حسنا فعلت وزارة الأوقاف المصرية، بطرحها لكتاب عن وباء العصر «الإرهاب»، لترصد من خلاله بدايات هذا الأخطبوط الذى تلتف أذرعه حول رقاب العالم، وتقوم بتحليل الظاهرة وأسبابها وطرق علاجها من خلال رؤية وزيرها الدكتور محمود حمدى زقزوق، ووكيلها الدكتور سالم عبدالجليل. لترصد فى عجالة لم تفتقد العمق صور الإرهاب والشبهات التى يستند اليها المتطرفون، وتثبت أنه لا وجود ل«آية السيف» وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتال كل المشركين لمجرد أنهم مشركون. ويلفت زقزوق فى الجزء الأول من كتاب «ظاهرة الإرهاب.. الأبعاد والمخاطر وآليات المعالجة»، الذى صدر منذ أيام عن الوزارة إلى أن أول منظمة إرهابية فى تاريخ البشرية، كانت يهودية، وتشكلت على يد بعض المتطرفين من اليهود من طائفة الزيلوت (ZEIOT)، الذين وفدوا إلى فلسطين لإعادة بناء الهيكل الذى عرف بالمعبدالثانى، وكان ذلك نهاية القرن الأول الميلادى، واستمرت الأعمال الإرهابية بطبيعة الحال إلى يومنا هذا. أما الإرهاب فله عدة تعريفات، واتفق زقزوق وعبدالجليل على أن التعريف يختلف بين العالمين الإسلامى والغربى. يقول زقزوق إن التعريف الذى أجمعت عليه المنظمات الدولية يتلخص فى 3 عناصر هى أنه استخدام للعنف وأنه يهدف إلى الترويع العام ويرمى إلى تحقيق أهداف سياسية، مؤكدا أنه لا يوجد تعريف جامع مانع للمصطلح. بينما قال عبدالجليل إن تعريف الإرهاب لابد من اتكائه على عقيدة أو إيديولوجية معينة، مع ضرورة قيامه على أركان أربعة هى القائم بالعمل والهدف والوسيلة والمستهدف، مشيرا إلى ورود مادة رهب فى القرآن الكريم 12 مرة، وترجع إلى 3 معان، الأول الخوف والخشية من الله والثانى الترهب بمعنى التعبد، ومنه الراهب فى النصرانية، والمعنى الثالث التخويف والترويع وبث الربع والفزع. وأوضح: صور الإرهاب التى رصدها زقزوق هى التنظيمات ذات الأهداف السياسية التى ترتدى ثيابا دينية، مما يؤدى إلى الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، حتى صار الفلسطينى المدافع عن حقوقه إرهابيا. ورصد زقزوق عددا من الأسباب المؤدية للإرهاب منها الفقر والاضطهاد وسوء الأحوال الاقتصادية وغياب الحريات وانعدام الديمقراطية واتباع سياسة المعايير المزدوجة من جانب القوى العظمى، والأطماع الاستعمارية ونهب خيرات الشعوب والاستيلاء على مصادر ثرواتها،بالإضافة إلى الدوافع الإجرامية والتنظيمات التى لها أهداف سياسية مغلفة بغلاف دينى. وأضاف عبدالجليل أسبابا أخرى لظاهرة الإرهاب فى الجزء الثانى من الكتاب، وهى الفهم الخاطئ للدين ومبادئه وأحكامه وغياب القدوة والحوار المفتوح من قبل علماء الدين لكل الأفكار المتطرفة وضعف مناهج التعليم عن أداء دورها،واعتمادها على التلقين والتكرار والحفظ، دون إعمال العقل، وبالتالى استعداد هذه العقلية لتقبل ما تمليه عليه أى جماعة. وألمح زقزوق إلى أن سياسة محاربة الإرهاب الراهنة لا تفرق بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة، وأدت إلى اتساع دائرة العنف كما هو الحال فى العراق، مؤكدا أن القضاء على الإرهاب مرهون بإزالة أسبابه، والتوعية الدينية السليمة فى الإعلام والمؤسسات الدعوية والتعليمية، وإرساء قيم التسامح بمعنى قبول الآخر والحوار معه بصرف النظر عن توجهاته. وفى الجزء الثانى لوكيل وزارة الأوقاف الدكتور سالم عبدالجليل الذى حمل عنوان «البعد الدينى لظاهرة الإرهاب»، تناول بالشرح شبهتين حول قوله تعالى «وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة»، الشبهة الأولى أن «قاتلوا المشركين» حكم عام فى كل من لا يدينون بالإسلام، والثانية أن هذه الآية هى آية السيف، وقد نسخت حوالى 100 آية فى الحرية الدينية وعلى رأسها قوله تعالى «لا إكراه فى الدين». وقال عن الشبهة الأولى إن المقصود باللفظ «اقتلوا المشركين» الذين يحاربونكم، فالمشركون المعنيون هم من قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالى مأمور بقتال من يقاتله ولا يمكن أن يكون المقصود عموم المشركين ليشمل كل من خالفنا، «لأن السنة خصت منه النساء والصبيان والرهبان ومن لا يقاتلون، فبقى تحت اللفظ من كان محاربا. وختام الآية يؤكد هذا «كما يقاتلونكم كافة». أما عن الشبهة الثانية حول هذه الآية الزعم بأن الآية السابقة هى آية السيف ونسخت آية «لا إكراه فى الدين» فقال عبدالجليل «الواقع أننا لا نسلم بهذه التسمية لتلك الآية، كما أن الناسخ والمنسوخ لا يجوز اجتماع حكمهما لنفى أحدهما للآخر، وهذا ما لا ينطبق على هذه الآية وآية «لا إكراه فى الدين» فإنه يجوز أن يكون هناك جهاد وفى الوقت نفسه لا يكون هناك إكراه، بمعنى أن الجهاد تكون غايته حماية الدعوة والدعاة وحفظ المؤمن من ألا يفتن فى دينه ورد العدوان الواقع على المسلمين. وخلص أنه «لا توجد ما تسمى آية السيف أصلا». ويتطرق إلى تفسير لعدد من الأحاديث النبوية التى يتخذها المتطرفون ذريعة للقتال، ونتوقف عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله». ويرد على شبهة الأمر بقتال الناس قائلا «إن لفظ الناس ليس على عمومه وإنما المراد بهم المشركون المحاربون، لأن النبى صلى الله عليه وسلم مطبق لتعاليم القرآن ولا يمكن بحال من الأحوال أن يخالفها». واستدل عبدالجليل بقوله تعالى «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، إذن المقصود، كما يقول عبدالجليل، مجموعة من الناس وهم المقاتلون وليس كل الناس.