بلغ من العمر عتيًا، كان ينتظر على مدى 6 عقود أن يأويه ظل شجرة زرع بذرتها بيده، عانى كثيرًا، وتحمل ما لا يطقيه البشر، حرم نفسه من كل شيء، ليوفر له ما يجعله إنسانًا ناجحًا في المجتمع، كان كلما تقسو عليه الحياة، يتغلب عليها بكلمة واحدة، «بكره يكبر ويعوضني، عن كل شيء»، لم يكن يعرف أن القدر يخبئ له ما سيجعله متحسرًا علي سنين قضاها منتظرًا أملًا لن يتحقق، ومستقبل أظلمته غيوم الفشل والحرمان. 62 عامًا قضاها «أبو الحمد علي عوض الله»، أحد أبناء محافظة قنا في "الفلاحة"، والذي رصدته عدسة «فيتو»، أثناء جلوسه علي رصيف مكتب الشكاوي بمجلس الوزراء، وهو يمسك في يده ورقة خط على سطورها مأساته التي بدأت منذ 31 عامًا، حينما رزقه الله بمولود يكون سندًا لأخواته من البنات، إلا أنه آثر أن يحرم نفسه من كل شيء ليلحقه بمختلف مراحل التعليم، أملًا أن يبني منه إنسانًا نافعًا لنفسه ولأسرته ولوطنه. بدأ «أبو الحمد»، رحلته في مكابدة الحياة، وتوفير السبل للتغلب علي قصر يده، وفقر حاله، وعلى مدى 16 عامًا، هي عمر وليده «محمد»، في التعليم، وفر خلالها الوالد كل سبل التفوق والنجاح في الدراسة لولده، حتى إذا جار عليه الكبر، يصبح «محمد»، هو سنده الذي يحتمي به، إلا أنه بعد أن أدى رسالته على أكمل وجه لم يحصد إلا الحسرة والندم. يقول أبو الحمد: «صرفت عليه دم قلبي، عشان أعلمه، ويبقى حاجة كويسة، ينفع نفسه وإخواته البنات»، مضيفًا: «لو كنت أعرف إن حاله حيبقي كده، كنت وفرت فلوسي، وعملت بيها حاجة تنفعني في ساعة زي دي»، مؤكدًا: «دلوقتي لا هو قادر يصرف علي بيته، وعلي أنا، وأمه، مش لاقي شغل بعد 16 سنة تعليم، ياريتني ما علمته». وعبر أبو الحمد، عن سنوات عانى فيها من الحرمان والتعب، صاحبها العديد من التضحيات، لتحقيق رغبة عاش يحلم بها طيلة عمره، وهي أن يرى نجله رجلا متعلما ذا منصب مرموق، وقال: «حرصت على عدم تغيبه من حضور دروسه، ورفضت أن يساعدني في زراعة الأرض، ليتفرغ لدراسته». وأكد أن ابنه كان على دراية تامة بالتضحيات التي يبذلها من أجل تعليمه، ليتفوق في دراسته، ويتخرج فى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، قائلًا: «لم أعرف ما كان يخبئه لي القدر، فبعد 16 عامًا من التعليم تخرج ليعمل تارة بالفلاحة مع جيرانه وأصدقائه، وتارة أخرى بالمعمار»، مضيفًا: «أصبت بمرض دخلت على إثره غرفة العمليات، وخرجت منها وأنا أتوكأ على عكاز، وأصبح الحِمل كله على محمد، اللي كان بيساعدني في توفير مستلزمات البيت، بجانب طلبات بيته». وقال أبو الحمد: «علمته عشان يبقي حاجة كويسة، مكنتش عايزه يتبهدل زي ما اتبهدلت في حياتي، علمته ومكنتش بخليه ييجي معايا الأرض عشان يتفرغ لدروسه، لحد ما ربنا كرمني ودخلته كلية، وأهو اتخرج ومش لاقي شغل يصرف بيه على بيته وعياله». وأضاف: «دلوقتي شغال في الفلاحة، ومحسوب واحد من ضمن العمال، وشوية تاني بيشتغل في المعمار، مش عارف أنا كنت بعلمه عشان يطلع كده»، مؤكدًا: «نفسي يلاقى شغل محترم، بدال البهدلة اللي هو فيها»، مطالبًا المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، بالنظر لنجله بعين الرحمة، وتوفير وظيفة له تعينه على توفير مستلزمات بيته ووالدته ووالده العاجز.