ما إن نشر مقالى الذى كتبته هنا فى الأسبوع الماضى تحت عنوان «هل سقطت دولة الفساد؟» حتى وجدت اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، يتصل بى مبدياً اهتمامه بما نشرت حول واقعة سرقة فى أحد المتاجر الكبرى بمدينة 6 أكتوبر والتى تحولت إلى ظاهرة متكررة يشكو الأهالى من أن شرطة المدينة لا تتخذ فيها الإجراءات الواجبة. وقد تفضل الوزير بكلمات رقيقة فى حقى قائلاً إنه من المتابعين لكتاباتى، ولم يعطنى الفرصة كى أؤكد له أننى من المتابعين لسجله المهنى المشرف ولبعض مواقفه النبيلة التى لا يعرف أننى على علم بها، فقد كان مهتما بضرورة متابعة تفاصيل الوقائع التى نشرتها فى مقالى والتى دار حولها حديثنا. كما اتصل بى أيضاً الصديق القديم اللواء مروان مصطفى، مساعد الوزير للعلاقات والإعلام، واللواء فاروق لاشين، مساعد الوزير لأمن الجيزة، والعميد أحمد طه، مدير إدارة الإعلام بالجيزة، وقد أخطرت مساعد الوزير بما تلقيته إثر نشر مقالى من القراء وكذلك من شخصية كبيرة كانت مسؤولة عن جهاز حكومى مهم حول واقعة سرقة أخرى حدثت لزوجته فى نفس المكان وبنفس الطريقة، وأنهم أبلغوا عنها، لكن ما حرره معاون المباحث فى قسم أول 6 أكتوبر «لدى اسمه» كان منقوصا - حسبما ورد فى رسالة المسؤول السابق - مما أدى إلى عدم تحويل الأمر للنيابة. كما ذكرت للواء فاروق لاشين التهديد الذى وصلنى من عابث ادعى أنه ضابط سابق فى جهاز أمن الدولة توعدنى «برد قاس جداً» على حديثى عن الفساد، وقال إنه سوف يعد معلومات عنى وعن أسرتى وأنه سينشرها حسب كلامه على جميع مواقع الإنترنت وفى الفضائيات «لأجعلك تتذوق طعم الظلم»، فطلب منى اللواء فاروق لاشين عمل محضر بذلك على الفور وعدم إهمال أى تهديدات أخرى تصلنى قائلاً: «إننا نبحث عن المعلومات الخاصة بأى انحرافات مماثلة»، ثم بادر سيادته بالاتصال بمن حرر لى المحضر المطلوب، الذى تم تحويله على الفور إلى مباحث إدارة المعلومات والتوثيق بالوزارة للتحقيق فيه. ولقد توقفت فى كل ذلك عند ظاهرتين جديدتين تماماً تنبئان بتغير قد حدث بالفعل فى حياة البلاد، وأولهما ذلك الاهتمام الذى لم نعهده من أجهزة الشرطة التى لم يكن أمن المواطنين يحتل مرتبة عالية فى أولويات عملها، وحرص جهاز الشرطة على أعلى مستوياته على عدم ترك أى شبهة فساد تهدد حياة المواطنين دون ملاحقتها. أما الظاهرة الثانية فهى خروج المواطنين من عزلتهم ومشاركتهم فى تعقب كل مظاهر الفساد، فقد وصلتنى رسائل كثيرة تشير إلى وقائع مماثلة، كما وصلتنى رسائل أخرى تعلق على الموضوع وتقترح الحلول، وهذا إن دل على شىء، فيدل على أن المواطنين لم يعودوا يعتقدون أنه لا فائدة من المناداة بالإصلاح، وأن أجهزة الشرطة الحالية حريصة على إصلاح ما أفسده الماضى، وهو ما يؤكده اهتمام المسؤولين بالواقعة التى نشرتها والذى لم يكن مجرد اهتمام إعلامى بمقال نشر، وإنما كان اهتماماً أصيلاً بالواقعة ذاتها وبكل ما أحاط بها من معلومات، والدليل على ذلك أن وزارة الداخلية لم تكتف بتلك الاتصالات الشخصية، وإنما وجدتها تتابع الموضوع بالفعل، حيث عاد مساعد الوزير يتصل بى ليؤكد أن الجناة فى واقعة السرقة مقبوض عليهم وأن السارقة التى ذكرت فى مقالى أنها ضبطت متلبسة هى قيد الحبس وأنه أمكن بالفعل إعادة بعض المسروقات. ومن بين ما وصلنى من القراء أشار السيد حامد شرارة إلى ظاهرة استغلال البعض مناخ عدم الاستقرار السائد فى الفترة الانتقالية الحالية للقيام بأعمال خارجة على القانون من نهب وسرقة فى المتاجر والبنوك وتعد على الأراضى الزراعية واحتلال الشقق، وهو يرى أن تلك الظاهرة الإجرامية التى انتشرت خلال أيام الثورة مازالت قائمة بيننا بعد نجاح الثورة وإن اتخذت أشكالاً مختلفة وأن علينا ضرورة التصدى لها بكل حزم، وهو ما ورد فى عدة رسائل أخرى كانت إحداها للقارئة «نانسى» التى طالبت «بحملة إعلامية ضد هذا النوع من الفساد»، وقالت: «إننا نحتاج من السيد الدكتور عصام شرف والسيد وزير الداخلية رد فعل واضحاً»، ولابد أن الاهتمام الواجب الذى أبداه اللواء منصور عيسوى سيثلج صدر صاحبة الرسالة كما أثلج صدورنا جميعاً، حيث أكد لنا أن هناك وزارة داخلية جديدة تعتبر نفسها بالفعل فى خدمة الشعب، ولذا سنواصل إخطارها بأى مظاهر فساد تصل إلى علمنا وقد أصبحنا الآن على ثقة أنها ستتحرك على الفور لإعمال القانون والحفاظ على حق المواطنين وضمان أمنهم. على أنه من السهولة بمكان أن نضع أمام الشرطة ما نرى أن عليها أداءه من واجب، لكن ذلك الواجب يعترضه الكثير من المعوقات التى تتعلق بالمناخ العام والعلاقة بين الشرطة والشعب وكيف يمكن إصلاحها، وتلك هى المشكلة الحقيقية التى تستحق منا حديثاً خاصاً.