اختلف خبراء ومحللون بشأن محاولة مصر عرقلة التوصل لاتفاق نهائى حول آلية مراقبة الفساد حيث اعتبر البعض أن إحباط التوصل لهذا الاتفاق أمر متوقع من الحكومة لكونها غير جادة فى مكافحة الفساد، مشيرين إلى أن لجنة الشفافية التى تشرف عليها وزارة التنمية الإدارية تتناقض مع الاتفاق الذى يشترط أن تكون على هيئة لجان مستقلة، فإن آخرين رأوا استحالة محاولة مصر عرقلة الاتفاق، موضحين أنه ستجرى مناقشات لضمان عدم التدخل فى الشؤون الداخليةأكد خبراء وسياسيون أن رغبة الحكومة المصرية في إنشاء هيئة قومية ديكورية لمكافحة الفساد، يهدف إلى تحسين وجهها دوليًّا أمام تعهداتها على اتفاقيات محاربة الفساد، موضحين أن الجهاز لن يساهم في محاربة الفساد، بقدر مهمته الأولى في تزييف التقارير وإعماء الرأي العام المحلي والدولي عن رءوس الفساد الحقيقية.وأوضحوا أن محاربة الفساد تحتاج إلى إرادة شعبية قوية، تضغط على الحكومة بإقالة الفاسدين وطردهم من مناصبهم ومحاسبتهم، مؤكدًين أن الحكومة الحالية تفتقد المعايير العالمية للإرادة السياسية في محاربة الفساد.وكانت مصر قد أعلنت أنها قدَّمت ورقة عمل في مؤتمر نواب العموم العربي، في قطر أمس الأول، وأنها بصدد إنشاء لجنة قومية لمكافحة الفساد، تضم ممثلين من الأجهزة المعنية، وتختص بالعمل على تفعيل أحكام الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة، وحملات التوعية من أخطاره بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، والشعبية المعنية بمكافحة الفساد ومظاهره، وإصدار تقرير سنوي عن نسبة استجابة الموقف القومي من مواجهة الفساد.فيما أعلنت منظمة الشفافية الدولية، في شهر مايو الماضي في تقريرها السنوي حول مستوى محاربة الفساد والشفافية في دول العالم؛ أن مصر احتلت مرتبة متأخرة في الدول المكافحة للفساد بترتيب 111 من أصل 180 دولة تمَّ إحصاؤها.وأوضح التقرير الصادر عن المنظمة أن من أسباب تأخر مصر في مكافحة الفساد، أن نظام الحكم في مصر يهدر العديد من الحقوق و يقيد أنشطة مؤسسات المجتمع المدني، مشيرًا إلى أن مؤشر النزاهة العالمي يصنف مصر في مستوى متأخر، على خلفية تدني جودة ضمانات مكافحة الفساد.وأكدت أن تدخل السلطة التنفيذية في عمل الجهات الرقابية العامة والخاصة في مصر كان أبرز أسباب ملاحقة الفساد لها من كل جانب، ومن أبرزها الجهاز المركزي للمحاسبات الذي تم تحجيم دوره الإشرافي في برنامج الخصخصة الأخير، والنص القانوني الذي يلزم الجهات القضائية والنيابة العامة بالحصول على إذن من رئيس الجمهورية للشروع في تحقيقات قضائية ضد المسئولين المدانين بالحكومة؛ ما يؤثر في درجة استقلالية جهات التحقيق.أوضح د. عبد الخالق فاروق الخبير السياسي والاقتصادي، أن مهمة الهيئة الجديدة لمكافحة الفساد تتركز على شقين، الأول: إصدار توصيات وتقارير لا يتم العمل بها أو العمل بجزء منها وترك الآخر، مثلما حدث في المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجالس القومية الشبيهة، والشق الآخر: الضرب على يد الفاسدين الصغار الذين يستطيع النظام التخلص منهم دون مشاكل، ودون المساس بلصوص الدولة الكبار.