على بعد نحو خمسة كيلو مترات من مدينة المنيا في صعيد مصر ، ترقد فى قبرها ،الذى يتردد عليه الكثيرون ليتطلعون إليها بفخار ،تلك السيدة التى قادت ثورة تحرر المرأة المصرية بآرائها المتحررة وأفكارها التى كانت سبب رئيسى فى خروج النساء لأول مرة للتظاهر فى 16 مارس 1919، والذى أعتبر بعد ذلك يوماً للمرأة المصرية، إنها هدى شعراوي. وأرتبط اسم هدى شعراوي في الربع الأول من القرن الماضي بالنضال على جبهتين: جبهة النضال لتحرير المرأة، وجبهة النضال من أجل استقلال مصر.
وتميزت في الجبهتين بجرأة نادرة وبكفاحية غير مسبوقة في عالم المرأة المصرية والعربية في ذلك التاريخ، وباستقلالية في الموقف لم تتردد، بالاستناد إليها، في التعارض والتناقض مع سعد زغلول، زعيم الحركة الاستقلالية وهو في عز مجده. إذ انتقدت موقفاً له من الإنجليز اعتبرته تنازلاً غير مبرر وغير مقبول من زعيم البلاد أمام المستعمرين.
وتروي شعراوي في مذكراتها تفاصيل طريفة عن جرأتها في النقاش والاختلاف مع سعد زغلول، وعن تعامل الزعيم المصري معها بكثير من الاحترام.
نشأتها
ولدت شعراوي في المنيا باسم نور الهدي محمد سلطان، يوم 23 يونيو 1879، وتوفيت في 29 نوفمبر 1947.
رائدة الدفاع عن حواء
لعل من أبرز محطات حياتها خروج هدى شعراوي عام 1919 على رأس مظاهرة نسائية عددها نحو ثلاثمائة سيدة مصرية، للمطالبة بالإفراج عن الزعيم السياسي المصري سعد زغلول، وخلعها نقابها علانية أمام الناس عام 1921، وحضورها ممثلة لمصر مؤتمراً دوليا عن المرأة في العاصمة الإيطالية روما.
ويذكر المهتمون بقضايا المرأة إن هدى شعراوي واحدة من النساء الرائدات في مجال الدفاع عن حقوق حواء، لفترة لا تقل عن خمسين عاما من حياتها.
وينظر مؤرخواالحركة النسائية حول العالم لهدى شعراوي على أنها شخصية جمعت المتناقضات، فرغم أنها ولدت في فراشٍ من ذهب، فإنها تنكرت للترف، واختارت قضاء حياتها في النضال والكفاح" وكانت تقاليد عصر الشعراوي تُحرّم العِلْمَ على النساء، لكنها تحدّت هذه التقاليد بأن علّمت نفسها بنفسها، وتوسّعت في طلب العلم حتى بلغت أعلى مراتب الثقافة والمعرفة، وأتقَنَت ثلاث لغات، وأصبح بيتها صالونًا أدبيًا وسياسيًّا يهرع إليه يوم الثلاثاء من كل أسبوع أعلام السياسة والفلسفة والأدب والفنون.
تمردها على زوجها وتروي شعراوي في مذكراتها قضية زواجها الغريب الذي فرض عليها وهي في الثالثة عشرة من عمرها، إذ تقدم لها رجل طاعن في السن ومتزوج وعنده أولاد، وقد قاومت بكل طاقاتها ذلك الزواج، لكنها فشلت، وأذعنت في نهاية المطاف، وتزوجت منه، وأنجبت ابنة، وقصة ذلك الزواج غريبة، فهي عانت كثيراً في مواجهة الزواج، خلال ارتباطها بزوجها، ثم في انفصالها عنه بمساعدة والدتها، ثم بعودتها إليه.
ولعل هذا الزواج ذاته، في مراحله المختلفة، ومعاناتها فيه، هو الذي أسهم في بناء شخصيتها المتمردة، التي حولتها مع مرور الأيام وتعاقب الأحداث في مصر وفي العالم إلى زعيمة كبيرة ومتميزة لحركة تحرير المرأة منذ وقت مبكر، ضد التقاليد القديمة السائدة، وضد النظام السائد وضد قوانينهما الجائرة.
إلا أن هذه الشخصية المميزة لشعراوي إنما كانت تتكون بالتدريج وسط الأحداث ووسط صعوبات الحياة، حياتها هي، لا سيما معاناتها مع ابنتها التي ولدت مريضة، وحياة المرأة المصرية، وحياة الشعب المصري في كفاحه من أجل تحرره من الاستعمار وتحقيق استقلال مصر. وتتوقف شعراوي في المذكرات عند حدث تاريخي في حياة مصر هو تأسيس الجامعة المصرية في عام 1908، الحدث الذي شكل بداية نهضة علمية وأدبية وثقافية عامة في مصر، أسهمت في تحويل مصر إلى مركز متقدم في العالم العربي في هذه الميادين جميعها.
الإتحاد النسائي
وتتحدث هدى شعراوي في مذكراتها باعتزاز عن دورها ودور المرأة المصرية في ثورة 1919، التي أعقبت نفي سعد زغلول ثم بعد عودته من المنفى، وتذكر، على وجه الخصوص، كيف أنها فازت بأكثرية الأصوات في انتخاب "اللجنة المركزية للسيدات" التي شكلت بمساعدة اللجنة المركزية للوفد المصري في النضال من أجل الاستقلال، ثم انتخبت رئيسة لتلك اللجنة. وكان من أوائل ما قامت به تلك اللجنة، التي تحولت فيما بعد إلى "الاتحاد النسائي المصري"، إصدار بيان يحدد بوضوح مطالب المرأة المصرية، وهذه المطالب هي كما جاءت في البيان: " مساواة الجنسين في التعليم وفتح أبواب التعليم العالي وامتحاناته لمن يهمها ذلك من الفتيات تشجيعاً لنبوغ من لها مواهب خاصة، وتسهيلاً للتكسب لمن تحتاج منهن ورفعاً لمستوى العقلية العامة في البلاد".
أيضاً تعديل قانون الانتخاب باشتراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب ولو بقيود في الدور القادم، كاشتراط التعليم أو دفعها نصاباً معيناً على ما لها من الملك، ولا يكون من الإنصاف الاعتراض على اشتراك هذه الطبقة من النساء لا سيما وقانون الانتخاب يجعل للرجل الأمي والخالي من الملك حقاً في أن ينتخب وينتخب.