عاد مشهد التحديات والأزمات ليطفو على السطح، بعد أن أسدل الستار على الانتخابات الرئاسية فى سوريا والإعلان عن فوز الرئيس السورى بشار الأسد، بولاية رابعة وسط آمال فى أن يسهم الاقتراع فى بعض الحلحلة رغم تشكيك قوى غربية واصفة الانتخابات بأنها تمثيلية، ومعارضيه بنزاهة الانتخابات بعد عقد من نزاع مدمر تسبب فى تقطيع أوصال سوريا بأكملها. فاز الرئيس السورى بعدما حصل على 95.1% من الأصوات فى الانتخابات التى جرت قبل أيام، بحسب النتائج التى أعلنها رئيس مجلس الشعب حمودة صباغ. بشار الأسد الذى حكم البلاد منذ عام 2000، خلفًا لوالده حافظ الأسد، ينظر لهذه الانتخابات كفصل النهاية للصراع الداخلى الذى استمر 10 سنوات، ورصاصة الرحمة على المعارضة، كما يرى أن الاقتراع كان دليلا على عودة البلاد إلى طبيعتها. حيث دخل الأسد السباق الرئاسى بشعار: "الأمل بالعمل"، وشملت حملته عناوين عريضة لإقناع السوريين بانتخابه، منها إعادة الإعمار، بعدما تمكن بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد كانت قواته خسرتها خلال سنوات الحرب الأولى. وكانت كلماته الاولى بعد الاعلان عن فوزه بتعهده بهزيمة أعدائه قائلا فى خطاب تلفزيونى استغرق 9 دقائق، إن الغرب يساوى "صفرا" فالجماهير تحدت أعداء سوريا، وأولئك الذين يشككون فى شرعية الانتخابات من خلال الخروج بأعداد كبيرة للتصويت له، واصفا إياها بالروح القتالية. عاصفة وفى مواجهة ترحيب قوى من الحلفاء بنتائج الانتخابات، خاصة روسيا وإيران وبعض دول أمريكا اللاتينية، شنت الدول الغربية عاصفة تشكيك فى الاقتراع وشرعية الأسد. فإن حلفاء النظام السورى، وعلى رأسهم روسيا وإيران، يرون أن الانتخابات الرئاسية السورية تمثل إنجازا كبيرا، وقد انتقد البلدان مرارا مواقف الدول الغربية، وعلى رأسها واشطن، والتى ترى أن تلك الانتخابات لا تمثل السوريين تمثيلا حقيقيا، وأنها لن تعترف مطلقًا بنتائجها، وكانت روسيا قد اعترضت على رفض الأعضاء الغربيين، فى مجلس الأمن الدولى، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، إجراء الانتخابات الرئاسية فى سوريا، خلال جلسة للمجلس فى 28 إبريل الماضى. ففى سياق الدعم الخارجى للأسد قدم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين التهنئة بفوزه بولاية جديدة فى الانتخابات الرئاسية ونقل الكرملين عن بوتين قوله فى برقية بعث بها إلى الأسد "أكدت نتائج التصويت بشكل كامل سمعتكم السياسية العالية وثقة مواطنى بلدكم بالنهج الذى يمارس بقيادتكم لاستقرار الوضع فى سوريا وتعزيز مؤسسات الدولة فيها بأسرع وقت ممكن". وأشار الكرملين إلى أن بوتين شدد فى البرقية على عزم روسيا على مواصلة تقديم مختلف أنواع الدعم إلى الشركاء السوريين فى محاربة قوى الإرهاب والتطرف وتقديم عملية تسوية سياسية وإعادة إعمار البلاد. كما هنأ الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، الأسد بفوزه فى الانتخابات الرئاسية التى سمحت له بشغل ولاية رابعة ليواصل حكمه فى سوريا. وأضاف روحانى: " أرجو أن نشهر توثيق الشراكة الثنائية بين البلدين الشقيقين فى مرحلة جديدة من الحياة السياسية السورية". وتابع الرئيس الإيرانى: "خطا الشعب السورى خطوة مهمة فى تقرير مصيره وازدهار سوريا بهذا الإقبال الكبير والاختيار الحاسم." وعلى الجانب الآخر اعلن الاتحاد الأوروبى عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، كما رفضها أيضا الأكراد فى شمال شرق البلاد، وطيف من تكتلات المعارضة. ففى بيان للاتحاد الاوروبى أكد أن الانتخابات "لن تؤدى إلى حل النزاع فى سوريا"، ولن تؤدى إلى مبادرات من أجل عودة العلاقات الدولية مع النظام السورى إلى طبيعتها. فيما وجهت قوى غربية، من بينها ألمانيا، انتقادات أيضًا للانتخابات ووصفتها بأنها "لا حرة ولا نزيهة"، حيث أصدرت ألمانياوالولاياتالمتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا بيانا مشتركا، انتقدت فيه الانتخابات وأعلنت دعمها للمعارضة. فى المقابل، دفع الترحيب المتزايد فى الأوساط العربية ودول شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية، بالانتخابات، الذى يعد اتساع هامش الشرعية ومساحة التحرك الدولى لسوريا فى الفترة المقبلة"، ما يمكن أن يساهم فى فتح آفاق علاقات اقتصادية جديدة. عودة كما أن نتائج الانتخابات السورية يمكن أن تفتح الباب أمام استعادة سوريا مقعدها الشاغر فى جامعة الدول العربية منذ 2011. بعد سنوات من القطيعة وتجميد مقعدها فى الجامعة برزت مؤشرات عدّة على انفتاح خليجى، بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها فى دمشق وإرسالها مساعدات طبية، ثم تأكيد وزير خارجيتها فى مارس أن "عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية فى مصلحتها ومصلحة البلدان الأخرى فى المنطقة". وفى خطوة لم تكن لتحصل لولا هذا التقارب، شارك وزير السياحة السورى محمّد مارتينى بدعوة من السعودية فى اجتماع للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط فى الرياض خلال الأيام الماضية. ومن المنتظر ان يواجه الأسد فى ولايته الرابعة وضعًا اقتصاديًا صعبًا، فبعد عشر سنوات على بدء الحرب، تراجع الناتج المحلى للاقتصاد السورى الذى كان من بين أكثر اقتصادات الدول النامية تنوعا، إلى أقل من 20 مليار دولار فى عام 2019، بعدما سجل زيادة ووصل إلى حاجز ال60 مليار دولار عام 2010. ومع استمرار الحرب وتشديد العقوبات الغربية وتداعيات فيروس "كورونا"، خرج معدل التضخم عن السيطرة، وتدهور سعر الليرة السورية إلى نحو 4000 ليرة مقابل دولار أمريكى واحد. مساعدات ففى أحدث تقرير لبرنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة إن 67 بالمائة من السوريين بحاجة إلى مساعدات شهرية لمواجهة الجوع. وتأتى مهمة إعادة الإعمار بعد الدمار الكبير الذى أصاب البلاد وبنيتها التحتية إثر الحرب وهى المرحلة الأصعب التى قد تواجه الأسد بعد الفوز بالرئاسة . فنتائج الانتخابات والترحيب بها من قبل بعض أركان المجتمع الدولى مثل روسيا والصين، تفتح الباب أمام عقد مؤتمرات دولية للمانحين وإعادة إعمار سوريا، وتحريك عجلة الاقتصاد. كانت الحرب بسوريا أودت بحياة ما يقارب من 400 ألف سورى، فيما خلفت مئات آلاف الجرحى والمصابين، فضلا عن تشريد وتهجير نحو نصف عدد السكان (قرابة 13 مليون نسمة) داخليا وخارجيا.