الرئيس القادم سيكون هو «الرئيس المؤسس» لدولة ما بعد الثورة. وكلمة «مؤسس» تعنى أنه هو الرئيس الرائد فى مدى التزامه بالقانون والدستور واحترامه لهما بما سيضع «السنن» التى قد تحدد توقعات الناس فى المستقبل. ولو أحسن، فسيكتب بحروف من نور، ولو أساء فسيخلد مع آخرين وصلوا للمنصب وأساءوا إليه. فى اعتقادى أن المرشحين الموجودين على الساحة كافون لتقديم ما يكفى من بدائل أمام الناخب المصرى. ولكن بعضنا يفكر بمنطق «المثالية العدمية» أى يبحثون عن «مرشح مثالى» بمعاييرهم فينتهون إلى حالة عدمية بلا أى مرشح يفضلونه. ولكن هذه «العدمية» ستنتهى بعد أن نجد أمامنا القائمة النهائية بعد غلق باب الترشح للانتخابات. وبالنظر إلى المرشحين الحاليين الذين يتم تداول أسمائهم باعتبارهم الأكثر حظوظا فى الفوز بالمنصب نجد أنهم يأتون من مصدرين أساسيين: المرجعية الإسلامية، والمرجعية الدولاتية (أى وزراء سابقون فى الدولة المصرية)، مع استثناءات قليلة. ومسألة هذه المرجعية ما هى إلا واحدة من عدة اعتبارات ستحدد الرئيس السابق بما فيها من سيتحالف مع من ومن سيتنازل لمن ومن سيعلن دعمه لمن مع ملاحظة أن الدعم له فاتورة، فالملاحظ أن دعم بعض الجهات أو المؤسسات لشخص دون آخر يخلق انطباعا سلبيا عند آخرين كما لو أن هذا الدعم يعبر عن مؤامرة أو وصاية ما. والرئيس الجديد سيأتى ومعه توقعات متضاربة، فيوجد بين المصريين من يخشى من «أسلمة» مؤسسات الدولة فى مصر ويرون أن رئيسا غير إسلامى أو رئيسا (حتى لو كان إسلاميا) فى أعقاب دستور يضع قيودا على صلاحيات الرئيس سيضمن ألا تواجه مصر فى 2012 ما واجهته فى 1952 حيث قام عبدالناصر ورفاقه بإعادة تأسيس الدولة المصرية وفقا للأيديولوجية الجديدة. وأيا ما كانت رؤيتنا لما سيحدث، فإن أى مرحلة انتقالية ثورية ستفضى إلى إعادة توزيع أوراق اللعبة فى ساحات الصراع القادمة وأولها مؤسسات الدولة نفسها. ومؤسسات الدولة الأكثر عرضة للصراع السياسى نوعان: المؤسسات السيادية مثل الجيش، الداخلية، المخابرات، السياسة الخارجية، ومؤسسات صناعة العقول مثل التعليم، الإعلام، الثقافة، الأوقاف. ولأن هذا الصراع واقع لا محالة، إلا إذا افترضنا مثالية ساذجة، فإن الرئيس المؤسس سيكون له دور مهم فى تحديد من يتحكم فى ماذا، كيف ولماذا. ومن هنا ستأتى عبارة «توافقى» التى استهلكها البعض ظنا منهم أنها تعنى أنه رئيس «متوافق عليه» من قبل بعض القوى السياسية، فى حين أنه المطلوب منه ولو جزئيا أن يُحدث هو التوافق بما يعنى أن يكون «غير تصادمى» «غير استقطابى» «غير إقصائى». الفترة القادمة هى فترة «تأسيس» للدولة الجديدة، ولهذا لم يكن مستغربا أن دولة مثل جنوب أفريقيا احتاجت لحقيبة وزارية بعد صياغة دستورها من أجل استكمال بناء المؤسسات الدستورية. وانتهت هذه الوزارة بعد استكمال بناء المؤسسات الجديدة. اللهم أرزقنا الحكمة، وألهمنا حسن اختيار من يؤسس لدولتنا الجديدة. نقلا عن الشروق