وأشار إلى أن الفاسدين الكبار يعتبرون أنفسهم فوق القانون، ولن يستطيع أي جهاز في الدولة مكافحتهم؛ حيث ستنضم هيئة مكافحة الفساد إلى شقيقاتها القديمة التي تم قتلها مع سبق الإصرار والترصد، موضحًا أن الحل الأساسي لمحاربة ظاهرة الفساد أن يتم مساءلة ومحاسبة رأس هرم السلطة في مصر مهما كان منصبه وقوته.وطالب السلطة القضائية بتبنِّي مسئولية محاسبتهم دوريًّا عن طرق كيفية جمع ثرواتهم، واستغلال مناصبهم لإنهاء مصالحم الشخصية، مؤكدًا أن الجهاز الجديد ستنحصر مهمته في أمور هامشية لا تتعلق بأصل المشكلة وهي أصل الفساد.قالت الدكتورة ليلى عبد المجيد عميد كلية الاعلام الاسبق إن هناك تحسنا جزئيا بالنسبة لمكافحة الفساد فى مصر، مشيرا إلى أن التحسن يكمن فى أمرين، الأول أن الحكومة بدأت تعترف بوجود فساد وهو ما كانت تنفيه فى السابق، والثانى إنشاء لجنة لمكافحة الفساد تابعة لوزارة التنمية الإدارية، فضلا عن تزايد أعداد منظمات المجتمع المدنى المعنية بمكافحة الفساد.وأوضح عبد المجيد أنه على الرغم من وجود شخصيات عامة وإعلامية ومعارضة فى لجنة مكافحة الفساد، فإنها تتناقض مع الاتفاقية التى وقعت عليها مصر عام 2005 والتى تشدد على ضرورة أن تكون هذه اللجان مستقلة بعيدا عن الحكومة، مشيرا إلى أن هذه اللجان التى تتبع الحكومة تنظر إلى الفساد الصغير وتتناسى الفساد الأكبر.وانتقد عبد المجيد الحكومة فى مكافحة هذا النوع الأخير من الفساد، موضحا أن مثل هذه المكافحة تنحصر فى وجود آليات أساسية مازالت الحكومة محجمة عنها، وهى: عدم وجود تشريع لمنع اختلاط العام والخاص بين المسؤولين وتعارض المصالح، بالإضافة إلى عدم وجود قانون لمحاسبة الوزراء.وأكد الكاتب الصحفى سليمان جودة أن محاولة مصر الاعتراض أو عرقلة الاتفاق النهائى حول آلية مراقبة الفساد أمر متوقع من الحكومة نظرا لكونها غير جادة بالشكل الكافى فى هذا الشأن، خاصة أن هذه الاتفاقية سوف ترغمها على مكافحته.وقال جودة إن الفساد الكبير ليس محل مقاومة حقيقية من جانب الحكومة، لأنها تتجاهل الفصل بين الثروة والسلطة، ومازال رجال الأعمال يتولون السلطات، وهذا الأمر يؤدى إلى خلط كبير بين العام والخاص ويؤدى فى النهاية إلى تشكك الناس فى مكافحة الفساد من جانب الحكومة.وأوضح أن الأجهزة الرقابية ولجان مكافحة الفساد تعمل وتعد تقارير بهذا الشأن، آخرها الدراسة التى أعدتها وزارة التنمية الإدارية حول الفساد، التى أشرف عليها الدكتور أحمد زايد، عميد آداب القاهرة السابق، وهو أمر يحسب للحكومة وليس ضدها، مستطردا: فى النهاية تظل هذه التقارير حبيسة الأدراج ولا تخرج لتفعيلها أو تنفيذها على أرض الواقع ، مشيرا إلى أن التحدى الحقيقى أمام الحكومة المصرية هو ضرورة الفصل بين السلطة والثروة.وشدد جودة على أن الحكومة المصرية فى مأزق حقيقى بسبب هذه الاتفاقية وحول الوصول إلى اتفاق نهائى بشأنها، مشيرا إلى إن الوفد المصرى المسافر إلى مؤتمر الدوحة لن يعجز عن وجود صيغة للتفاهم مع الدول الأخرى، وأن الحكومة المصرية تستطيع التعامل مع الموضوع بطريقة أو بأخرى، ولا أتوقع أن يكون هناك صدام أو تعرية للحكومة من جانب الأممالمتحدة خلال المؤتمر.