منذ ردح بعيد، ينتظر أكثر من 4 ملايين عامل في قطاع السياحة بمصر، عودة السياحة إلى سابق عهدها، بعد أن مرت بفترة كساد منذ بدء الثورة المصرية في يناير عام 2011. والمتأمل للمشهد السياحي حالياً، وتحديداً في محافظتي الأقصر وأسوان بجنوب مصر، يجد المناطق تعج بالوفود السياحية التي مازالت تفضل زيارة الآثار المصرية رغم كل الأحداث السياسية التي تنذر بحالة عدم استقرار قد تشهدها البلاد. فعلى بعد كيلومترات من الفنادق السياحية بمحافظة الأقصر، تفتح العشرات من البازارات السياحية بسوق الأقصر وسوق سافوي، أبوابها للسائحين بما تضمّه من محال تبيع المنتجات الفرعونية، ومشغولات الفن الإسلامي، وكذلك محال للمشغولات اليدوية وأخرى للعطارة التي تبيع أجود أنواع الكركدية والحناء. و هناك تغييرا ملحوظاً في توقيت إغلاق هذه المحال، فمع حلول الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت الأقصر(9 مساء تغ) تبدو المدينة كأنها قصر فرعوني مهجور، ومع ذلك تجد الكثير من السائحين يقضون معظم الوقت على "كورنيش" النيل ويتأملون من بعيد البر الغربي للأقصر الممتلئ بكنوز الآثار الفرعونية، انتظاراً لحلول صباح جديد يحملهم فيه المرشد السياحي إلى تلك المنطقة. وتم استطلاع لأراء السائحين الذين جابوا منطقة وادي الملوك (في البر الغربي للأقصر)، في الوقت الذي كان يشتعل فيه ميدان التحرير بوسط القاهرة باشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن. "فرانك"، من باريس، قال: "هذه أول مرة أزور فيها مصر، وأنا سعيد لأنني كنت أتمنى مشاهدة الآثار ولا أشعر بأي خوف من الأحداث التي أسمع عنها ، خاصة أن المصريين ليسوا كالأفغان"، مشيراً إلى أن "أحداث العنف يقوم بها قِلة وليست خطيرة بالدرجة". أما "ريتا"، من إيطاليا، فقالت: "زرت مصر عدة مرات ولا أشعر بخوف حتى وإن كان هناك أحداث عنف في البلاد الآن، لأنها تحدث ببعض الأماكن ولا تصل إلينا"، مشيرة إلى أنها "تشعر حالياً بأمان في مصر أكثر من أي وقت مضى". ريتا أضافت أنها قرأت كثيرا عن الآثار الفرعونية ولا يوجد عندها استعداد لكي تضيع هذه الزيارة أو تقوم بإلغائها بسبب ما يحدث، فعلى حد قولها، "لا يجب للسائحين أن يخشوا من أحداث عنف، أو يستسلموا لهؤلاء الأشخاص ". فوج سياحي من هولندا أكدوا أنهم" أول مرة يزورن فيها مصر وأنهم لا يشعرون بخوف من الأحداث السياسية التي سمعوا عنها، ولا تقلقهم الأحداث في سيناء أو ميدان التحرير، وأنهم يشعروا بطمأنينة لبعد الأحداث عن المناطق السياحية مع تأمين واضح لهم". "جانيت"، من لندن، بدى عليها الولع بالسياحة الثقافية والسفاري، قالت: "إنها المرة 12 التي آتي فيها إلى مصر ولا أشعر بخوف لأنني عشت فترة في القاهرة مع زوجي ولدينا أصدقاء مصريين نعرف أنهم طيبين لا يعرفون العنف ولكن الشيء الوحيد الذي يزعجني هو وجود بعض الباعة المتجولين يلحون علينا في شراء الأشياء ". مجدي سليم، رئيس قطاع السياحة المحلية بهيئة تنشيط السياحة، قال إن عدد السياح الذين جاؤوا إلى مصر وصلوا إلى 8 ونصف مليون سائح منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية شهر سبتمبر الماضي، بينما تتوقع وزارة السياحة وصول العدد إلى 12 مليون سائح بنهاية العام. وأوضح لمراسلة الأناضول أنه رغم الأحداث السياسية فإن هناك إقبالاً ملحوظا من السائحين على السياحة الشاطئية بجنوب سيناء والبحر الأحمر، وكذلك السياحة الثقافية (الأثرية) في الأقصر وأسوان". يذكر أنه في العقد الماضي، كان عدد السياح الذين يزورون مصر يتجاوز 15 مليون سائح سنويًا، بحسب إحصاءات رسمية. وأضاف سليم أن "نسبة الإشغالات في السياحة الشاطئية بمصر تتراوح حالياً من 70% ل 75%، بينما نسبة الاشغالات في السياحة الثقافية من 20 إلى 25%، وهى نسبة معقولة مع الاتجاه العالمي". ولفت سليم إلى أن "السائحين يزورن مصر في هذا التوقيت لأنهم حصلوا على التأكيدات والضمانات اللازمة من منظمي الرحلات بأن المناطق السياحية بعيدة عن كافة التوترات السياسية". وبجوار مقبرة توت عنخ أمون في البر الغربي للأقصر، وقفت سيدة تبلغ من العمر 50 عاماً، تشرح لحفيداتها تاريخ الآثار الفرعونية، وما إن اقتربت منها مراسلة الأناضول حتى اكتشفت أن هذه السيدة زائرة دائمة لمصر حتى أنها جاءت في زيارة سياحية عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 ولم يقلقها ما تسمعه من بعض وسائل الإعلام الغربية عن ربط أحداث العنف بالعرب أو المسلمين. وقالت: "أقوم بالتدريس في جامعة هارفارد وقرأت كثيرا عن الحضارة الفرعونية، ولطالما جئت إلى هنا لاكتشاف المزيد عنها، والآن أسعى إلى جعل حفيداتي يعرفن أكثر عن تلك الحضارة الرائعة". وفي الوقت ذاته وقف حارس مقبرة توت عنخ أمون، "عم علي"، يشرح لإحدى السائحات طبيعة المومياء التي يراها، فأخبرها أنه "يخص الفرعون الصغير وأن الناحية الأخرى هي تابوت ذهبي لنفس الفرعون". يذكر أنه تم نقل مومياء توت عنخ امون من المتحف المصري بميدان التحرير، وسط القاهرة، إلى مقبرته في الأقصر بمناسبة مرور 90 عاما على اكتشاف المقبرة. وقال إنه خلال اليوم " زار حوالي 2500 سائح منطقة وادي الملوك، وتجول في المقبرة ما يقرب من 300 سائح"، مشيراً إلى أنه "دائماً يسأله السائحين الذين ينزلون للمقبرة دون مرشد سياحي عن مزيد من التفاصيل التاريخية عن توت عنخ أمون، فيبدأ بسرد ما تعلمه من خلال عمله في منطقة الوادي على مدار 20 عاما". عم علي، اختتم حديثه بأن "مصر طول عمرها بها أحداث ساخنة، ومع ذلك السياح لا يتوقفون أبدا عن زيارتها".