في غمرة الأحزان علي ضحايا الإرهاب الأسود عشية ميلاد عام جديد, تعاود مصر الاحتفال كدأب أهلها منذ قرون بمولد السيد المسيح. إجلالا للحظة فارقة في عمر الزمن, ومسعي الإنسان في البحث عن الحق والخير والفضيلة. في يوم ميلاد المسيح تصدح قلوب المصريين بالأنشودة الخالدة في الضمير الإنساني. أنشودة الخضوع لمجد الله في عليائه, ورجاء السلام علي الأرض, والمسرة للناس أجمعين.لادين يفرقهم ولاعرق يميزهم. فقد كان ميلاد المسيح ولايزال محبة وسلاما للناس أجمعين. والذين اختاروا أيام الميلاد زمنا لجريمتهم وكنيسة القديسين مسرحا لسفح دماء المصريين مسلمين وأقباطا, لم يقدروا مصر حق قدرها, ولم يدركوا جوهر الإسلام ولارسالة المسيحية, بل هم خارجون علي كل قيمة إنسانية, متآمرون علي الإنسان أينما كان. فأي فكر يدور في عقولهم, وأي روح تسكن أجسادهم حتي يسفحوا دماء زكية بريئة بجرمهم عشية ذكري ميلاد المحبة والسلام. لم تكن تلك أولي جرائمهم في مصر, ولكنها كغيرها من جرائم الإرهاب لا تنال من أمن مصر وسلام المصريين, بل تزيدهم قوة وتماسكا وتقديسا للمعاني الدينية السامية. ومثلما اختلطت دماء المصريين من الأقباط ومن المسلمين بين الكنيسة والمسجد سوف تتعانق أرواح المصريين حفاظا علي بلادهم التي قاومت كل الشدائد والمحن وبقيت شامخة.. راح عنها المتآمرون والمحتلون والغزاة من البرابرة, وبقيت أرضا تصنع للإنسان حضارته, وتشرق بفجر الضمير الإنساني في مشارق الأرض ومغاربها. لم تكن الأحزان في مصر إلا قوة تمنح المصريين إرادة الحياة ومغالبة الشدائد. يأتي الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام مناسبة تجدد الحب والتسامح والتعايش والتكاتف بين أبناء الوطن الأبقي من الجميع والأقوي من الجميع. بهذا الاحتفال تحتسب مصر عند خالقها بعض أبنائها الذين راحوا ضحية الغدر والخسة والمؤامرة بين الكنيسة والمسجد. لن يعود الاحتفال بعيد الميلاد شأنا قبطيا فسوف نستعيد فيه ما كان سائدا في أرض مصر زمنا من الاحتفال الكبير الذي يشارك فيه المصريون جميعا. لقد أعاد الرئيس مبارك بقراره قبل سنوات الاحتفال المصري العام بعيد الميلاد ليعود كما كان مناسبة تجمع أهل مصر. وهو تقليد ظل قائما حتي نهاية العصر الفاطمي ولم يختف الاحتفال الكبير به إلا مع زمن الأزمات الاقتصادية التي حلت بمصر في القرن الخامس عشر واختفت معها مظاهر كثيرة للبهجة والفرحة في أرض مصر. سوف نسترجع فرحتنا بعيد الميلاد المجيد, وندرك أن ما يسعد بعضا من أهل مصر يسعد المصريين جميعا. فالحقيقة التي لامجال لنكرانها هي أن ما وقع أمام كنيسة القديسين لا علاقة له بالدين ولا بمعتقدات المصريين ولاعلاقة له بمشكلات هنا أو هناك, وإنما كان عملا إرهابيا يريد نشر الفوضي وخلط الأوراق وتهيئة الأرض لفتنة لاتصيب فئة دون أخري كم اعتادت مصر علي تلك المحاولات ومثلما كانت قوية متماسكة, فإنها سوف تظل قوة تمتنع علي صغار المتآمرين ووحدة تواصل رسالتها ومساعيها من أجل حياة أفضل للمصريين. وسوف يكون احتفال عيد الميلاد المجيد مناسبة نجدد بها سريان فرحة الأعياد في نفوسنا جميعا, نجدد فيها قدرتنا علي التماسك في مواجهة الأحزان. كل عام ومصر بخير فما دامت بخير فكلنا مسلمين واقباطا بخير. [email protected] المزيد من مقالات أسامه سرايا