يفسر الإرهابيون خطأ الأحاديث النبوية التي تدعو إلى الجهاد في سبيل الله، ويدعي آخرون بطلانها، لافتين إلى أنها تناقض مبدأ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك تجعل من النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته قطاع طرق ومرتزقة سيف، ومنها قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله». ويستدلون على بطلانها بأنها تتعارض مع القرآن الكريم؛ فقد قال الله عز وجل: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»، وشككوا أيضا فيما روي عنه (صلى الله عليه وسلم): «من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر...». وللتحقق من تلك الأحاديث وبيان تفسيرها الصحيح آراء المتخصيين من علماء الأزهر.. الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، قال إن "جهل الناس بقواعد اللغة العربية سبب الفهم الخاطئ لحديث رسول الله «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى َيَشْهَدُوا َأَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله». وأضاف هاشم، أن "الجهلاء بقواعد اللغة العربية يدّعون أن هذا الحديث الشريف يرغب في العنف والإرهاب"، مؤكدًا أن أحكام الإسلام لا يفهمها إلا المتميزون فيها. ونوه إلى أن الألف واللام فى اللغة العربية قد تكون للجنس، وقد تكون للعهد، مشيرًا إلى أن الألف واللام فى قول الرسول «الناس» هى للعهد أى أناس معهودين وهم الذين وقفوا أمام الإسلام عقبة وكانوا يؤذونه، مشيرا إلى أن المقصود بقتال الناس قتال «المشركين». من جهتها، قالت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن الأحاديث التي تحث على الجهاد وتأمر به صحيحة ثابتة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، مؤكدة أن بعضها رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والآخر ورد في كتب السنة الأخرى وقد صححها علماء الحديث الأثبات سندًا ومتنا. وأضافت شاهين، أن كلمة «الناس» في قوله (صلى الله عليه وسلم): «أمرت أن أقاتل الناس...» هى من العام الذي أريد به الخاص، وهى تعني المشركين، وهذا ما ذكره الرسول (صلى الله عليه وسلم) في رواية النسائي، مؤكدة أن هؤلاء الصنف المأمور بقتالهم لهم صفات معينة أوجبت على المسلمين قتالهم، ومن هذه الصفات: أنهم لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله. وأشارت إلى أن لفظة «أقاتل» في الحديث الذي يطعن فيه هؤلاء الواهمون أعداء الدين تعني رد العدوان المبدوء من جهة المشركين، فهى لغويًا من المفاعلة، والمبدوء بالقتال يسمى مقاتلا - إن دافع - أما البادئ فهو الذي يسمى قاتلا، والبدء بالقتال منفي عن الحديث، بل عن الإسلام ذاته، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) يوم الحديبية لما عرض بديل بن ورقاء أن يستسلموا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن أبوا إلى ذلك لأقاتلنهم...»، ولم يقل: لأبدأنهم بالقتال. وأكدت أستاذ العقيدة أنه لم يكن أمر الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) بقتال المشركين من أجل إكراههم أو إجبارهم على اعتناق الإسلام؛ لأن الدعوة استمرت في مكة ثلاث عشرة سنة، ولم يرفع المسلمون في وجه أحد سيفا مع شدة العذاب والإيذاء الذي تعرض له المسلمون، وإنما المقصود هو عقابهم بمثل ما عاقبوا به المسلمين، وإزاحتهم من طريق الدعوة لتصل إلى الناس كافة، وإظهار عزة الإسلام والمسلمين بعد الصبر على الشقاء والعذاب قبل الأمر بالقتال، لا سيما وأن الإذن بالقتال قد أخذ مراحل لإرسائه. وشددت على أنه لا توجد معارضة بين قول الله تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ» البقرة: 256، وبين قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...»؛ لأن الحديث يعني قتالهم إن أبوا هم الجنوح إلى السلم. ولفتت إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يوصي قادة الجيوش بأن يعرضوا ثلاثة أمور على هؤلاء الذين يدعونهم إلى الإسلام، أولها الإسلام، ثم الجزية، ثم السيف في النهاية إن آذوا المسلمين، ووقفوا في طريق الدعوة وحاربوها ومنعوا وصولها إلى الناس. وقالت إن الجهاد شرع في الإسلام ضرورة لا غاية؛ وذلك لرد الظلم والقهر، وحماية الحق، وحراسة الفضيلة، ولم يشرع لسفك الدماء ونهب الأموال وسلبها، ولا لإجبار الناس على اعتناقه، ولا لعقاب الكافرين على كفرهم، ولو كان الأمر كذلك لما عقد النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته من بعده معاهدات الصلح مع غير المسلمين، وما تركوهم على عقائدهم في أرضهم سالمين. وكشفت عن حديث: «من رمى بسهم في سبيل الله...» حديث صحيح، وقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) السهم هنا لما له من أهمية في النكاية بالعدو كأشد أنواع الأسلحة تأثيرا. وأضافت: "لقد فسر الرسول (صلى الله عليه وسلم) القوة في قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» الأنفال: 60، بالرمي، وما السهام في قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «من رمى بسهم في سبيل الله...» إلا رمز لتلك القوة، وطبيعة لحال الناس في حروبهم آنذاك، ولا مانع من صدق هذا التعبير على أي رمي برا أو بحرا أو جوا قديما وحديثا، حيث تدخل في ذلك الأسلحة المدفعية والطائرات والصواريخ وغيرها من آلات الحرب التي ظهرت حديثا. وتابعت: "ثمة اتفاق بين الناس في حروبهم قديما وحديثا مؤداه اختراع ما به يتمكنون من عدوهم، ولا يمكن عدوهم منهم، وكانت السهام في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) هى رمز القوة والتفوق في الحروب، وهذا الذي تفنن فيه المعاصرون - باختراع الآلات الحربية الحديثة - لم يخرج عما جاء في كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)".