قضايا عديدة مرت في الأيام الماضية لم تشغل بال وسائل الإعلام ولم تتناولها ولم تعرف مدي خطورتها علي مصر وهي قضايا كان أولي بها أن تتصدر المشهد الصحفي والإعلامي، وأن يتم تناولها بالرأي والتحليل والنقد لكنها مرت مرور الكرام.. مجرد أخبار فقط تصدرت الصفحات الأولي في الصحف وكان آخر هذه القضايا المانشيت الذي خرجت به جريدة أخبار اليوم يوم السبت الماضي وتصريحات خطيرة للدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والبرلمانية التي أعلن فيها إنشاء لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة وزير العدل وعضوية النائب العام وعدد من ممثلي الوزارات منها الداخلية والخارجية وجميع الأجهزة الرقابية والمعنية بمكافحة الفساد في مصر، وقال إن هذه اللجنة التي سيصدر بها قرار جمهوري يأتي تشكيلها في إطار التزامات مصر وفق اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وتأتي تتويجا لإنجازات مصر في مكافحة الفساد. وتشكيل اللجنة أو الهيئة وفقا للاتفاقية وخاصة المادة السادسة منها التي ألزمت الدول بإنشاء لجنة أو هيئة وطنية لمكافحة الفساد، والتشكيل المعلن علي لسان الوزير شهاب قد يكون معبرا جزئيا عن المادة الآن، التشكيل مازال ناقصا أطرافاً مهمة في عملية مكافحة الفساد خاصة أن الاتفاقية جعلت أطرافا مهمة تشارك في مكافحة الفساد أولها المجتمع المدني، والثاني القطاع الخاص، والثالث الإعلام المستقل الحر وليس إعلام الدولة. كما نصت المادة علي استقلالية اللجنة وفقا للفقرة الثانية من المادة، والتي تلزم الدولة بمنح الهيئة أو الهيئات المشار إليها في الفقرة 1 من هذه المادة السادسة ما يلزم من الاستقلالية، لتمكين تلك الهيئة أو الهيئات من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأي عن أي تأثير لا مسوغ له. وينبغي توفير ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين، وكذلك ما قد يحتاج إليه هؤلاء الموظفون من تدريب للاضطلاع بوظائفهم. وهو الأمر المفتقد في التشكيل المعلن، خاصة أن وزير العدل أحد الوزراء في الحكومة وملتزم بما تقرره الحكومة وكذلك ممثلو الوزارات المختلفة. ثانيا: أغلب الهيئات الرقابية الموجودة في مصر تابعة للحكومة ولا يوجد بينها من يتمتع بأقل قدر من الاستقلالية خاصة في ظل الوضع الدستوري الذي جعل رئيس الجمهورية هو رئيس السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفي ظل حالة الاشتباك التي تعيشها مصر بين الدولة والحزب الحاكم وسيطرة الحكومة علي البرلمان والسلطة القضائية، وهذه اللجنة لن تكون إلا إحدي افتكاسات الحكومة لتجميل صورتها أمام مؤتمر الدول الأطراف للاتفاقية الذي سيعقد في نهاية العام ولابد لمصر أن تقدم تقريراً حول ما قامت به لتنفيذ الاتفاقية علي أرض الواقع، والأمر المهم: هل ستقوم هذه اللجنة أو الهيئة المقترحة بدورها ووظيفتها المنصوص عليها في المادة السادسة كما يوضح الدليل التشريعي للاتفاقية، والذي أشار إلي أنه ليس المهم تشكيل اللجنة ولكن المهم هو القدرة علي القيام بالوظائف المنصوص عليها في المادة ومنها وظائف إلزامية واردة في المادة الخامسة من الاتفاقية والمواد التالية لها وحتي المادة 36 في الاتفاقية؟!، ويؤكد الدليل التشريعي أن يصدر تشكيل اللجنة من خلال قانون وليس قرارا جمهوريا حتي ولو كان له قوة القانون، أي أن الأمر لابد أن يعرض علي الرأي العام ويناقشه البرلمان خاصة أنه لا توجد حالة استعجال لإصدار قرار جمهوري بقانون، وأن مصر لم تنفذ أي التزام أساسي من الالتزامات الواردة في الاتفاقية وعلي رأسها إصدار قانون لحرية تداول المعلومات ودعم استقلال القضاء ومدونة قواعد أخلاقية للموظفين العموميين وقانون لمنع تضارب المصالح وأدي عدم وجود قانون مثل هذا إلي حدوث حالة من اللغط علي أرض ميدان التحرير وأدت هذه الحالة إلي خروج الوزير أحمد المغربي وزير الإسكان والتعمير عن شعوره ودخل في تحد مع جهاز المحاسبات وهدد بأنه سيقاضي أي شخص يتناول هذه القضية أو يزج باسمه فيها ولو كان يوجد مثل هذا القانون لأعلن الوزير قبل توليه الوزارة عن شركاته ومن سيديرها أثناء توليه الوزارة