من جديد عادت الأزمة بين السلطة القضائية والتشريعية لتأخذ مكانها علي الساحة السياسية، بعد أن أحال مجلس الشوري قانون السلطة القضائية الجديد إلي اللجنة الدستورية والتشريعية بالمجلس لمناقشته في محاولة من المجلس للانتهاء من القانون لإرساله لرئيس الجمهورية للموافقة والتصديق عليه، في عجلة غير مبررة غير منتظرين انتخاب مجلس النواب الجديد صاحب الاختصاص الأصيل في إصدار مثل هذه التشريعات بنص الدستور . هذه التطورات طرحت السؤال المهم حول ماهية الدوافع وراء هذه العجلة لاستصدار قانون السلطة القضائية الجديد والذي يهدف لإقصاء حوالي 3500 قاض من أكفأ قضاة مصر معظمهم من رؤساء محاكم النقض والاستئناف والجنايات ومن سينتصر في نهاية المطاف.. وهل من الممكن أن يتعرض القانون في حالة صدوره للطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا لتحكم بعدم دستوريته مثلما حدث في قانون 2000 والذي استبعد اساتذة الجامعة الذين بلغوا سن السبعين، وهو ما عرف وقتها ب»قانون مفيد شهاب« . التحقيق التالي يجيب علي هذه الأسئلة. بداية يقول د.صلاح الدين فوزي استاذ ورئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة: ننطلق من قاعدة أن هناك مبدأ الفصل بين السلطات والسؤال الآن هل يلزم تعديل قانون السلطة القضائية؟ الإجابة نعم لأن الدستور الذي تم وضعه في عام 2012 نص علي طريق معين لتعيين النائب العام فهي غير موجودة في القانون الحالي والذي يتعارض مع الدستور الحالي للبلاد، أيضا ما يتعلق بندب القضاة للعمل في جهات ومؤسسات أخري بجانب عملهم كقضاة، وكذلك كان هناك مطلب ملح وليس من القضاة فقط بل من أصحاب المصالح والحقوق، بأن ينتقل تبعية التفتيش القضائي من وزارة العدل إلي المجلس الأعلي للقضاء. وأما بخصوص سن تقاعد القضاة وهو جوهر الأزمة الحالية، فأري أن من حق المشرع أن يتناوله في إطار قانون وظيفي.. ولكن ولما كثرت التصريحات من هنا وهناك بأن تعديل سن التقاعد للقضاة من 70 سنة إلي 60 سنة بهدف إزاحة 3500 قاض بموجب القانون الجديد، فهنا نجد أن السياسة قد تدخلت وفرض المناخ السياسي وعوامل الملائمة السياسية نفسها علي القانون المراد تعديله في هذه المرحلة وهو ما يوحي بأن الغرض من تخفيض سن التقاعد سياسي وليس وظيفي. ويوضح فوزي مدي أحقية مجلس الشوري في التعديل لقانون السلطة الجديد والتقدم بقانون جديد، فيقول طبقا للدستور الجديد قد أعطي مجلس الشوري في هذه المرحلة الاستثنائية حق التشريع لحين انتخاب مجلس النواب، وطبقا للدستور الجديد فمن له حق اقتراح القوانين هم رئيس الجمهورية والحكومة ومن حق مجالس النواب اقتراح القانون، والسؤال هنا: هل من حق أعضاء مجلس الشوري اقتراح القانون في هذه المرحلة الانتقالية؟ وهنا مسألة خلافية في التفسير فلو رجعنا إلي نص الدستور نجد أنه يعطي الحق لمجلس النواب بالتشريع ورسم السياسة وإقرار الميزانية وفي الدستور تنتقل سلطة التشريع مؤقتا إلي مجلس الشوري وهنا يطرح السؤال: هل من حق أعضاء مجلس الشوري اقتراح القانون؟ وهنا رأينان أنه لايجوز لأعضاء الشوري التقدم بمقترحات للقوانين وهذا تفسير ضيق. وهناك تفسير واسع يقول أن ممارسة التشريع يحركها الاقتراح من قبل الأعضاء أو المشروع من قبل الحكومة وبالتالي فعملية الاقتراح هي جزء من التشريع، ومن هنا وطبقا لهذا التفسير الواسع فيري أن من حق أعضاء مجلس الشوري اقتراح القانون. أما د. محمود السقا المحامي بالنقض وعضو مجلس الشعب سابقا فيري أن مصر تعيش حالة ضياع فقهي وضياع قانوني، فلا يوجد مستقر علي شيء. وأري أن استقلال القضاء لايعالج بهذه العصبية فمنذ عهد عبدالناصر والسادات وحتي مبارك كان القضاء هو الذي يحمي المجتمع، وبالنسبة لحكاية النصوص فالنصوص قابلة للتعديل، لأن قانون السلطة القضائية جزء من الدستور، وهذا إذا ما حسنت