افتتاح كلية البنات فرع جامعة الأزهر فى مطروح    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري نهاية تعاملات اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    يونيسف: غزة تحولت إلى أسوأ مكان للأطفال في العالم الحديث    أمين مساعد الجامعة العربية: تحركات إسرائيل لاحتلال غزة تؤسس لإعادة القطاع لما قبل انسحابها منه عام 2005    لوكاشينكو: الصين يمكن أن تكون ضامنا في التسوية الأوكرانية    سِباق مع الزمن    وزير الخارجية الفرنسي: الوقت ينفد أمام محادثات الاتفاق النووي الإيراني    مران الزمالك - محاضرة بالفيديو من فيريرا.. وتدريبات خاصة لبدلاء مباراة مودرن    تشكيل تشيلسي - 3 تغييرات من ماريسكا أمام وست هام    مدرب توتنهام: لا مكان لمن لا يريد ارتداء شعارنا    التعادل السلبي يحسم مباراة السكة الحديد مع الترسانة في دوري المحترفين    خسارة سيدات الطائرة أمام صاحب الأرض ببطولة العالم بتايلاند    كرة طائرة - منتخب مصر يخسر أمام تايلاند في افتتاح بطولة العالم سيدات    غلق 3 منشآت غذائية في حملة للطب الوقائي بكفر الشيخ (صور)    خسائر فادحة.. حريق هائل يلتهم مخازن أخشاب بالإسماعيلية والحماية المدنية تحاول السيطرة    رواية مختلقة.. وزارة الداخلية تكشف حقيقة تعدي شخص على جارته    موقف بطولي على قضبان السكة الحديد.. إنقاذ شاب من الموت تحت عجلات القطار بمزلقان الغمراوي ببني سويف    الإيجار القديم والبكالوريا والأحزاب.. وزير الشؤون النيابية يوضح مواقف الحكومة    خالد علي شقيق ويجز يشاركه حفل الليلة بمهرجان العلمين الجديدة    حسام حبيب ينفي عودته ل شيرين عبد الوهاب: "شائعات هقاضي اللي طلعها"    الوادي الجديد تطلق منصة إلكترونية للترويج السياحي والحرف اليدوية    صراع الخير والشر في عرض مدينة الأحلام بالمهرجان الختامي لشرائح ونوادي مسرح الطفل    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    الماتشا تخفض الكوليسترول الضار - حقيقة أم خرافة؟    لغة لا تساوى وزنها علفًا    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    وزير الشؤون النيابية: الحكومة تقدم أجندة تشريعية مرنة كل دورة برلمانية    بعد مداهمة وكر التسول.. حملات مكثفة لغلق فتحات الكباري بالجيزة| صور    «حماة الوطن» ينظم حلقة نقاشية حول تعديل قانون الرياضة    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    لمرضى السكري - اعتاد على تناول زبدة الفول السوداني في هذا التوقيت    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    المقاومة العراقية تطالب بالانسحاب الحقيقي للقوات الأمريكية من العراق    بالأرقام.. الأمن الاقتصادي يضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    غدا.. انطلاق تنسيق الطلاب الحاصلين على الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    الاقتصاد المصرى يتعافى    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    الداخلية تكشف تفاصيل اقتحام منزل والتعدي على أسرة بالغربية    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    صحيفة عبرية: نتنياهو يشجع بن جفير وسموتريتش على تقويض فرص التوصل إلى اتفاق    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطلقوا سراح الثورة الحبيسة في التحرير
نشر في المراقب يوم 26 - 06 - 2011

من المؤكد أن ألوفا مؤلفة من المصريين في الريف وصعيد مصر‏,‏ من أبناء القري والنجوع والكفور والواحات‏,‏ لا يعرفون حتي الآن أنه قد حدثت في مصر ثورة تسمي ثورة الخامس والعشرين من يناير‏.‏ وإن كانوا قد سمعوا بها مجرد سماع فلن تتعدي معرفتهم ما حدث لشخص.
رئيس الجمهورية, وبعض أعوانه الذين كانوا رموز العهد البائد.
أما أن هناك ثورة هي أهم الثورات وأخطرها وأبعدها أثرا في تاريخ مصر الحديث, قامت من أجل استعادة عزة الوطن والمواطن وكرامتهما, بعد أن عصف بهما العار والهوان, وغرقتا في مستنقع للفساد, لم تعرفه مصر في تاريخها كله, منذ عهد مينا موحد الوجهين, ثورة ترفع شعارات الحرية والعدل والديموقراطية والمساواة, وترفع معها رؤوس المصريين جميعا إلي عنان السماء, فهذا أمر لم يصل إلي هذه الجموع من مواطنينا, بالرغم من أننا نعيش عصر الاتصال في كل صوره وآلياته.
حدثني صديق عزيز, أستاذ جامعي وعضو مجمعي ساقته الظروف إلي قريته القابعة في أعماق الصعيد, للقيام بواجب عزاء عن مكابداته عبر رحلة مفاجئة طويلة وقاسية, من أجل الحصول علي تذكرتي قطار له ولابنه, وكيف تلاعب به طويلا بائع التذاكر في القاهرة, حتي لان أخيرا بشرط أن تكون تذكرته إلي أسوان بدلا من سوهاج حيث يريد, ولما كان الرجل مضطرا إلي السفر العاجل للحاق بجنازة شقيقه, فقد أذعن لهذا الطلب العجيب, وهو أن يدفع ثمن مسافات أبعد بكثير من محافظته التي يريدها, وكان الغريب أن يحدث الأمر نفسه عند عودته من سوهاج إلي القاهرة, فقد اضطر مرة ثانية إلي شراء تذكرتين من سوهاج إلي الإسكندرية. يحدث هذا بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير بشهور عدة, ويكون بين بائعي تذاكر قطارات الصعيد من هم علي هذه الحال!