علي الزملاء حتي تتم مراقبة هذا بدقة. والأهم في هذا التصريح ما تحدث عنه الوزير شهاب من أن مصر حققت إنجازات في مكافحة الفساد، وهو الأمر الذي لم يحدث، والذي يطلع علي تقارير منظمة الشفافية الدولية يجد أن ترتيب مصر يتراجع سنويا من المركز 70 في نهاية الألفية الماضية إلي المركز 105 في العام الماضي، وكذلك تقارير البنك الدولي وهي مؤسسة حكومية دولية - حتي لا يقال إن منظمة الشفافية الدولية منظمة مشبوهة - ترصد التراجع السنوي في ترتيب مصر في مكافحة الفساد وغياب الشفافية في القرارات السياسية والاقتصادية.. إذن أين هي الإنجازات التي يتحدث عنها الوزير الذي كان أولي به أن يبادر إلي تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاقية وعددها 140 التزاماً علي كل الدول، منها التزامات واجبة التنفيذ والتزامات اختيارية، وعليه أن يقول لنا: أين اللجنة التي وعد بقيام الحكومة بتشكيلها لمتابعة تنفيذ التزامات مصر أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان وهي بالمصادفة 140 التزاماً أيضا أعلن هو عنها في الجلسة الخاصة بالتصديق علي تقرير مصرفي شهر يونيو الماضي، فهذه اللجنة وفقا للتشكيل المعلن لن تكون لجنة معنية بمكافحة الفساد ولكنها ستكون لجنة من الموظفين في الوزارات المختلفة والهيئات الرقابية التي لا حول لها ولا قوة أما تغول الفساد في المجتمع وفي مستوياته العليا خاصة فلم نسمع منذ سنوات عن قيام هذه الأجهزة بالكشف عن قضية فساد كبري فهي ستكون لجنة جديدة لحماية الفساد والفاسدين وكان يجب أن تكون اللجنة مستقلة مكونة من شخصيات مستقلة ولها من الاختصاصات مواجهة الفساد بقوة ونشر الوعي بأضرار الفساد والقدرة علي تلقي الشكاوي وحماية المبلغين والشهود واقتراح تدابير تشريعية للتصدي للفساد. وأغلب دول العالم التي سبقتنا إلي تشكيل اللجنة اتخذت هذا الطريق لأنها لديها إرادة سياسية واضحة وقوية لمكافحة الفساد ومواجهته ومحاسبة مرتكبيه وهي الغائبة عنا في مصر. والقضية الثانية المسكوت عنها والتي تناولتها وسائل الإعلام الدولية هي نجاح 22 دولة في توقيع اتفاقيات مع الحكومة الفيدرالية السويسرية لمنع الازدواج الضريبي، وهي الاتفاقيات التي تسمح للدول بالحصول علي ضرائب من أموال رعاياها المودعة في بنوك سويسرا ومعرفة حجم هذه الأموال ومودعيها وهي الاتفاقيات التي أنهت حقبة زمنية كانت تعرف بحقبة سرية الحسابات البنكية وجاءت هذه الاتفاقيات بمقتضي اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد والتي وضعت آلية لاسترداد الأموال المودعة هناك نتيجة أعمال فساد، وتقدر أموال المصريين في البنوك السويسرية بأربعين مليار دولار وحصيلة الضرائب عليها أكثر من 3 مليارات دولار، إذا كانت هذه الأموال سليمة وليس أغلبها وليد عمولات ورشا، واستعجبت لماذا لم يقم وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي بطلب توقيع اتفاقية مماثلة خاصة أن دولا في أمريكا اللاتينية والوسطي استفادت منها وعلي رأسها المكسيك وليس دول الاتحاد الأوروبي فقط؟! فهذا المبلغ وفقاً للتقديرات المعلنة عن الأموال المصرية في سويسرا تأتي بحصيلة تعادل دخل قناة السويس، وأكثر من حصيلة الضريبة العقارية.. ولماذا لم يتقدم بطلب لمعرفة حجم الأموال التي يودعها المصريون في هذه البنوك حتي يحاسبهم هنا عليها وفي هذه الحالة ستعود هذه الأموال تلقائيا إلي مصر ليستخدمها أصحابها في مشاريع استثمارية تعود بالنفع العام علي المجتمع بدلا من سيل الضرائب الذي تفرضه الحكومة علي المصريين والذين لايرون من حصيلته أي إنجاز حقيقي علي الأرض حتي الخدمات التي صرفت عليها الدولة 400 مليار جنيه تنهار أمام أعينهم وآخرها قطاع الكهرباء الذي سقط مع أول موجة حر ضربت مصر، وقطاع الطرق الذي تحول إلي مصيدة للموت وخلت مصر من طريق واحد آمن.. وغيرها من القطاعات الخدمية من مياه وصرف صحي؟!.. لقد انهارت البنية الأساسية المصرية التي كانت الحكومات المتتالية تفتخر بها حتي وقت قريب بأنها أحد أهم إنجازاتها وقبل حتي عمرها الافتراضي وهو ما يحتاج إلي فتح هذا الملف: «لماذا انهارت ومن المسئول عن هذا الانهيار؟!».