مسلحا مثلما كان لرجل القذافي في مصر عند القبض عليه , وأنا أمسك بريشتي أكتب بها هذه السطور الحزينة شاهدت على "تلفاز حر" مؤتمرا لرجال أحسبهم من الصالحين يمثلون التحالف الوطني لدعم الشرعية يعلنون الصمود والتحدي في شجاعة وإباء وشمم , شاهدت ثلة من شبابنا وبناتنا في "الفيوم" في سلسلة بشرية يرفعون أوراقا كتبوا عليها " لا استسلام" فلا نامت أعين الجبناء