على الرغم من كم المهام والمشاكل والتحديات الملقاة على عاتق كل من مصر وشعب مصر ، و كذا المعوقات الكثيرة التى تقف لنا بالمرصاد للحيلولة دون تحقيق الثورة لأهدافها ، فضلاً عن محاولة الإلتفاف حول تلك الأهداف ، وكذا المحاولات المتعددة ، والمتلونة ، للعديد من القوى الداخلية والخارجية لإجهاض الثورة ذاتها ، إلا إننا نفاجىء ، أو نصدم ، بما يحدثنا الآن عن جنازة مبارك ، متناسياً ، أو متغابياً ولا أريد أن اقول متواطئاً ، ولو بالكلمة التى هدفها تمييع المواقف والقضايا الحيوية الهامة والملحة عما فعله مبارك بمصر وشعب مصر ...! اما الأطراف الخارجية التى حاولت ، ولا تزال تحاول إجهاض الثورة المصرية ، أو على الأقل إفراغها من مضمونها وكذا سائر الثورات العربية الآخرى فيأتى على رأسها إسرائيل بطبيعة الحال ، والتى إعتبرت ، كما أقرت ، بأن الرئيس المصرى السابق كان بمثابة كنز إستراتيجى بالنسبة لها ، فهل بعد أن تفقد فجأة إسرائيل كنزها الإستراتيجى فى مصر يمكن أن تسلم وتزعن للأمر الواقع من غير أن تحاول أن تلحق بنا وبالثورة المصرية أكبر الضرر ، أو الخسائر ، وأن تحصل فى المقابل على أكبر وأكثر ما يمكن ان تحصل عليه من مكاسب وبما يعوضها ولو جزئياً عن فقدها لكنزها الإستراتيجى فى مصر ...؟! ويأتى فى المقام الثانى من الأطراف الخارجية و بعد إسرائيل مباشرة التى تحاول إفراغ الثورة المصرية من مضمونها هى كل من الولاياتالمتحدة و المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة . صحيح أن الأهداف تختلف من دولة لأخرى ، إلا أن الغاية تبقى وتظل واحدة فى نهاية المطاف ، وهو إجهاض الثورة المصرية ، وإنقاذ مبارك وأسرته من أية محاكمات ، سواء كانت عادلة ، أو حتى مجرد محاكمات شكلية صورية ...! ومن أجل إسرائيل ، وأمن إسرائيل ، التى تحتل فلسطين ، وذات الستة ملايين ، يجب القضاء على أى فكر عربى ، أو عروبى سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة يتطلع إلى العزة والرفعة والحرية والكرامة و المساواة ، والعدالة الإجتماعية وهى أشياء كانت ولا تزال مفتقدة فى كل بلداننا العربية و بلا إستثناء ، الأمر الذى يعنى فى نهاية الأمر إستحالة تحقيق أى من تلك القيم الإنسانية السامية مجتمعة ، أو حتى منفردة ، فى ظل كافة أنظمة الحكم العربية الحالية إلا فقط من خلال الثورة عليها فى أى قطر من الأقطار ، حتى ولو أدى ذلك إلى قمع حوالى ثلاثمائة وخمسين مليون عربى ، "ولجم" أى طموح عربى يرنو إلى التطلع إلى آفاق المستقبل وذلك فقط وكما أسلفنا من أجل أمن ستة ملايين مستوطن إسرائيلى يحتلون فلسطين ويسومون أهلها الأصليون الفلسطينيون سؤ العذاب والذل والترحيل وقضم الأراضى وهدم البيوت فوق رؤس أصحابها ، فضلاً عن سرقة المياه والثروات العربية إما بالحرب أو الإحتيال والتدليس والمؤامرات والإبتزاز ، ناهيك عن خلق حالة من التوتر المزمن فى كل منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة ، ولدى المجتمع الدولى بصفة عامة...! وهذا يفسر فى حقيقة الأمر تراخى المجتمع الدولى ويالها من مفارقة إزاء كل الإنتهاكات التى ترتكب من قبل كافة