غريب أمر الأستاذ جمال البنا.. فبعد أن أفتي مؤخراً بأن تناول أربع سجائر في نهار رمضان لا يفطر. وأن أربع قبلات فقط بين أي شاب وفتاة ليست حراماً.. وإنما هي من اللمم الذي يغفره الله نفاجأ به يخرج علينا في أحد برامج "التوك شو" بفتوي عجيبة حيث يطلب أن نسمي أولادنا بأسماء أمهاتهم.. فتقول وائل بن تحية وهيثم بن بهانة.. وهكذا. وعندما سألته المذيعة عن الدليل قال سامحه الله الدليل هو حديث رسول الله- صلي الله عليه وسلم- "أنا ابن العواتك.. أنا ابن الفواطم" ثم أردف قائلاً: فلا عيب في أن نسمي الرجل باسم أمه لأن الناس ينادون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء أمهاتهم!! والحقيقة أن هذه القناة الفضائية التي استضافت جمال البنا لمدة تزيد علي ساعة تتحمل وزر ما قاله هذا الرجل ووزر من عمل بفتاويه إلي يوم القيامة. ولأن الأمر أمر دين فإن جمال البنا اخطأ في هذه الفتوي وعليه أن يراجع نفسه وأن يعرف أننا جميعا سندعي يوم القيامة بأسمائنا واسماء آبائنا وليس أمهاتنا بنص الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وذكره الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه "احياء علوم الدين" "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا اسماءكم". فماذا يفعل جمال البنا أمام هذا النص الواضح الصريح.. فبهت الذي يفتي بدون علم!!؟ وماذا يقول هذا المفتي العجيب في قوله تعالي: "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين" الاحزاب وهو نص واضح وضوح الشمس في رابعة النهار بأنه يجب أن ندعي بأسماء آبائنا وليس أمهاتنا؟! أما الحديث الذي استشهد به جمال البنا "أنا ابن العواتك" فليس له علاقة بموضوع الاسماء في يوم القيامة. لأن النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث.. يعود أمجاد أمهاته فهو ابن العواتك أي النساء الطاهرات وكما يقول علماء اللغة فالعاتكة هي الطاهرة فهو يؤكد في هذا الحديث أنه ولد من نكاح ولم يولد من سفاح. وليس معناه ان ندعو الابن باسمه واسم أمه كما فهم جمال البنا. ثم.. ماذا نستفيد نحن المسلمين من طرح هذه القضية الان اللهم إلا التشكيك في ثوابت الدين وخدمة أعداء الأمة؟ ألم يكن من واجب جمال البنا ونحن أيضا معه أن نناقش في وسائل الاعلام قضايا مهمة مثل وهن العقيدة في نفوس المسلمين وحرمان المرأة من الميراث وارتفاع معدلات الطلاق مؤخرا وحروب المياه القادمة وغيرها من القضايا المهمة.. لكن كعادة جمال البنا نسي أو تناسي "فقه الأولويات الاعلامي" وصدع دماغنا بهذه القضية الفرعية. سيقول البعض من حق جمال البنا أن يقول رأيه باسم الحرية الفكرية ولكني أقول لهؤلاء ان من حقه ان يقول رأيه بشرط أن يكون دارسا للدين حافظا للقرآن. عالما بالسنة. فاهما لقواعد اللغة العربية وذلك لأن من لا يحسن اللغة لا يحسن الفهم. كما أن حرية الفكر لا تعني ابدا هدم ثوابت الدين.. أو التطاول علي الدين.. حرية الفكر لا تعني اغراقنا بقضايا هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع.. حرية الفكر لا تعني أن تقول في دين الله عز وجل ما ليس فيه! ان مشكلة جمال البنا وأمثاله من المفتين الجدد أنهم يقرأون القرآن الكريم والسنة المطهرة بطريقة مبتورة... فما يعجبه من القرآن الكريم يأخذه وما لا يعجبه لا يأخذه. ويفسر الآيات القرآنية علي مزاجه وخير دليل علي ذلك أنه أفتي بأن الحجاب ليس واجبا علي المرأة.. ونسي النصوص القطعية في القرآن الكريم والسنة النبوية حول هذه المسألة. إن مشكلة الإسلام اليوم التي تبحث عن حل هي ظاهرة شيوخ السراديب الذين طلعوا علينا خلال الفترة الماضية بكلام غريب بعد أن خرجوا علينا من سراديب عديدة الواحد تلو الاخر.. بعد أن تعلموا العلم في يوم السبت. وفي يوم الأحد عملوا له أساتذة. وفي يوم الاثنين يشتمون أساتذتهم. وفي يوم الثلاثاء يقولون: هم رجال ونحن رجال؟! ان الإمام الشافعي رحمة الله يقول: لا تأخذ العلم من صحفي ولا القرآن من مصحفي. وليس المقصود بالصحفي من يعمل في وسائل الاعلام المقروءة. ولكن من اشتري عددا من الكتب وقرأها وذهب بعد ذلك ليعمل مفتيا.. لا تأخذ العلم منه لأن كل واحد منا لابد له من استاذ يراجعه ويناقشه. ويطلب منه مقارنة الاراء وتمحيصها بعد الرجوع إلي المصادر الرسمية. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: ما الحل أمام ظاهرة شيوخ السراديب الذين يفتون في دين الله بغير علم فضلوا وأضلوا؟ والجواب هو ضرورة أن يصدر مجمع البحوث الإسلامية قرارا بحظر الفتوي علي غير التخصيص. ومعاقبة كل من يفتي بغير علم. وعلينا أن نؤكد لجمال البنا وأمثاله أن مسبحة الطالب كتابه. ومسبحة الفلاح فأسه. ومسبحة الكاتب قلمه.. فعلي كل واحد منا أن يتقرب إلي الله باتقان مهنته والاخلاص فيها لله رب العالمين.. هذا وبالله التوفيق.