■ لماذا انتقلت الجماعة الإسلامية من صراعها العسكرى مع الأجهزة الأمنية، إلى الصراع مع بعض الشخصيات، مثل الدكتور فرج فودة؟ - الدولة كانت تعطى مساحة كبيرة لفرج فودة فى الاستهزاء بالدين، وكانت على وشك تأسيس حزب سياسى له، ومبارك أعطاه من الصلاحيات الكثير، الأمر الذى أدى إلى استفزاز كثير من الناس ومن بينهم الجماعة الإسلامية، وقتها تزامن الأمر مع صدور فتوى من الدكتور محمود مزروعة الأستاذ بجامعة الأزهر بكفر فودة ورِدَّته عن الإسلام وإهدار دمه. ■ لكن الحرب مع فودة يجب أن لا تخرج عن حدود الحرب الفكرية، ولم يكن بالضرورة أن تدخل النطاق المسلح. - الحرب الفكرية ممتازة إذا أعطيتنى مساحة للرد على ما كان يقوله فودة وأمثاله، لكن للأسف الشديد الدولة كانت تعطيه المساحة الكبيرة وتقوم بطبع كتبه على نفقة الدولة، فلو طبع الكتاب على حسابه الخاص كان الأمر أخف، إنما تطبع كتبه التى تسب الله والرسول من أموال الشعب، فهذا لا يصح أبدا، وأعتبر أن الأمن جعل من فودة طعما لكى يصطاد به الجماعة الإسلامية، حيث دأب فودة فى كل المحافل واللقاءات على التطاول على الصحابة والذات الإلهية والشريعة الإسلامية، مما أغرى التيار الإسلامى والعلماء به. ■ هل اطلعت على ما كتبه فرج فودة قبل الإقدام على اغتياله؟ - عندما اتخذنا القرار بقتله واستمعنا إلى فتاوى العلماء بإهدار دمه وفتوى الأزهر بتحريم طباعة كتبه، قمنا بشراء كل ما وقع تحت يدنا من كتب فرج فودة وقرأناها جيدا وثبت لدينا يقينا ما قاله العلماء فيه، فقد وجدنا أنه يتعمد السخرية والاستهزاء من النبى والصحابة والشريعة، وتلك أمور كلها معلومة من الدين بالضرورة، والحمد لله أن الأزهر سعى إلى وضع مادة فى الدستور الجديد لتجريم من يسب الذات الإلهية أو الرسول، ومن يسب الله أو الرسول لا ينتظر أن تقام عليه الحجة لأنه يعلم من الله ومن الرسول، بعكس من يسبّ الدين فيُسأل وتقام عليه الحجة من العلماء فى ما قاله. ■ ما حقيقة أن الدكتور عمر عبد الرحمن هو من أفتى بقتل فرج فودة؟ - على عكس ما يعتقد البعض فإن الدكتور عمر عبد الرحمن لم يُفتِ بإهدار دم فرج فودة، من قريب ولا من بعيد، واتهامه بذلك غير صحيح بالمرة، وأنا أقول ذلك لله ثم للتاريخ، كما أن الدكتور عمر غادر مصر قبل الحادثة بخمس سنوات. ■ ما تفاصيل العملية؟ ومن قام بها؟ وما دورك فيها؟ - العملية قام بها اثنان، رحمهما الله، أشرف سيد الذى أعدم فى قضية صفوت الشريف، والأخ عبد الشافى وأعدم فى قضية فرج فودة. بدأت القصة عندما سمعنا بفتوى الدكتور مزروعة بشأن كفر فرج فودة وإهدار دمه، فقرروا القيام بعمل يستبقون به إلى الجنة، وبدأ الاثنان الاستعداد للعملية على أساس أنهما سيقومان باغتياله بالأسلحة البيضاء، ثم عدلا إلى السلاح النارى لعلمهما بوجود حراسة من قِبل الأمن عليه، وتم التدريب على العملية فى الزراعات، وانتهى دورى عند هذا الحد. واستقل أشرف وعبد الشافى دراجة بخارية حتى إذا وصلا إلى منزل فودة بمدينة نصر وفى أثناء استعداده لركوب السيارة أطلقا عليه الرصاص، وأصيب أحد المرافقين له، وفرّا بالدراجة البخارية فتبعهم سائق فرج فودة بسيارته واصطدم بهما، فوقعا على الأرض وأصيب عبد الشافى بغيبوبة وتمكن أشرف من الهرب حتى قُبض عليه بعد ذلك، أما عبد الشافى فوجده الأهالى، الذين خرجوا بعد سماع إطلاق الرصاص، مغشيا عليه، وبتفتيشه عثروا معه على طلقات رصاص، فعلموا أن له صلة بالحادثة، وتم تسليمه للشرطة، ثم إلى أمن الدولة والنيابة والمحكمة التى حكمت عليه بالإعدام. ■ فى أثناء المحاكمة، ألم تطالبوا بحضور الدكتور مزروعة أو أى من العلماء الذين أفتوا بكفر فودة، لتخفيف الحكم عنكم؟ - بالفعل استدعت المحكمة الدكتور مزروعة إلى المحكمة وقال ما قال من قبل، وأضاف «وددت لو أنى كنت مع هؤلاء الشباب فى قفص الاتهام حيث إنهم فعلوا ما وددت أن أفعل، ورفعوا الحرج عن الأمة»، وكذلك حضر الشيخ محمد الغزالى رحمة الله وتحدث لهيئة المحكمة وأقر بردة فرج فودة، إلا أنه قال «إن هؤلاء الشباب افتأتوا على سلطات الحاكم ومارسوا دوره فى القيام بتنفيذ الأحكام»، لذا فإن القاضى كان حكمه علينا لأننا أخذنا دور الحاكم، ومن ثم حكم علينا بعقوبة التعزير، إلا أنه اختار أقساها وهو الإعدام لأشرف وعبد الشافى، والسجن لى. ■ هل أنت نادم على قتل فرج فودة؟ - لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لَما فعلت هذا الأمر، لا من أجل الخطأ الشرعى وإنما للخطأ الاستراتيجى، فسيرة النبى صلى الله عليه وسلم تشير إلى أن الرسول كان يدعو أهل مكة إلى الإسلام وحول الكعبة أكثر من 300 صنم يُعبَد من دون الله، فلم تكن هناك خريطة طريق واضحة المعالم بمعنى متى وكيف يتم تنفيذ الفتوى، ففتوى إهدار دم فرج فودة صحيحة لأنها صدرت من عالم أزهرى له مكانته وعلمه، إنما تطبيق الفتوى هو الخطأ، كان لا بد أن أسأل نفسى: هل يصح تنفيذها الآن؟ وهل يسمح الواقع والظروف أم لا؟ لأن النبى لم يكسر الأصنام حول الكعبة، ولأن الظروف لم تكن تسمح بذلك. وأنا هنا أؤكد أن النظام السابق كان نظاما ظالما بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولم يعطِ مساحة للحركة الإسلامية للرد على فودة مما أثار حفيظتها، إلا أن الوضع الآن تغير تغيرا شديدا فى كل وسائل الإعلام وأصبحت مساحة من الرأى والرأى الآخر، ولست فى حاجة إلى رد الفعل، حيث إن من السهل أن أخرج فى أى وسيلة إعلامية وأرد، فأقول قال الله كذا وقال الرسول كذا وقال العلماء كذا. ■ قلتَ إنك نادم على المشاركة فى قتل فرج فودة، فلماذا هذا الندم؟ - بعد أن دخلت السجن جلست أفكر ما الذى حدث بعد مشاركتى فى قتل فرج فودة فوجدت عددا من المساوئ، من بينها أن كتبه انتشرت أكثر وكذلك فكره فى داخل مصر وخارجها، بعد أن كان متقوقعا فى خندق ضيق. الأمر الآخر أن دعوتى تأخرت كثيرا بقتله، وتم التضييق على وعلى التيار الإسلامى كله، كما أن مقتله شوّه صورة الإسلام، ولم يكن أحد وقتها من العلماء يستطيع أن يرد أخطاء فودة وإلا اتُّهم بأنه يساند القتلة، وأصبحت كتبه تُطبع وتُنشر دون أدنى رد عليها، وقد أخرسنا بفعلنا أفواه العلماء التى ترفض هذه المؤلفات. ■ وهل إذا سمعت شيئا مشابها لما كان يردده فودة ستقوم بالرد بنفسك؟ - لست ولىّ الأمر وليس فى يدى سلطة ولا أملك ذلك، ومنذ أيام سمعت كلمة من إحدى المذيعات لو كنت كما كنت من قبل لكفرتها، وأقول إن العلمانيين فى مصر سذج، فهم يقلدون الغرب دون أن يفهموا، وصاروا يتخوفون من تطبيق الشريعة وقطع الرؤوس، وصارت لتطبيق الشريعة فزاعة اسمها الحدود، وبالنظر فى تاريخ الحدود فى الدولة الإسلامية نجدها طُبقت فى حالات لا تتعدى عدد أصابع اليد، ومعظمها كانت بإقرار أصحابها على أنفسهم، لأن الهدف من الحدود الردع لا إسالة الدماء، وقد أنزل الله الشريعة ليتحاكم الناس إليها وأنزل القرآن ليكون للناس دستورا، فالقرآن يحكم لا للقراءة فقط، ومن يقل إن الدين فى المسجد فقط فهو مخطئ، فالإسلام دين ودولة، وسياسة وحكم وإدارة. ■ نعود إلى قصة هروبك بعد العملية.. كيف قُبض عليك؟ - ظللت فترة طويلة هاربا، لأنى كنت لا أتكلف فى تنقلاتى وأعيش حياة طبيعية جدا، وأقوم بتغيير مسكنى كلما شعرت بريبة حولى، كما قطعت كل اتصالاتى بمن أعرفهم ويعرفوننى، إلا عددا محدودا كنت أتحرك معهم، وأخذت معى زوجتى حتى لا يستخدمها الأمن رهينة يساومنى عليها، ولأنى كنت أتابع أفلام الأكشن قبل التزامى، فقد أفادنى ذلك فى التخفّى، وهو ما سهل علىّ الهروب، حتى كنت فى إحدى المرات بميدان الجيزة وشعرت وقتها بانقباض قلبى وهممت أن أبلغ الأخ المسؤول عنا أن نغير المكان، إلا أنه سبق السيف العزَل وتم القبض علىّ قدَرا فى الميدان. ■ هل اتُّهمت فى عمليات مسلحة أخرى؟ - حادثة الأوتوبيس السياحى الذى كان يقل سياحا كوريين بجوار فندق أوروبا بشارع الهرم، ولكننا لم نحدث أى إصابات فى السياح وإنما قصدنا جسم الأوتوبيس فقط، وكان الهدف تخريب الاقتصاد المصرى عن طريق ضرب السياحة، لأننا اعتبرنا أن هذا النظام أكل قوت الشعب فأردنا أن «نخرب بيت» هذه الفئة، وبعد هذه الحادثة قُبض على أكثر من 150 أخًا من الجماعة الإسلامية. ثم حادثة مقتل جنديين من الأمن المركزى والاستيلاء على سلاحهما بشارع السبتية، وحصلت على إجمالى أحكام لهذه التهم وصل إلى 55 عاما. ■ أعلم أن زوجتك حُكم عليها بالسجن 15 عاما فى قضية سياسية، فما تفاصيل هذه القضية؟ - بدأ الأمر عندما رأيت رؤيا أن فى بيتى طبلا ومزمارا، وزوجتى هى العروس، وكان تأويل الرؤيا أن كلاما سوف يثار حول عروس الرؤيا، فقُبض قلبى، وكنت فى أحد الأيام نازلا إلى جلسة فى سجن العقرب بعد ثمانى سنوات من القبض علىّ، والتقيت بعض الإخوة الذين قُبض عليهم مؤخرا، وإذا بأحدهم وكان لا يعرفنى يخبرنى أنه قُبض على زوجة أخ اسمه أبو العلا منذ أسبوع، فقابلت أمى فى الجلسة وأخبرتها أنى علمت بالخبر، وكنت مصدوما بشدة، إلا أن ما خفف الأمر علىّ أنه لم يؤخذ معها أحد من أهلها، وكان ذلك انتقاما من الأمن ضدى، إذ لفقوا لها تهمة حيازة متفجرات وأسلحة بداخل الشقة، وكل هذا غير صحيح، وعندما حُكم عليها بالسجن 15 عاما كنت أدعو الله أن يثبّتها ويكون معها، وتم وضعها فى سجن شبين القناطر الخاص بالسيدات. ■ وما وقع هذا الأمر عليها؟ - زوجتى صلبة وشديدة، وأنا لا أخاف عليها، وعندما دخلت السجن فى بداية الأمر كان هناك توصية من أمن الدولة عليها، فكانوا يسبّبون لها بعض المضايقات، وأغلقوا عليها الغرفة، ومنعوا عنها الزيارة، وكان الجميع يعلم أن هذه موصى عليها من قلب أمن الدولة بمضايقتها، وكان هذا الأمر يسبب إزعاجا لباقى المسجونات ويجعل السجن دائما فى حالة شد. ولكنها بعد ذلك لاقت الاحترام والتقدير من الجميع، بداية من مأمور السجن وضابطاته إلى مسجوناته، ومارست الدعوة إلى الله فى السجن وأحبها الجميع وتعاملوا معها معاملة كريمة، وكانوا يقصدونها لحل مشكلاتهم وتخفيف الهموم عنهم، وكانت زوجة المأمور ترسل إليها طعاما مع زوجها من كثرة ما سمعته عنها وعن صبرها، وأيضا والدة إحدى الضابطات كانت ترسل إليها طعاما مع ابنتها التى كانت تحب زوجتى كثيرا وتعتبرها أختا لها، على الرغم من أن الأولى سجانة والثانية سجينة، وما زالت حتى الآن تتمتع بصلات طيبة ببعض من كُنّ معها فى السجن ويتصلن بها باستمرار من حارسات وسجينات، كما كانت تقوم بشراء خمارات من مالها للسجينات بعد دعوتهن إلى التوبة، خصوصا سجينات الآداب، وفى بعض الأحيان كان مأمور السجن يُدخِلها إلى السجينات اللاتى حُكم عليهن بالإعدام حتى تخفف من همومهن وتساعدهن على التوبة، والرجوع إلى الله. ■ متى التقيتها؟ - عقب إعلان المبادرة وتفعيلها عام 2001، حين قام الأمن بما يشبه الجميل، بإحضارها لى فى سجن العقرب مرتين لرؤيتها بعد 8 سنوات من سجنها، وعلى الرغم من أن نصوص المصلحة تقتضى أنى أنا الذى أقوم بزيارتها، فإنهم أحضروها حتى تم الإفراج عنها بعد 11 عاما ونصف من السجن.