بعد أكثر من 22 عاما على اغتيال المفكر الكبير فرج فودة على أيدى بعض أبناء الجماعة الإسلامية الذين كفروه وكفروا كتابته بعد أن رفض ربط نظام الحكم بالدين ودعا للدولة المدنية ، خص وليد البرش ، مؤسس تمرد الجماعة الإسلامية والباحث فى شئون الجماعة والحركات الإسلامية ، جريدة النهار لنشر التفاصيل الكاملة لاغتيال المفكر الكبير فرج فودة ، حيث قال : سمعت اسمه لأول مرة أثناء مناظرته الشهيرة مع الشيخ الغزالى والدكتور محمد عمارة فى معرض الكتاب فى يناير 1992 م، وكانت المرة الثانية عندما قرأت خبر اغتياله فى 9 يونيو 1992 فى جريدة المساء قبل عيد الأضحى فى القطار أثناء ذهابى إلى المنوفية لقضاء العيد فى مركز الشهداء مع الإخوة هناك. واستطرد البرش فى روايته: وبعد قضاء العيد، عدنا إلى القاهرة، وكانت لنا شقة بمدينة الموظفين بحلوان خاصة بأعضاء الجماعة من طلبة جامعة القاهرة وكان معنا فى هذه الشقة مرسى محمد مسئول الجماعة بالجامعة وهو طالب بنهائى كلية دار العلوم من إسنا بصعيد مصر، عدت للشقة يومها ووجدت معه شابا أسمر حليق الشارب واللحية، يدعى أشرف السيد وهو قاتل الدكتور فرج فودة، مكث معنا أشرف لمدة عشرة أيام، وذهبنا لصلاة الجمعة معا فى مسجد مجاور، ثم جاءت له التعليمات بالصلاة فى الشقة، وخرج معى فى المساء لشراء احتياجاتنا من الطعام والخبز من السوق المجاور لنا، وكان أخًا بسيطا، لاحظت أنه يكثر من سب دين النصارى ودين شنودة، وعندما استغربت كيف لأخ أن يسب الدين، قال لي: إنه يسب دين النصارى ودين شنودة لأنهم كفار، وهذا الموقف لم أشاهده من أحد من أعضاء الجماعة خلافه، ولكنه نتاج فكر الجماعة التى ترى فى الأقباط أنهم أعداء وليسوا شركاء فى وطن واحد. القصة الكاملة وتابع البرش، قائلا: والقصة الكاملة لاغتيال فرج فودة تبدأ عندما كان منصور، أحد المحامين المنتمين للجماعة من الزاوية الحمراء فى زيارة إلى صفوت عبد الغنى عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وقال له صفوت: بلغ مسئول منطقة الزاوية الحمراء أن يكلف أحد أعضاء الجماعة عنده برصد تحركات فرج فودة كاملة، فقام هذا المحامى بنقل هذا التكليف لمسئول الزاوية عبد الشافى الذى فهم من هذا أن الجماعة سوف تغتال فرج فودة، فطالما سيتم رصد تحركاته فالخطوة الثانية هى اغتياله، فأراد أن ينال شرف القيام بهذه العملية الجهادية على حد فهمه وفهم الجماعة، ويذكرنى هذا الموقف بموقف عبد الرحمن السندى عندما قال له البنا: من يرحنا من الخازندار، فكلف من يقوم باغتياله. وواصل القيادى المنشق عن الجماعة الإسلامية قائلا: قام عبد الشافى ببيع الأدوات الكهربائية الموجودة فى بيته، وقام بشراء بندقية كلاشينكوف آلية، وكلف أشرف السيد بالتدرب عليها، وكلف عبد الشافى عضوين صغيرين فى الجماعة وهما محمد عبد الرحمن الطالب بالفرقة الأولى بدارالعلوم وعمرو عبد العزيز الطالب بالصف الثانى