أجهزة الحكم العربية ، والتى هى غير شرعية ، والفاقدة حتى للأهلية ، ضد الثورات وكافة الحركات الإحتجاجية التى تتحرك وتنشط ضدها وذلك بدءاً من اليمن فلبيا حيث لايزال المجتمع الدولى متردداً فى حسم الأمر ضد القذافى ، وذلك على الرغم من أن الناتو بوسعه حسم الأمر برمته ، إذا إراد ، والقضاء على القدافى وكتائبه فى أقل من 24 ساعة ثم سوريا ، وذلك على الرغم أيضاً مما يرتكبه الأسد وحزب البعث فى سوريا من مجازر ، و ربما هذا يفسر ، و من جهة آخرى ، بروز هتاف عفوى عبقرى عميق ، وواضح المغزى والدلالة فى ذات الوقت ، للثوار السوريين ، يقول ، ويردد ، وبشكل متكرر ؛ " إبن الحرام باع الجولان " ... والمقصود هنا هو بشار الأسد بطبيعة الحال ، وكذا النظام السورى البعثى العلوى ، ومنذ نشاته وتأسيسه على يد الأسد الأب ...! أما الأطراف الداخلية فحدث ولا حرج ، حيث تحسبهم ، أو تظنهم وليس كل الظن إثم أحياناً انهم محسبون على أطياف المعارضة سواء كانوا من أصحاب التيار الليبرالى أو العلمانى أو حتى اليسارى ، ثم نفاجىء بتصريحات العديد منهم المتميعة وذلك فقط إذا أحسنا الظن بهم والتى لا يمكن أن تخدم أهداف الثورة بحال من الأحوال . فمنذ فترة قصيرة ، خرج علينا أحدهم الآن فقط ، وهو إبراهيم عيسى صاحب الإتجاه الليبرالى المعروف ، والمعروف أيضاً انه كان من أشد معارضى نظام مبارك فى الظاهر فقط على ما يبدو حيث صار يحدثنا عن ضرورة التفكير ، و التخطيط ، ليس لخطة تنموية متوسطة الأجل ، أو حتى قصيرة الأجل ، يمكن أن تساعد الأمة على أن تنهض ، أو تقيلها من عثرتها ، ولكن فى جنازة مبارك ... وهل يجب أن تكون الجنازة عسكرية تليق برئيس دولة خدم بلاده فى الحرب والسلم ، أو برئيس دولة بحجم مصر لاحظ الخبث ...؟! ... أم أن الرئيس المخلوع لا يستحق أن تقام له جنازة عسكرية ... وماذا لو مات الان فى شرم الشيخ ، وماذا أعددنا من خطط لمواجهة مثل تلك المواقف ...؟! وطرح عيسى لهذه القضية بالذات ، و على هذا النحو ، وبهذا القدر الهائل من الخبث ، وبما يخدم بالفعل ويخدم كذلك على أهداف و أصحاب الثورة المضادة ناهيك عما يمكن أن نطلق عليه بإستنزاف العقول والتفكير فيما لا طائل من وراءه ، وصرفها فى ذات الوقت ، أى العقول ، عما هو أجدى وأهم فى هذه المرحلة المفصلية والخطرة فى تاريخ الأمة خاصة بعد أن أعلن طلعت السادات والذى كان حتى وقت قريب ، وقبل خلع مبارك ، يلعب دور المعارض المتجرد الشريف العفيف النزيه ، مصوراً نفسه على انه أحد أهم ضحايا نظام مبارك القمعى واللا أخلاقى ، لدرجة انه كان قد انتقد ابن عمه ، نجل السادات ، جمال السادت ، وذلك إبان عهد مبارك ، واصفاً ومتهماً إياه بعدم الوطنية ، وان إنحيازه إلى جمال مبارك فقط كان من أجل تسيير وتيسير الأعمال أو " البزينس " الذى كان بينهما حتى ولو كان ذلك على حساب المصالح العليا للبلاد أنه يجب أن تقام لمبارك جنازة عسكرية تليق به بعد وفاته ، خاصة انه قد أعطى لمصر الكثير وخدمها فى السلم والحرب ، وانه فى نهاية الأمر كان بمثابة رئيساً لمصر لاحظ مدى قرب ومقاربة طرح عيسى من طرح السادات ...! نقلا عن مدونات ايلاف