مع اقتراب تحقيق الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق، والتى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فور توليه الحكم العام الماضى، وسعيه جاهدا لإتمام إصلاحات البنية الأساسية لمصر، عقب زوال حكم جماعة الإخوان الإرهابية، ومع انطلاق ماراثون الانتخابات البرلمانية- سلطت «النهار» الضوء على الخروقات الدعائية التى قام بها المرشحون خلال حملاتهم ودور اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية فى المراقبة، وأيضا هل تنجح جماعة الإخوان فى العودة للضوء مرة أخرى فى ظل القبضة الأمنية الحديدية التى أطبقت عليهم، ودور الجيل الثالث من الإخوان فى المجتمع، وهل ينجح فى أن ينسلخ من عباءة الإخوان؟ نفقات مرشحى البرلمان «تحت الميكروسكوب» انتهت المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، كخطوة هامة فى طريق استكمال خارطة الطريق نحو التطور الديمقراطى، وتستكمل الانتخابات البرلمانية مشوارها الشهر القادم، ورغم أن قانون الانتخابات حدد سقف الإنفاق الانتخابى 500.000 جنيه فى الجولة الأولى، و200 ألف جنيه، فى مرحلة الإعادة، إلا أن كثرة التجاوزات والشكاوى والبلاغات المقدمة ضد المرشحين المخالفين لضوابط الدعاية الانتخابية، منذ بداية ماراثون الدعاية الانتخابية خلال الفترة من 29 سبتمبر حتى 16 أكتوبر- أثبتت أن العملية الانتخابية خلت من أى آلية واضحة لضمان عدم تجاوز السقف الانتخابى أو تعميم المساواة فى الدعاية الانتخابية، وهو ما يفتح الباب أمام المرشحين الأغنياء فقط، دون غيرهم، وكأنه يقر ضماناً بطبقية الانتخابات. «الإنفاق الانتخابى» يعد من القضايا الرئيسية التى تحدد مدى نزاهة العملية الانتخابية، وتعبير نتائجها النهائية عن الإرادة الحقيقية للناخبين، مما يتطلب إقرار نظام لمراجعة التمويل الانتخابى، والمبالغ المنفقة على الحملة الانتخابية، وأوجه الإنفاق، لتحقيق المساواة فى الدعاية الانتخابية، وتجنب الخروقات والإخلالات، وعدم استعمال أساليب ملتوية للتزوير أو تغيير إرادة الجماهير، إضافة إلى استبعاد المرشح المخالف للقانون من السباق الرئاسى، إلى جانب الالتزام بجميع الجوانب المحورية التى تصب بدورها فى بوتقة الديمقراطية وتكافؤ الفرص وضمان المنافسة العادلة، بما يوفر المناخ المناسب لإجراء انتخابات برلمانية شفافة ونزيهة، خاصة أن مصر تسير قدماً نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية، وذلك إعمالًا بمبدأ تكافؤ الفرص. «النهار» حاورت المفكرين والسياسيين والقانونيين في هذا الصدد. من جانبه قال المحامى بالنقض، عصام شيحة، إنه لابد من توافر ثلاثة عناصر أساسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالجرائم الانتخابية، أولها: احترام المرشحين للعملية الانتخابية، وثانيها: عدم دخول المال السياسى فى الانتخابات، وثالثها التزام مؤسسات الدولة بالقانون. وأضاف «شيحة»، فى تصريحات ل»النهار»، أن إعطاء اللجنة العليا للانتخابات حق شطب المرشح فى حالة توافر الأدلة والقرائن القانونية، التى تثبت تجاوز حجم الإنفاق الانتخابى، حق أصيل، لافتا إلى أنه بذلك ستتعامل اللجنة مع هذه المسألة بجدية، لضمان عدم تجاوز المرشحين حد الإنفاق الانتخابى، خاصة فى ظل وجود بعض القبائل والمشايخ، والتى تساند المرشح عبر أشكال مختلفة كإقامة الولائم وتوفير وسائل الانتقال، والإنفاق المالى على الإعلانات والملصقات والبوسترات، وخلافه، مطالبا بضرورة تطبيق عقوبات مغلظة لردع المتجاوزين فى الانتخابات، بما يهدف إلى نزاهة وشفافية العملية الانتخابية. وأشار المحامى بالنقض إلى أن المرشح لعضوية مجلس النواب سواء بالنظام الفردى أو القوائم، له الحق في إعداد وممارسة دعاية الناخبين، لإقناعهم ببرنامجه الانتخابى، وذلك عن طريق الندوات والاجتماعات العامة والمؤتمرات، ووضع الملصقات واللافتات طبقاً للشروط والمدة التى يحددها القانون، فى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة والإلكترونية، وغيرها من