أكد تحليل حديث صادر عن معهد كارنيجى للسلام الدولى، الذى يتخذ من بيروت مقراً له فى منطقة الشرق الأوسط، أن امتلاك الدكتور محمد البرادعى للثقة وشجاعة المطالبة بالاصلاح سياسى، دفع أفراد الجاليات المصرية بالخارج إلى تأييد دعواته للتغيير، وتوحدهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، مشيراً إلى أن السماح لهم بالتصويت فى الانتخابات ووجود مراقبة دولية مستقلة، بامكانه التأثير بشكل فعلى فى نتائجها، والتقليل من نطاق التزوير الواسع.الجالية المصرية عملاق لازم يصحى عشان ينقذ البلد... بصّوا الجاليات التانية بتعمل إيه... بهذه العبارة بدأ عمر عاشور، أستاذ العلوم السياسية، ومدير برنامج الدراسات العليا فى سياسة الشرق الأوسط بجامعة إكستر البريطانية، تحليله مستشهداً بجملة لأحد المشاركين من الجالية المصرية فى مؤتمر عقدته الجمعية الوطنية المصرية للتغيير فى لندن مؤخراً.وأضاف عاشور أن المؤتمر يشير إلى وجود تحول واضح عن ظاهرة عدم الاهتمام و الخوف من السياسة لدى المصريين بالخارج، خاصة بعد المؤتمر الذى عقده تحالف المصريين الأمريكيين فى واشنطن بين 17 و20 سبتمبر، وأن الجمعية الوطنية للتغيير سرعان ما وجدت دعماً قوياً فى أوساط المصريين فى أكثر من عشرة بلدان، بما فى ذلك بعض أكبر الجاليات بما فيها، ومن بينها السعودية (مليون مصرى) ، والولايات المتحدة (32 ألف) ، والأردن(230 ألف) ، وكندا (110 ألف) ، وإيطاليا (90 ألف) ، والمملكة المتحدة (35 ألف)، وفقاً لاحصائيات المنظمة الدولية للهجرة التى استند إليها.وفيما وصف تحليل مؤسسة كارنيجى الحالة العامة فى مصر الممثلة فى الحرمان الاقتصادى والظلم الاجتماعى والقمع السياسى بأنها وصلت مبلغاً لا يحتمله أغلبية المصريين، وأنهم أصبحوا يعيشون واقعاً مغايراً يلخصه حصار يفرضه النظام الحاكم فى مصر على غزة - المحاصرة أيضاً من قبل إسرائيل وأزمة كرة قدم ساءت إدارتها فتحولت لشبه قطيعة بين مصر والجزائر، وجريمة تعذيب ومقتل الشاب خالد سعيد على الملأ. أكد أن هذه الحالة أقنعت الكثير من المغتربين المصريين بأن مصلحة البلاد ومصلحة النظام الحاكم هما مسألتان مختلفتان كلياً.ولفت الدكتور عمرو عاشور إلى أنه رغم أن الجاليات المصرية عبرت عن المظالم الاجتماعية والسياسية التي يعبر عنها الآن منذ أوائل التسعينيات على الأقل، إلا أن هوية قادة المطالبة بالتغيير وسط الظروف القاسية الدافعة لدعوات االتغيير، وتمتع الدكتور محمد البرادعى بالثقة والشجاعة فى المطالبة بالاصلاح السياسى، أحدثت فارقاً لدى الجاليات، مبرراً ذلك بأن البرادعى والمغتربون المصريون يفهمون بعضهم البعض جيداً، فمثلاً عندما يتحدّث عن الديمقراطية الاشتراكية لا يخلطها المغتربون المصريون باشتراكية عبد الناصر، بل يفهمها المصريون الذين عاشوا فى المملكة المتحدة وكندا والنمسا واسكندينافيا التى تقتضى ديمقراطية تمثيلية، ونظام عدالة اجتماعية، ودولة رعاية (welfare) متطوِّرة.وعن الدور الذى يمكن أن يلعبه مصريو الخارج لدعم الإصلاح السياسى فى مصر، نوه عاشور إلى أن البرادعى وقادة الجمعية الوطنية للتغيير يدركون أنّ قوتهم تكمن فى أعدادهم، وأنه أسباب وضع الجمعية الوطنية للتغير له كأحد المطالب السبعة فى بيانها لجمع مليون مؤيد لها، وما يجادل به نشطاء الجمعية بأنه من غير المقبول حرمان 8 ملايين مصرى - يساهمون بنحو 8 مليارات دولار فى إجمالى الناتج المحلى المصرى سنوياً - من حق التصويت (وفقاً للبنك الدولي تحصل مصر على أكبر قدر من التحويلات المالية في بلدان الشرق الأوسط) ، أى أنهم يساهمون سنوياً بأربعة أضعاف معونة الإدارة الأمريكية، والتى بالطبع تؤخذ مطالبها بمنتهى الجدية، حسب قوله.ورغم تأكيده أن مطلب المغتربين المصريين بالمشاركة فى التصويت فى الانتخابات، قد يؤثر فعلياً على نتائج الانتخابات فى حال تبنّيه، فلا مكان لقوات الأمن المركزى فى شوارع لندن و واشنطن ومونتريال لإغلاق مداخل القنصليات وترهيب الناخبين واعتقال النشطاء والتحرش بالصحفيين الذين يسجلون الانتهاكات، وإذا سُمِح بوجود مراقبة مستقلّة ودولية، وأنه إذا أُعلِنت النتائج على الفور عقب فرز أصوات خاضع للمراقبة فى السفارات، يمكن أن يتقلّص احتمال التزويرعلى نطاق واسع.إلا أنه قال إن المصريين فى الخارج لازالوا يواجهون عوائق أمام تأدية هذا الدور، فالنظام الحاكم يتجاهل حتى الآن المطالبة بمنحهم حق التصويت. وأنه فى حين يستطيع المصريون فى البلدان الغربية أن يتكلموا و يتحركوا بحرّية، يواجه المصريون الموجودون فى البلدان العربية آفاقاً أكثرَ قتامةً، مثلما حدث فى الكويت بترحيل لأنصار البرادعى فى أبريل الماضى، بما يؤكد أن الحكومات العربية تملك أدواتاً كثيرةً لمنع المطالبة بالإصلاح السياسى فى مصر، إن قررت ذلك المنع، على حد تعبيره.وبعد وصفه حال المصريين المغتربين بأنه واقع ضبابى، وأنهم لا يزالون بعيدين عن حسم قرارهم بشأن الاستراتيجية التى سيتّبعونها. ووضع مجموعة من التساؤلات منها هل سيدفعون جدّياً نحو الحصول على حق التصويت؟ هل سيعملون من أجل التأثير فى السياسات الخارجية التى تنتهجها أوطانهم الجديدة حيال النظام الحاكم فى مصر؟ هل سيجمعون المال لدعم قضاياهم؟، موضحاً أن المصريين فى الخارج يواجهون تحدّياً آخر يتعلّق بتجاوز خلافاتهم، وإنشاء منظّمات كبيرة و قوية لدعم مطالب الإصلاح السياسى.واختتم الدكتور عمر عاشور أستاذ العلوم السياسية، ومدير برنامج الدراسات العليا فى سياسة الشرق الأوسط بجامعة إكستر البريطانية، تحليله قائلاً رغم هذه التحديات يتجاوب كثير من المصريين المغتربين بحماس مع الرسالة التى يوجّهها إليهم د.البرادعى: إذا لم تتحرّكوا وتشاركوا الآن فلا تشتكواغداً.