الثانوى برصد تحركات الدكتور فرج فودة، وبالفعل تم رصد تحركاته، متى يخرج ومتى يعود، والسيارة التى يستقلها، وجاء موعد تنفيذ عملية الاغتيال يوم الثامن من يونيه 1992 م الساعة السادسة مساءً. مصير القتلة وعن التفاصيل الكاملة لتلك العملية، قال البرش : استقل عبد الشافى دراجته البخارية، وركب وراءه أشرف السيد حاملاً سلاحه الآلي، وانتظر نزول الدكتور فرج فودة، وأثناء تقدمه إلى السيارة، ترجل أشرف وتقدم إلى الدكتور فرج فودة، وأطلق عليه دفعات متتالية من بندقيته الآلية، فأرداه قتيلاً ثم قام بركوب الدراجة البخارية خلف عبد الشافي، وانطلقا مسرعين ولكن سائق الدكتور فرج استقل السيارة الفولفو، وانطلق خلفهما، وصدمهما من الخلف فأصيب عبد الشافى إصابة بالغة، منعته من الحركة، ولكن أشرف استطاع أن يقف مرة أخرى، وأن يحمل سلاحه، ويوجهه إلى السائق ليقتله فلم يجد طلقات معه، واختبأ السائق فى إحدى العمارات، ولم يستطع أشرف أن يظفر به، فكتب الله لهذا السائق النجاة وعاد أشرف إلى عبد الشافي، فوجده لا يستطيع الحركة، ووجد سيارة فرج فودة دائرة وبها المفتاح، لكنه لم يستطع أن يضع عبد الشافى فى السيارة وينطلق بها لسبب بسيط أنه لا يجيد القيادة فترك زميله ليلقى مصيره وحده، وفر هارًبا، وذهب إلى إحدى العمارات تحت الإنشاء، ووضع سلاحه فى شيكارة فارغة، وركب الترام، فشك فيه الكمسرى فهدده ثم قام بالنزول وهرب. أخطاء الجريمة وأوضح القيادى المنشق عن الجماعة الإسلامية أن الجماعة قد أصدرت بحثا داخلياً لأعضائها تشرح فيه الأخطاء التى وقع فيها منفذو الجريمة، ليس من بينها طبعًا انتقاد الاغتيال، فقد رحبت به الجماعة وسعدت، ولكنها قالت: إن هناك أخطاء عملية أدت إلى القبض على مرتكبها ومعرفة هويتهم، ومنها عدم وجود مرآة فى الدراجة البخارية، ولو كانت موجودة ونظر فيها عبدالشافى لرأى سائق فرج فودة وهو يطارده، ولأمكنه أن يتفاداه ، ومن هذه الأخطاء التى يجب تداركها فى المرات القادمة هى أن منفذ الجريمة لا يعرف قيادة السيارات، فلو كان يعرف القيادة لحمل زميله المصاب فى السيارة ولم يتركه فى مكان الجريمة، لتكشف أبعادها كاملة بعد ذلك . ويشير مؤسس تمرد الجماعة الإسلامية، إلى أن مشكلة التيار الإسلامى الأساسية تكمن فى مسألة تكفير المخالف ، واستباحة دمه، فلقد امتلأت عقولهم جهلًا وغرورًا، وامتلأت قلوبهم بغضًا وسوءًا، ظنوا أن من أطلق لحيته وصلى فى مساجدهم وانتمى لتنظيمهم فهو من الفرقة الناجية ومن خالفهم فهو على الباطل، ويحق لهم تأديبه ، وزجره عن مخالفتهم، بل وقتله. خصوم وقضاة واختتم وليد البرش تصريحاته ل "النهار" ، قائلا : لم يحمل فرج فودة سلاحًا ليواجه بالسلاح، وإنما حمل قلًما ولسانًا وبيانًا، فلما لم يستطيعوا مواجهته بيانًا ببيان، وفكرًا بفكر استباحوا دمه وقالوا عنه، مرتد من حقهم أن تكون لهم فيما يكتبه رؤية وليس من حقهم أن يحكموا عليه.