الأنشطة، وذلك بحرية تامة يجيزها القانون، وفى إطار الضوابط والقواعد الواردة فى الدستور والقانون وقرارات اللجنة العليا فى هذا الشأن. إنفاق موحد من جهة أخرى، قال المحلل والباحث السياسى، الدكتور عمار على حسن، إنه لابد من احترام المرشحين للقانون، فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية، مشيراً إلى أهمية البدء فى حصر ومتابعة أساليب الدعاية الانتخابية، وتقديم شكاوى ضد المخالفين، حتى يتم معاقبة المخطئ بالقانون، وهذا يتطلب من العليا للانتخابات تطبيق العقوبات الرادعة التى تصل إلى شطب المرشح الذى لا يلتزم بقواعد الدعاية الانتخابية، موضحا أن الغرامة المالية ليست كافية، وحتى لا تفقد الانتخابات البرلمانية عدالتها ونزاهتها. وأضاف «حسن»، فى تصريحات ل»النهار»، أن تخصيص مبلغ 500 ألف جنيه للدعاية للمرشح الفردى أمر مبالغ فيه، وهو ما يحرم الكثير من الشباب غير القادرين، من خوض الانتخابات، حيث اشترطت اللجنة أن يكون تمويل الدعاية للمرشح من أمواله الخاصة، وللمرشح أن يتلقى تبرعات نقدية أو عينية من أى شخص مصرى، أو من الأحزاب السياسية، بشرط ألا تتجاوز نسبة ال5%، من الحد الأقصى المصرح به للإنفاق على الدعاية الانتخابية، كما يحظر تلقى تبرعات بالزيادة عن هذه النسبة، وأن يلتزم المرشح بإخطار اللجنة العليا للانتخابات، عن طريق مخاطبة لجنة انتخابات المحافظة، بأسماء الاشخاص والأحزاب وغيرهم، الذين تلقى منهم تبرعا. التجمع: المال السياسى أفسد العملية الانتخابية ورحب بالرأى السابق أمين الشئون السياسية، المتحدث الرسمى باسم حزب التجمع، نبيل زكى، حيث قال إنه على الرغم من تحديد القانون سقف المبالغ التى يجب أن يلتزم بها كل مرشح فى عملية الدعاية الانتخابية، وضرورة إثبات مصادر تمويلها وفقاً للقانون، فإنه تلاحظ عدم تطبيق هذا البند مطلقًا، منذ بدء الدعاية الانتخابية حتى الآن. واستنكر «زكى» حجم البذخ فى الإنفاق والتجاوزات التى لا حصر لها، الأمر الذى يحتاج إلى لجان متخصصة لديها الخبرة الإدارية والمالية فى حصر أموال الدعاية، وأيضا فى الكشف عن عدم تجاوزها للقانون، حتى تتمكن اللجنة من اتخاذ إجراءات حاسمة وحازمة فى هذا المجال، لمنع تسلل المال السياسى إلى العملية الانتخابية، وردع المخالفين. فيما أكد أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة القاهرة، الدكتور محمود السقا، أن عملية مراقبة الإنفاق على الدعاية الانتخابية، والسيطرة عليها أمر صعب، وإنما إذا ثبت وفقا للقانون التجاوز، فعلى اللجنة أن تتخذ إجراءاتها بشطب كل من خرق قانون الدعاية الانتخابية، الأمر الذى يتطلب المزيد من الإجراءات الثورية الجادة والعاجلة لمحاسبة المخالفين لسقف الإنفاق الانتخابى. وأردف الدكتور»السقا» أن حق الترشح مكفول دستوريًا لكل مواطن تتوافر فيه شروط الترشح، وإنما المعيار الأهم هنا مدى التزام المرشح اخلاقياً، واحترام سيادة القانون. أما الناشط الحقوقى، أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان، نجاد البرعى، فيرى ضرورة تأكد اللجنة العليا للانتخابات من التزام المرشحين بالقواعد والضوابط الخاصة بالدعاية الانتخابية، وحصر أساليبها وتكاليفها المالية، حتى لا يكون رأس المال هو السيد مثلما كان فى الانتخابات الماضية، موضحا أن قانون الانتخابات حدد سقفًا ماليًا كحد أقصى للإنفاق، على الدعاية الانتخابية فى النظام الفردى. وتابع «البرعى»: لابد من تفعيل دور اللجنة الخاصة بالعليا للانتخابات، التى يقع عليها عبء رصد مخالفات الدعاية فى المحافظات، ومراقبة مدى التزام المرشحين للبرلمان بضوابط العملية الانتخابية، وجهات تمويل الدعاية والإنفاق عليها، وفقًا لقانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014، ومن ثم عليها اتخاذ الاجراءات المناسبة بشأن وجود مخالفات لقواعد الدعاية الانتخابية، بمعرفة المحافظات ومديريات الأمن. مطلوب لجان متخصصة لمراقبة أموال المرشحين.. وتطبيق العقوبات وبدوره، قال أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة عين شمس، الدكتور محمد الميرغنى، إن اللجنة حددت محظورات الدعاية الانتخابية، والتى تضمنت “عدم التعرض لحرمة الحياة الخاصة للمواطنين أو المرشحين، تهديد الوحدة الوطنية، استخدام الشعارات الدينية، أو الرموز التى تدعو للتمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو اللغة أو العقيدة أو تحض على الكراهية، وعدم استخدام العنف أو التهديد، وعدم الاقتراب من المرافق العامة ودور العبادة والجامعات والمدارس والمدن الجامعية وغيرها من مؤسسات التعليم العامة والخاصة، وعدم الكتابة بأى وسيلة على جدران المبانى الحكومية أو الخاصة. وتقديم الهدايا أو تلقى تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية، أو الوعد بتقديمها سواء كان ذلك فى صورة مباشرة أو غير مباشرة، كما يحظر القيام بدعاية تنطوى على خداع الناخبين أو التدليس عليهم بنشر أو إذاعة أخبار كاذبة، خاصة ببرنامجه أو عن سلوك أحد المرشحين، أو عن أخلاقه أو التشهير به، من خلال الكلمات، الصور، المعانى، الرموز، الإيماءات، أو حيل التعبير، بقصد التأثير على العملية الانتخابية أو توجيه الناخبين إلى إبداء الرأى على وجه معين أو الامتناع عنه، كما لا يجوز للمرشح أن يتنازل لغيره عن المكان المخصص لحملته الانتخابية، أو استخدام مكبرات الصوت فى أغراض الدعاية الانتخابية، إلا فى حالة الاجتماعات الانتخابية المنظمة، إضافة إلى عدم الاعتداء على وسائل الدعاية الانتخابية للغير سواء بالشطب أو التمزيق، أو استخدام وسيلة من وسائل الترويع أو التخويف بهدف التأثير على آراء الناخبين وسلامة سير العملية الانتخابية، كما يحظر استغلال صلاحيات الوظيفة العامة فى الدعاية. كمال الإسلامبولى: لا توجد عدالة فى مراقبة إنفاق المرشحين من جهته، قال المحامى بالنقض، رئيس المجلس الوطنى المصرى، المستشار كمال الإسلامبولى، إن مشروع القانون الخاص بالانتخابات البرلمانية ضمانة لممارسة كل طوائف وفئات الشعب المصرى لحقوقهم الدستورية، بما يحقق مبادئ الديمقراطية والمساواة والحريات، وهو ما جاء متفقاً ومتماشيًا مع الأحكام الجديدة الواردة فى نصوص دستور 2014، ويليه دور الممارسة الفعلية والعملية تنفيذاً لنصوص هذا القانون، وبالتالى يجب على كل مرشح الالتزام بالسقف المحدد للدعاية الانتخابية على مستوى الجمهورية التى تضم 27 محافظة. واعتبر «الإسلامبولى» أن تحقيق مبدأ العدالة الناجزة فى ميزانية كل مرشح نيابى أمر صعب المنال، وذلك مع صعوبة رصده، فى ظل الإنفاق المالى على المؤتمرات والندوات والملصقات، وخلافه. وأضاف «الإسلامبولى» أن متابعة الانتخابات أمر يتطلب إجراء متابعة شاملة لحملات المرشحين، وتقدير حجم الدعاية المستخدمة فيها ونوعها وتكلفتها، بما يحقق المساواة بين المرشحين فى الدعاية الانتخابية، ولتلافى حدوث أى تجاوزات أو سلبيات يمكن أن تؤثر على سير العملية الانتخابية، منوها إلى أهمية الاستفادة من تجارب الانتخابات البرلمانية الماضية، وما لحقها من صراعات وأضرار لتفتيت مصر، وقتل أبرياء، وإشعال فتن وتدمير ثروات تاريخية. أحمد رفعت: لا توجد لجان قادرة على حصر أساليب الدعاية الانتخابية فيما أكد أستاذ القانون الدولى، رئيس جامعة القاهرة فرع بنى سويف سابقًا، الدكتور أحمد رفعت، أن العبرة ليس فى إقرار النصوص القانونية، وإنما فى تفعيلها بجدية على جميع المرشحين المتجاوزين، لإحكام عملية الإنفاق الانتخابى، خاصة مع ارتفاع نسبة الأمية إلى 40%، ونحو90% أمية سياسية، وبالتالى يسهل خداع الناخبين. وأشار «رفعت» إلى ضرورة وجود لجان متخصصة لديها الخبرة الإدارية والمالية يتوافر بها كوادر مدربة قادرة على حصر أساليب الدعاية الانتخابية، وتكاليفها وانتشارها على مستوى الدوائر الانتخابية، وتقديم تقاريرها إلى اللجنة العليا للانتخابات لاتخاذ ما تراه مناسبًا حيال من يقوم بذلك، للكشف عن عدم تجاوزها للقانون، بما يحقق التوازن والشفافية، وعدم استغلال المال السياسى فى الدعاية الانتخابية، وضمان نزاهة العملية الانتخابية.