أما القرية, وما يدور فيها وفيما حولها من حديث, فالناس عندما يجتمعون لا يشغلهم إطلاقا ما نسميه نحن بالثورة, وإنما هم في شئونهم ومشاغلهم التي اعتادوها منذ سنوات, وعلي مسافة من قرية صديقي الأستاذ الجامعي, كان هناك قرية أخري يتباهي فيها أحد رموز البلطجة والفساد في الحزب المنحل, قصصه وفضائحه يعرفها الكافة, عندما سئل عن موقفه من الانتخابات القادمة بأنه حيترشح ونص!
وقلت لنفسي: وكيف يتاح لكل المصريين, في كل شبر من أرض الوطن, أن يعرفوا بأمر الثورة, ومقاصدها النبيلة, والثورة حتي الآن حبيسة في ميدان التحرير, وغيره من ميادين مصر, التي توجهت بأنفاس ملايين المصريين وحرارة هتافاتهم, وجسامة تضحياتهم والاستشهاد في سبيل وطنهم, ولم يسمح لها حتي الآن بأن تسير في شوارع مصر وحاراتها وأزقتها, وتدق أبواب بيوتها وساحاتها, وتخالط الناس وتعيش معهم وبينهم, وتشاركهم صحوهم ونومهم, ويقظتهم وحلمهم, وتصبح جزءا من نسيج حياتهم اليومية, بل تصبح هذا النسيج كله. إنها منفية بعيدا عن شبكات الإعلام الحكومي وقنواته, لا نكاد نراها حية إلا من خلال بعض القنوات الخاصة غير الحكومية, التي جعلت منها عناوين مصورة ومغناة للعديد من برامجها, ومادة ثرية للتذكر والتأمل بصورة يومية, بينما في الإعلام الحكومي يتكلمون عنها بضمير الغائب لأنها غير موجودة, أو لأنه ليس هناك من يمثلها في حقيقتها النبيلة البريئة غير المسيسة أو الموجهة لخدمة تيار أو اتجاه, والساحة مهيأة للمتربصين والمتقافزين عليها من كل لون واتجاه, لادعاء ملكيتها, والتجاسر بادعاء صنعها وتدبيرها, والتخطيط لها منذ سنوات طويلة, وبالتالي أحقية الصوت العالي, والتبجح في الكلام باسمها.. تخيلوا شريطا إخباريا واحدا مصورا, يدور في كل هذه القنوات التابعة للإعلام الحكومي, يعرض علينا مشاهد من هذه الثورة في لحظاتها المضيئة والحافلة بالصور الوطنية والإنسانية النبيلة, كل قناة بما تملكه وتستطيعه من أدوات وقدرات, ليصبح هذا الشريط مع غيره من الأشرطة المصورة, تجسيدا لهذا الواقع البديع الذي صنعته الثورة في أسابيعها الأولي, ولهذا الحلم الرائع الذي عاشته مصر واهتزت له بكل كيانها, وهي تشهد لحظات الحشد والميلاد وصولا إلي لحظات النصر والخلاص.. وتصوروا شبكات الإذاعة عاكفة علي صنع المقابل السمعي لهذا المشهد البصري الحاشد, تملؤه بهتافات الثورة التي هي جوهر دستورنا لبناء المستقبل وإقامة ركائزه, وتحشد له عشرات الأغنيات والأناشيد التي تدفقت بها الحناجر, ورددتها الملايين دون أن تتوقف أمام أسماء مؤلفيها وملحنيها, وكيف أسقطت هذه الملايين بحسها الواعي كل ما أنتجه العهد المشئوم من غناء كاذب موجه ومصطنع لم يكن سوي مجال للاسترزاق والنفاق, فإذا بها تستعيد أغاني حقبة كان يسكنها الحلم الوطني والقومي, وأناشيدها الباقية بقاء الصدق والأصالة والإنتماء.
إن كثيرا من نقائص العهد البائد وسلبياته لا يزال مستشريا, في كثير من الهيئات والمؤسسات والشركات والنوادي والمصانع والتجمعات والبيوت, بسبب أننا لم نسمح لموج الثورة الهادر بأن يجرف في طريقه كل ما يبلبل صورة الحاضر ويحاول أن يشوه صورة المستقبل, الثورة وحدها كفيلة بأن تزيح هذا الركام كله, وأن تغسل مصر من أوضارها, وأن تهييء السبل أمام أداء وطني مختلف في كل شيء. بشرط أن يسمح لها بمواصلة دورها النبيل ورسالتها الأسمي, قبل أن تختنق في ميدان التحرير وغيره من الميادين.
إن حلم الثورة يظل أكبر وأعظم من كل ما تحقق حتي الآن, وما تحقق حتي الآن لا ينكره إلا مكابر. لكن روح الثورة تتطلب المزيد, الذي لا ينبغي أن تضيق صدورنا بقفزاته وسرعة إيقاعه ونفاد صبره في كثير من الأحيان. ذلك أن إيقاع الثورة وشبابها, وصناعها الحقيقيين, يتجاوز بكثير إيقاع كيانات مترهلة, تكتفي بأن تركب الموجة, وتتصدر المشهد, وهي عاجزة عن خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح.
أطلقوا سراح الثورة الحبيسة, حتي تكمل إنجازها العظيم, وحتي تصنعوا مستقبل مصر.
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.