أعتقد أنه من واجبي ومن واجب كل وسائل الإعلام العربية أن نصرخ في وقت واحد : وا وطناه تحذيرا من المخطط الخاص بتفتيت العالم العربي والاسلامي الذي سبق لي مناقشته في تقرير نشرته صحيفة "الأخبار" منذ نحو الأسبوعين . أن مخطط المدعو برنارد لويس يبدو – والله أعلم – انه دخل وبسرعة تفوق المتوقع الى حيز التنفيذ . لكن ما أدهشني هو أن الموضوع على رغم خطورته لم يحظ بما يستحق من اهتمام لسبب أو لآخر وان كنت أظن أن السبب ربما يكون في سوء الفهم . المخطط المقصود هو ذلك الذي وضعه المؤرخ الأميركي الجنسية بريطاني الأصل صهيوني الهوى برنارد لويس في العام 1983 ويقضي بتقسيم دول العالم العربي ومعها ايران وأفغانستان وتركيا وباكستان الى 82 دويلة على أسس طائفية وعرقية . ولا شك أن ما يجري اليوم في العالم العربي يؤكد أننا في المرحلة الأولى فقط من هذا المخطط في انتظار المراحل التالية التي تستهدف تنفيذ الفوضى الخلاقة لتبدا بعدها مرحلة اعادة ترتيب العالم العربي الى دويلات طائفية وعرقية . فحتى هذه اللحظة جرى تقسيم عملي في كل من العراق والسودان وفلسطين وسقط النظام في كل من تونس ومصر وتترنح بقوة الأنظمة في ليبيا واليمن وسورية والأردن والمغرب والجزائر ولبنان والبحرين التي ترتبط بها بشكل وثيق اضطرابات " طائفية " متباينة العنف في كل من الكويت والسعودية وسلطنة عمان والامارات وجزر القمر وجيبوتي وتشاد . أقول ان سوء الفهم الذي قصدته هو أن البعض على ما يبدو أعتقد أنني بالحديث عن هذا المخطط لا أرى أسبابا حقيقية وراء المظاهرات الثورية التي تنتشر في أرجاء العالم العربي من غيبة للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وقهرا لحرية الاعلام والتعبير . والحقيقة ان الأعمى فقط هو من لايرى مثل هذه الأسباب لكنني أرى ان هناك دورا مؤكدا للولايات المتحدة الأميركية واسرائيل وأوروبا أصحاب التوكيل الحصري لهذا المخطط في ايصال الأنظمة العربية الى ما آلت اليه الأمور فيها من فساد وقمع واساءة ادارة اما عن طريق تزيين السوء للأنظمة العربية أو عن طريق الصمت على أخطاء ضخمة يرونها منذ سنوات طويلة ولا يحاولون لفت الانتباه اليها والى ما يمكن أن تؤدي اليه من فظائع . وأن وصول هذه السوءات الى آخر مراحل النمو هو الذي حدد مواعيد الانفجار . وبعيدا عن تفاصيل ما يجري اليوم في مختلف الدول العربية دعوني أركز الحديث على ما يجري في مصر بعد نحو شهرين من ثورة 25 يناير العظيمة بل الأعظم لا في تاريخ مصر فحسب بل في تاريخ العالم كله . لقد اختفى الثوار الحقيقيون وبدأت مصر تواجه حالة من حالات الفلتان غير المسبوق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومؤسساتيا واعلاميا في كافة الأرجاء . وأصبحت مشاهد الاعتصامات والاحتجاجات والمظاهرات من كل الفئات ولكافة الأسباب هي العامل المشترك الأكبر في الحياة اليومية . وعلى مدى الفترة القليلة الماضية بدأ التركيز على احداث الوقيعة بين شركاء الوطن الواحد بالمغالاة في الحديث عن دور الجماعات الدينية سواء منها السلفية أو الجماعات الاسلامية التي كانت قد اختفت أو الجماعات السياسية مثل جماعة الاخوان المسلمين بشكل كفيل باثارة الفزع في نفوس مسيحيي مصر من المستقبل . وليس ببعيد ما جرى من مظاهرات واعتصامات من جانب المسيحيين ردا على ما جرى في بلدة صول بأطفيح من حرق لكنيسة هناك وما أعقب ذلك من مواجهات مسلحة