هل تصبح الصين الدولة العظمى الأولى في العالم؟ كان الصديق محمد سيد أحمد، رحمه الله، أول من جعلني أهتم بالسؤال، فقد عاد من رحلة الى الصين في أواسط التسعينات، ورأى اتساع شنغهاي وتحديثها لتصبح عاصمة مالية عالمية، وكتب في الزميلة «الأهرام» أن المستقبل للصين. وعدت الى متابعة الموضوع قبل أسابيع، بعد أن قرأت موجز تقرير لصندوق النقد الدولي قال إن عصر أميركا سينتهي مع حلول سنة 2016، وسيصبح اقتصاد الصين الأول في العالم. وكانت الصين تجاوزت اليابان السنة الماضية لتصبح الاقتصاد الثاني في العالم بعد الولاياتالمتحدة. في الوقت نفسه قرأت تقريراً أعدته ثلاثة مراكز بحث متخصصة قال إن الصين ستدير استثمارات خارجية قيمتها بين تريليون دولار وتريليونين مع حلول 2020، مع العلم أن استثماراتها الخارجية محدودة حتى الآن، فهي حوالى 230 بليون دولار، مع انها أكبر مشترٍ خارجي للديون الأميركية، فكانت في مطلع هذه السنة تملك ما يعادل 1.1 تريليون دولار منها. خبرتي في الصين ومعلوماتي عنها، بل اهتمامي، محدودة، غير انني أعرف الولاياتالمتحدة جيداً، وأقمت فيها سنوات، فأقول إنه إذا تقدمت الصين على الولاياتالمتحدة كأكبر قوة اقتصادية عالمية فسيكون بين الأسباب مهارة الحكم الصيني والشعب، إلا أن السبب الأول والأهم في رأيي هو أن الولاياتالمتحدة ستهزم نفسها، وتسهل المهمة على الذين يريدون اللحاق بها. الولاياتالمتحدة بلد ديموقراطي ولا جدال، إلا انه منقسم سياسياً على نفسه، والانقسام عميق وواسع، مع توتر كبير، ومطبوعة «ناشونال جورنال» التي تدرس اتجاهات التصويت في الكونغرس قالت أخيراً إن مراجعتها عمليات التصويت أظهرت أنه للمرة الأولى منذ سنة 1982، عندما بدأت مراقبة التصويت، تظهر النتائج أن كل عضو ديموقراطي في مجلس الشيوخ أكثر ليبرالية من كل عضو جمهوري، وأن كل عضو جمهوري أكثر محافظة من كل عضو ديموقراطي. وفي مجلس النواب، ومن أصل 435 مقعداً، لا يوجد أكثر من أربعة أو خمسة جمهوريين أكثر ليبرالية من الديموقراطيين المحافظين. ترجمة ما سبق هي أن الكونغرس منقسم بين محافظ وليبرالي، أو يمين ويسار، وأن الخلاف عقائدي بالدرجة الأولى، والنتيجة أن الدين العام كان هذا الشهر 14.274 بليون دولار، ويقترب بسرعة من السقف الرسمي، وهو 14.294 بليون دولار، ولا اتفاق، لأن المشترعين الأميركيين لا يتفقون على شيء، ومجلس النواب حيث للجمهوريين غالبية بعد الانتخابات النصفية السنة الماضية يعطل عمل الإدارة بقدر ما يستطيع، فالجمهوريون يريدون خفض العجز والدين شرط ألا يمس مخصصات وزارة الدفاع، وإنما يركزون على الخدمات مثل الضمانات الصحية والاجتماعية. يحدث هذا وهم، أو إدارة بوش تحديداً، يتحملون مسؤولية خراب الاقتصاد الأميركي لمتابعة طموحات إمبراطورية أميركية تحكم العالم، كانت نتائجها الأكيدة أن أميركا أنفقت 1.3 تريليون دولار على الحرب الخاسرة على الإرهاب منذ 2001، و800 بليون دولار على غزو العراق، و400 بليون دولار، حتى الآن، على أطول حرب في تاريخها المستقل كله وهي الحرب على أفغانستان. اليوم الموازنة الدفاعية الأميركية قياسية في حدود 700 بليون دولار، ثم يحتج الأميركيون لأن الصين تخصص 90 بليون دولار لموازنتها الدفاعية السنوية. والجمهوريون يعارضون زيادة الضرائب على الأغنياء بعد أن خفضها بوش الإبن، مع أن تجاربهم في العقود الأخيرة تثبت العكس، فعندما خفضت الضرائب في أوائل الثمانينات ارتفع عجز الموازنة من 26 في المئة الى 40 في المئة مع حلول 1986، وعندما زادت الضرائب سنة 1993 هبط العجز من 49 في المئة تلك السنة الى 33 في المئة سنة 2001. ثم جاء بوش الابن وخرّب الاقتصاد الأميركي حتى انتهى العالم كله بالأزمة المالية الكبرى سنة 2008. واليوم يريد أوباما زيادة الضرائب على الأغنياء بما يدر على الخزينة تريليون دولار، وخفض نفقات الدفاع 400 بليون دولار أخرى على مدى الإثنتي عشرة سنة المقبلة. إلا أن الجمهوريين يعارضونه، وسيحاولون جهدهم تعطيل محاولاته إصلاح ما خربوا. الخلاف السياسي الأميركي المستمر سيسهل مهمة الصين، فهي لولا حروب إدارة بوش في العقد الماضي ما كانت وصلت الى مركزها الاقتصادي الحالي، ومع إصرار الجمهوريين على المضي في طريق الخراب، فإن فرصة تخطي الولاياتالمتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة تصبح أكبر وأسهل. نقلا عن جريدة الحياة اللندنية