من جانبه رفض الدكتور شوقى السيد، عضو المجلس الأعلى للصحافة أن يكون هناك محاولات من مصر لإحباط الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وعرقلة التوصل إلى اتفاق نهائى بشأن آليات نظام المراقبة التى تنص عليها اتفاقية عام 2005 التى وقعت عليها مصر، قائلا ان هناك مجموعة من الدول لها وجهات نظر اتجاه الاتفاقية من أجل ضمان عدم تدخل الدول فى شؤونها الداخلية وكيفية تداول التمويل لمنظمات المجتمع المدنى.وأضاف ان مصر من الدول الملتزمة بالاتفاقية، ولكن هناك مناقشات لتعزيز آليات الشفافية ومكافحة الفساد والتعاون الدولى حتى لا تلعب السياسة دورا فى التدخل فى شؤون الدول، لافتا إلى أن مصر على قناعة كاملة بمحاربة الفساد ولذلك فمن المستحيل أن تسعى لإحباط مثل هذه الاتفاقية.وأكد السيد أن هناك وفدا مصريا يضم العديد من التيارات المصرية، من بينها النائب العام وشخصيات من منظمات المجتمع المدنى والرقابة الإدارية ووزارة الخارجية سيسافر الأحد المقبل لحضور مؤتمر الدوحة الذى يستمر لمدة أربعة أيام، مشددا على أن الوفد ليس متوجها إلى المؤتمر بوجهة نظر معينة ولا توجه مسبق، وإنما سيدخل فى نقاش للتوصل إلى وفاق مع الدول المشاركة حول آليات المراقبة.ووصف النائب د. حمدي حسن ان تشكيل جهاز قومي لمكافحة الفساد من باب العبث، في ظل سيطرة أصحاب المصالح والنفوذ على مقاليد السلطة في مصر؛ حيث إن رجال الحكومة أكثر من يمارسون الفساد علانية، متسائلاً: كيف سيحارب الفاسد نفسه؟، وكيف سيحاسب المسئول نفسه ويخضع لأحكام القضاء؟.وأوضح أن إنشاء هيئة ديكورية لمكافحة الفساد في مصر سيمثل عبئًا ماليًّا على موازنة الدولة، لعدم جدواها؛ لأنه سيتم تفريغها من الصلاحيات التي تحد من انتشار الفساد، وسيكون مصيرها مثل مصير المجلس القومي لحقوق الإنسان كهيئات تابعة للحكومة، وإن كانت مستقلة ظاهريًّا.وأشار إلى أن الحل ليس في إنشاء أجهزة قومية ومؤسسات جديدة بالدولة قبل رغبة النظام المصري في امتلاك الإرادة السياسية لمكافحة الفساد بداخله أولاً، ومن ثم مقاومة استشرائه في جسد الوطن، مؤكدًا أن الإرادة السياسية للنظام هي الأساس لتطهير المناصب والقطاعات الحكومية المختلفة من الفساد مهما كانت قوته.وحذَّر من استمرار سعي الإرادة السياسية للنظام الحالي لحماية العناصر الفاسدة بالدولة والمتحكمين في مقدرات الوطن، مؤكدًا أن في مصر قوانين عديدة لو تمَّ تفعيلها لساهمت في محاربة الفساد وانحسار نسبته.وأكد السفير إبراهيم يسري رئيس حملة وقف تصدير الغاز للكيان الصهيوني، أن إنشاء الهيئة القومية لمكافحة الفساد لم يأت إلا لتنفيذ تعهدات مصر أمام المحافل والاتفاقيات الدولية لمحاربة الفساد التي وقَّعت عليها مصر، موضحًا أن الجهاز لن يساهم في محاربة الفساد بقدر مهمته الأولى في تزييف التقارير وإعماء الرأي العام المحلي والدولي عن رءوس الفساد الحقيقية.وأشار إلى أن محاربة الفساد تحتاج إلى إرادة شعبية قوية تضغط على الحكومة بإقالة الفاسدين وطردهم من مناصبهم ومحاسبتهم، موضحًا أنها ميئوس منها تمامًا؛ لافتقادها المعايير العالمية للإرادة السياسية في محاربة الفساد.وشدد على أن الأمل في السلطة القضائية والقانون الذي ينحاز دائمًا إلى الحق, وإيجابية الشعب المصري في أن يكون محاربًا للفساد بكل الطرق المشروعة لفضح