تذهب مصر إلي عيد الميلاد بوجه جديد.. وقلب جديد.. تغالب أحزانها وآلامها لكي تفرح بعيد البهجة والسعادة والسلام.. تحاول أن تكفكف دمعها وتضمد جراحها لكي تصلب طولها.. وتحافظ علي كبريائها.. وتتماسك.. وتواصل مسيرة الحياة. ليس في وسعها أن تنسي المحنة القاسية.. وليس في إمكانها أن تتجاوز الجريمة الآثمة التي طعنتها في سويداء القلب.. لكنها وهي تنزف دماً تكتشف انها مازالت مصر القوية.. مصر الشامخة بوحدة أبنائها وتلاحم شعبها.. بل إنها أقوي من قوي الغدر والخيانة التي اجتمعت وتآمرت.. وأقوي من خفافيش الظلام التي أضمرت الشر ونشرت الموت والخراب والدمار في ليلة رأس السنة. في هذه المحنة القاسية تكتشف مصر سر قوتها.. وسر خلودها وعظمتها.. هذا السر يكمن في الرباط المقدس الذي يجمع بين أبنائها ولن ينفك إلي يوم الدين.. فمصر هي التي علمت العالم كله كيف يكون التعايش المشترك.. وكيف تكون المحبة بين بني البشر بصرف النظر عن اختلافهم في الدين والعرق واللون والجنس. مصر التي عاش علي أرضها الأبيض والأسود.. واستقبلت برحابة الصدر كل من أراد أن يستقر بها.. ويرتوي من نيلها.. وزرعت في أبنائها جميعا قيم الحضارة الإنسانية الراقية.. فاخترعت أخوة الوطن.. وأخوة الجيران.. وأخوة أبناء الحي الواحد والشارع الواحد والقرية الواحدة.. الذين ينعمون معاً بالوئام والسلام. وعلي مدي التاريخ كله لم يعش المصريون في معازل.. أو كانتونات.. وإنما تداخلوا وتشابكوا.. واختلطت دماؤهم.. واقتسموا اللقمة الواحدة.. بحيث لا يستطيع أحد أن يميز بين أبنائها علي أساس الدين إلا عندما يذهب هذا إلي المسجد ويذهب هذا إلي الكنيسة. وسوف تستمر هذه العبقرية المصرية في التعايش المشترك مهما واجهت من مصاعب وتحديات.. وسوف تستمر مصر عزيزة قوية.. لا تخضع ولا تنحني.. ولا تستسلم أمام جرائم الخسة والنذالة. وفي كل عام ستحتفل مصر كلها بعيد الميلاد المجيد.. ستفرح وتبتهج.. وتنظر إلي الأمام.. فالمستقبل لها ولأبنائها.. والأمن لها ولأبنائها.. والسلام لها ولأبنائها. المجد لله في الأعالي.. وعلي الأرض السلام.. وبالناس المسرة.. والعزة لمصر.. العزة لمصر.. العزة لمصر. وكل عام وأنتم بخير.