في منطقة المقطم وما تلا ذلك من التهويل من جانب بعض وسائل الاعلام في تفسير الموافقة على التعديلات الدستورية بنسبة 77 % كما لو كانت تصويتا لصالح هدف ديني فيما هي لم تكن كذلك بالمرة . وهذا هو مربط الفرس لأن كسر مصر لا يمكن أن يكون – على حد قول الدكتور يحيي الجمل الفقيه الدستوري الكبير ونائب رئيس مجلس الوزراء - الا عن هذا الطريق الشيطاني المتمثل في اذكاء نيران الفتنة بين شركاء الوطن الواحد . وعلى رغم الموقف الأكثر من رائع من جانب أهالي منطقة النوبة بمجرد نجاح الثورة في تنحية رأس النظام بقرارهم عدم مناقشة مطالبهم الا بعد استقرار الأوضاع فان أبناء النوبة بدأوا مع نهاية الأسبوع الماضي يتظاهرون أمام مجلس الوزراء مطالبين باسترداد الأراضي التي خصصها النظام السابق على بحيرة ناصر خلف السد العالي . حيث قال رئيس الجمعية الوطنية النوبية ان أهل النوبة يريدون استرداد هذا الأراضي لتكون امتدادا لقرى نصر النوبة وتخصيص 5 أفدنة زراعية لكل صاحب منزل على أن تكون ملاصقة لمنطقة النوبة القديمة . ويتساءل النوبيون عن مصير مليار و300 مليون جنيه تم تخصيصها من منظمة الأممالمتحدة للزراعة ( الفاو ) لاعادة توطين أهل النوبة على ضفاف بحيرة ناصر . ان هذا الموضوع موضوع رئيسي لابد من أن تفكر مصر بعد 25 يناير في ايجاد الحلول له اعترافا لهؤلاء المصريين المعروفين بالاخلاق والطيبة والوفاء بتضحياتهم من أجل بناء السد العالي . وعلينا أن نعيد النظر في عدم الاهتمام بقضايا أهل النوبة المصريين الثقافية والاجتماعية والاقتصادية قبل أن يسبقنا المتآمرون . واذا اضفنا الى هذا الموضوع قضية بدو سيناء في شمال وجنوب سيناء الذين عانوا القهر طيلة السنوات الماضية عندما ترك ملفهم في يد جهاز أمن الدولة "السابق " الذي تعامل معهم كما لو كانوا جواسيس على مصر لمجرد ان كثيرين منهم يتحدثون باللغة العبرية وتربطهم علاقات اقتصادية بالجانب الاسرائيلي لأدركنا أن امامنا ملفات في غاية الأهمية والخطورة لابد أن نلتفت وبسرعة الى التعامل معها قبل أن يوظفها الذين وضعوا المخطط الذيي ستهدف تقسيم مصر الى أربع دويلات احداها مسيحية عاصمتها الاسكندرية والأخرى نوبية في الجنوب وشمال السودان عاصمتها أسوان والثالثة في سيناء تحت ادارة يهودية والباقي دويلة اسلامية عاصمتها القاهرة على حد ما جاء في المخطط الذي وضعه برنارد لويس عام 1983 والذي تم احياؤه في العام 2004 . انني أرى الخطر قائما وتتطاير رؤوسه حولنا ونحن نعيش - رغما عن الجميع مجلسا عسكريا وحكومة ثورية نقية - في اطار حال من عدم الاستقرار نساهم فيه جميعا دونما وعي فلا نعطي الفرصة للعقل أن يحكم تصرفاتنا وننشغل بقضايا فئوية ليس هذا وقت فتح ملفاتها ونترك الفرصة لمن يريدون القفز فوق الفوضى التي نخلقها والفلتان الذي استمرأه الكثيرون بزعم ضرورة تغيير كل الأوضاع التي كانت قائمة قبل الثورة . ان أحاديث الكثيرين كما لو كانوا هم فقط الذين يحملوت التوكيل الحصري للحقيقة كفيل باستمرار حال الفلتان التي لالحالة ولا يمكنني أن أنسى أن الذين جلسوا معا على هيئة حكماء لايجاد حلول للأزمات المفتعلة من جانب بعض العن يمكن لأحد مهما كانت قدرته على التحمل أن يعمل في اطارها وساعتها تكون الطريق ممهدة لتنفيذ مخططات الشيطان . اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان . ________________________ [email protected]