مرة ثانية أعود وأتحدث عن الجمعية التأسيسية للدستور .. ولكن هذه المرة عن المقترح المقدم ان ينص في الدستور علي إنشاء مفوضية عليا لمكافحة الفساد وهو أمر جيد ان ينص في الدستور علي مكافحة الفساد ولكن هل مكافحة الفساد تحتاج الي وضع نصف الدستور وكفي أم نحتاج إلي آليات تطبق عمليا علي الأرض لمكافحته .... مكافحه الفساد تحتاج إلي إرادة سياسية وشعبية للتصدي له وكبح جماحه وإيقافه ومن ثم تحجيمه والقضاء عليه.. ومكافحة الفساد تحتاج إلي مجموعة من القوانين والقرارات التي يجب ان تصدر وبسرعة للوقاية منه والتوعية بأخطاره ووضع سبل سهلة وميسرة للتصدي له وهي قرارات يملك رئيس الجمهورية إصدارها وقوانين يملك هو إرسالها للمجلس العسكري لإصدارها ان كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد أي ان الأمر لا يحتاج الي النص عليه في الدستور خصوصا أن مصر مصدقة علي الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة ومحاربة الرشوة والمدفوعات غير المشروعة لكنها لم تنفذ أي التزام من الالتزامات الواردة في هذه الاتفاقيات وكان النظام السابق هو ورجاله يستغلون هذه الاتفاقيات في الفسح والبدلات وكانت قمة التدليس ان يرأس وفد مصر في مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد شخصية قضائية مثل النائب العام في حين ان هذا المؤتمر مؤتمر حكومات تنفيذية أي ان كل حكومة تقدم تقريرا حول ماذا نفذت من بنود الاتفاقية والنائب العام رجل قضاء وفقا لقانون السلطة القضائية أي لا يجوز ان يرأس وفداً حكومياً وان يدافع عن مواقفها وكتبنا في حينها عدة مرات عن هذا التدليس والخديعة وكانت من نتيجة هذا ان مصر لم تنفذ أي التزام عليها علي مدار 6 سنوات منذ التصديق علي الاتفاقية. فلو أراد رئيس الدولة والحكومة الجديدة وأعضاء الجمعية التأسيسية محاربة الفساد فعلا فعليهم ان يطلبوا من وزارة الخارجية ما هي الالتزامات الواجبة علي مصر لتدخل مصر حيز الدول التي تكافح الفساد وان يسارع الرئيس محمد مرسي بإصدار قرار فوري بتشكيل الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد وفقا لنص المادتين الخامسة والسادسة من الاتفاقية الدولية وان تمنح هذه الهيئة اختصاصات محددة وفقا لما ورد في المادتين أي انها لا تحتاج الي وضعها في الدستور وهذه الهيئة مطالبة بأمر واحد في الفترة الحالية ووفقا للمادة الخامسة من الاتفاقية وهو وضع خطة وطنية لمحاربة الفساد وهذه الخطة تكون ملزمة لكافة هيئات الدولة وتسهر علي تنفيذها لان مكافحة الفساد بداية لحل كل الازمات الحالية. وهي الأولوية القصوي الآن حتي يتم الانتهاء من وضع الدستور وإجراء انتخابات البرلمان بغرفتيه وتكون الأولويات هي إصدار قوانين تداول المعلومات وتعديل قوانين الهيئات الرقابية وعلي رأسها إلغاء المادة الخامسة الفقرة الخاصة باستئذان رئيس الوزراء في حالة ضبط أي موظف بدرجة مدير عام وما فوق في قانون هيئة الرقابة الإدارية وكذلك قانون الجهاز المركزي للمحاسبات وإلغاء سرية تقاريره ومنح رئيسه الحق في إحالة أي مخالفات للنيابة العامة مباشرة وإعادة النظر في منظومة الأجهزة الأخري الخاصة بحماية المنافسة ومنع الاحكتار وحماية المستهلك وحماية البيئة وان يعاد تشكيلها لتكون مجالس ادارتها من اصحاب المصلحة في وجودها وليس من رجال الأعمال أي تكون مجالس إدارات هذه الأجهزة من المواطنين وممثليهم من نواب ومجتمع مدني وإعلام وقضاة وخبراء فهؤلاء هم أصحاب المصلحة في محاربة الفساد خصوصا أن الحكومة مازالت تحتكر بعض الصناعات المضرة بالصحة العامة مثل صناعة التبغ والسجائر وهي صناعة يجب ان تتخلص منها فورا واستغلال الأموال الخاصة بها في مشاريع أكثر فائدة لخدمة التنمية. وعلي البرلمان القادم مع الرئيس والحكومة دور مهم في التفرغ لقضية محاربة الفساد والاستفادة من تجربة البرلمان المنحل الذي تفرغ لاصدار قوانين لصالح اشخاص بأعينهم وقوانين هامشية ليس لنا بها حاجة ملحة إلا خدمة تيار معين وتحول إلي برلمان خاص وليس برلمانا للشعب المصري كله. فلو أرادت الحكومة والرئيس محاربة الفساد فالروشتة جاهزة وموجودة في اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وفي الأجهزة الدولية مثل البنك الدولي واللجنة المعنية لمكافحة الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة وتجارب الدول التي نجحت في الحد من نشاط الفساد وقبل كل هذا ان يتم منح القضاء المصري حق الولاية القضائية الدولية في مجال مكافحة الفساد. هذه الروشتة لمحاربة الفساد فهل لدينا الإرادة الحقيقية لإعلان الحرب عليه وعلي الفاسدين؟