الهدف النبيل لا يجب ان يكون منفكا عن الوسيلة الشريفة، وإلا صارت ميكيافيلية..أقول هذا ردا علي من يدافع عن الإعلان الدستوري الذي اصدره الدكتور مرسي مساء الخميس الماضي (22 نوفمبر)، خاصة فيما يتعلق بتحصين قرارات الرئيس منذ توليه منصبه في 30 يونيو 2102 حتي إقرار الدستور الجديد، وان هذا القرارات نافذة بذاتها ولا يجوز الطعن عليها..هذا فضلا عن تحصينه لمجلس الشوري واللجنة التأسيسية لكتابة الدستور أمام أية دعاوي أو أحكام قضائية..والحقيقة ان هذه القرارات ديكتاتورية بامتياز، وتتناقض مع الأهداف التي سعت اليها الثورة..وقد استهدف التحصين جهتين: مجلس الدولة، والمحكمة الدستورية العليا، وذلك حماية لمجلس الشوري واللجنة التأسيسة من اصدار احكام بحلهما..قال المؤيدون لهذا الإعلان، ان هذا التحصين ضروري، ولولاه لتم الحل..إذ ان حل المجلس يعني غياب المؤسسات المنتخبة كاملا من حياتنا السياسية، خاصة بعد حل مجلس الشعب..كما أن حل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، يعني إهدار عمل ستة اشهر كاملة، والبدء من الصفر، والدخول من جديد في متاهة تشكيل لجنة تأسيسية ثالثة..وحتي هذه يمكن الطعن عليها وحلها، وهكذا نجد أنفسنا لا نكف عن الدوران في حلقة مفرغة لا نكاد نخرج منها.هذا المنطق يبدو وجيها للوهلة الأولي..لكن للرد علي ذلك نقول: لقد تأسس مجلس الشوري - كما مجلس الشعب الذي تم حله - علي قانون انتخاب ذي عوار شديد، وعلي اساس قاعدة ان ما بني علي باطل صار باطًلا، لا يجوز لنا ان نستمر في مجلس ربما - اقول ربما - يصدر حكم ببطلانه..ومن ثم يعتبر تحصينه التفافًا واضحًا وصريحا علي صحيح القانون الذي اقسم رئيس الدولة علي احترامه..وخير لنا ان نعيد بناء هذا المجلس من جديد علي قواعد صحيحة وسليمة، من ان نمضي فيه..إذ لا يصح في النهاية إلا الصحيح..أن المصادرة علي حق المحكمة الدستورية في ان تقول رأيها، امر لا يليق برئيس الدولة ان يأتيه..وأما اللجنة التأسيسية فقد جري تشكيلها، سواء في المرة الأولي أو الثانية علي أساس منطق الأغلبية الحزبية، وهو ما يتنافي مع ضرورة تحقيق التوافق الوطني المطلوب، وإلا فلن ننعم بالاستقرار الذي ننشده..ناهيك عن الخلافات التي وقعت بين الاعضاء انفسهم حول بعض القضايا الواردة في مسودة الدستور، أو في الطريقة التي تدار بها جلسات اللجنة..ولا يقال ان هناك اتفاقا علي نحو 09% من المواد، وان الخلاف منحصر في 01% فقط، تهوينًا من شأن المشكلة.. أقول: ان الدستور وحدة متكاملة متناسقة من أوله إلي آخره، وما لم تكن هذه ال10% منسجمة ومتناغمة مع الجزء الآخر، فسوف يخرج الدستور مشوهًا..من هنا كان الخوف..يضاعف منه انسحاب عدد كبير من أعضاء اللجنة التأسيسية ، يمثلون قوي وأفرادًا لهم مكانتهم ومنزلتهم.قد يقال إن هذه القرارات الديكتاتورية لحماية الثورة، وإنها لفترة محدودة ربما لا تتجاوز ثلاثة اشهر، أقول: ان حماية الثورة لا تكون بقرارات تحدث هذا الانقسام الحاد بين أبناء الوطن، بل تكون بقرارات تؤدي إلي تكاتف الجميع..قرارات تمد جسور الثقة بين الرئيس وكافة القوي السياسية والوطنية، ولا تدع فرصة لمزايدة فصيل هنا أو هناك..قرارات لا تدخل في خصومة مع عموم القضاة، أو تسلب هيئة قضائية حقها، بزعم ان هذه الهيئة مسيسة (!)..ان الشعب الذي قام بالثورة وقدم تضحيات غالية من اجل الحرية، لا يمكن ان يسمح للديكتاتورية بأن تعود ولو لفترة قصيرة، حتي لو كانت أياما.أرجو ان يراجع الدكتور مرسي نفسه في هذه القرارات، فنحن أحوج ما نكون في هذه الفترة إلي لملمة شملنا وتطبيب جراحاتنا، والله المستعان وعليه التكلان..حفظ الله مصر من كل سوء، ورزق أهلها الحكمة والرشد، وأنعم عليهم بالأمن والأمان والطمأنينة والسلام