النية. وفي الأزمة الحالية بين القضاة ومجلس الشوري بشأن تخفيض سن التقاعد للقضاة من 70 إلي 60سنة فهذا ليس موجود في أي دولة من دول العالم وتخفيض السن فيه دمار للجميع ففي دول العالم يحال القاضي للتقاعد في سن 70 سنة و75 سنة. ولكن في مصر نري أن الهدف هو إقصاء 3500 قاض وحرمانهم من القضاء وهم في عز العطاء القانوني والقضائي ولديهم الحكمة نتيجة السنوات الطويلة التي قضوها في محراب العدالة، فالقضاء ممارسة وليس وظيفة، والقاضي يبحث عن تأجيل الحكم وليس مجرد إصدار الحكم .. ولذلك بعد سن معين يطلق علي عدد معين من القضاة شيوخ القضاة نظرا لقيمتهم وخبرتهم الهائلة في محراب العدالة. ولذلك فأنا أري أنه آن الآوان لأن تعود العصمة إلي المجلس الأعلي للقضاء ليدير أعضائه دفة القضاء بحكمتهم القديرة. فلا أتصور أن أري شيوخ القضاء في مصر يرفعون علي بعضهم دعاوي قضائية أمام المحاكم فحدوث ذلك إنما هو فتنة، فالقتنة نائمة بين القضاة، فيجب علي القضاة أن يتخطوا هذه العقبات، وأن يجلس نادي القضاة مع المجلس الأعلي للقضاء لحل هذه الإشكاليات، لأنه حين اختلط القضاء بالسياسة فكان من الطبيعي أن تنفجر الأزمات، فقديماً كان رجل القضاء والنيابة العامة معزولاً تماماً عن المجتمع حتي يتجرد في عمله، حتي المناسبات الاجتماعية كان محظوراً علي رجال القضاء والنيابة حضورها. من جانبه يري د. يسري العصار، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة أن توقيت مناقشة هذا المشروع غير ملائم تماماً ولا يراعي المصلحة العامة، صحيح أن الدستور منح مجلس الشوري حق التشريع في هذه الفترة، ولكن في الأمور الضرورية، مثل الحالات الاقتصادية والبطالة، ولكن تنظيم السلطات وقانون الجمعيات وحق التظاهر.. فكل هذا لم يكن توقيته الآن، فكان ينبغي انتظار المجلس التشريعي القادم، ولكن أن يكن هناك إسراف في السلطة التشريعية فهذا أمر غير مرغوب فيه، فللأسف الحكمة غائبة عن النظام وعن المشرع. ويوضح « العصار» أن من حق رئيس الجمهورية أن يبدي آعتراضه مسبقاً علي صدور القانون إذا صدر ضد رغبته في التهئة للأزمة، كما أن رئيس الجمهورية يستطيع دستوريا اعتراضه علي القانون بعد إحالته للموافقة عليه، وهنا سيعيد القانون مرة أخري لمجلس الشوري. ويري « العصار» أن القضاء سينتصر في نهاية المطاف، حتي لو صدر القانون فسوف يتقدم من له المصلحة بالطعن علي القانون وهنا ستقضي المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون نظراً للانحراف التشريعي بالقانون، حيث أنه سيتم إثبات أنه في أثناء التقدم بمشروع هذا القانون كانت هناك تصريحات لمسئولين سياسيين منها المرشد السابق للإخوان المسلمين مهدي عاكف وكذلك مقدم مشروع القانون عصام سلطان وعصام العريان فقد تحدثوا عن وجود 3500 قاض من الفاسدين ويجب عزلهم، وهذا هو عين الانحراف التشريعي، حيث أنك أصدرت قانوناً بهدف الانتقام وتصفية الحسابات. ولو راجعت تاريخ هؤلاء القضاة تحديداً ستجدهم عينوا في الستينيات من القرن الماضي ويدون واسطة، ولكن جيل الوسط والشباب هم من تم تعيينهم بواسطة. ودعني هنا أذكرك بقانون صاغة د. مفيد شهاب في عام 2000 وأطلقنا عليه قانون فيد شهاب وهو استبعاد اساتذة الجامعة من بلغوا سن السبعين، ووقتها تم الطعن علي القانون وحكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون. فأستاذ الجامعة طالما يتمتع بالصحة وقدرته علي العطاء فلا يحرم من التدريس في الجامعة. أما د. محمد محيي الدين، عضو مجلس الشوري ونائب رئيس حزب غد الثورة فيقول: المشكلة أن هناك نظرة دونية متبادلة من كل من القضاة وأعضاء مجلس الشوري، وترجع لحسابات قديمة ودعني أقول لك أن المشكلة الأساسية في المحكمة الدستورية، فهي التي قضت بحل مجلس الشعب السابق، وللأسف فنحن نعيش حالات مراهقة سياسية وتصفية حسابات غاب