أكد د. صفوت البياضي رئيس الطائفة الانجيلية ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط أنهم ليسوا خائفين من صعود التيارات الدينية لأن فكرة التعايش مع الآخر امتدت لقرون طويلة في مصر بشرط عدم خلط الدين بالسياسة.. فالوطن يحتاج في هذا الوقت لوحدة أبنائه. قال في حواره مع "المساء الأسبوعية" ان الدعوات التي اطلقت لإبطال الصوت الانتخابي هي دعوات سلبية مرفوضة ونحن لا نتفق معها فقد اصبح واجبا علي كل شخص ان يبدي رأيه مؤكدا ان معظم القوي السياسية علي الساحة تبحث عن المكاسب وتحقيق الأهداف الشخصية الضيقة. نفي دعم الكنيسة لأي شخص في الانتخابات واصفا هذا الكلام بأنه عار من الصحة. * هل هناك مخاوف لديكم من التيارات الإسلامية؟ ** فكرة خاطئة لقد تعايش كل مع الآخر لقرون طويلة.. ومصير الإنسان لا يرتبط بشخص مهما كان موقعه لكن الشيء الذي لا نريده هو خلط الدين بالسياسة لأنه يسئ للدين في المقام الأول ولا يخدمه.. الدين من الثوابت لكن السياسة لها أولويات واتجاهات متغيرة. وعلينا جميعا ان نعمل سويا من أجل مصر فالوطن في هذه اللحظات يحتاج التضحية.. ووحدة ابنائه لابد ان تستمر للمحافظة عليه من أي مؤامرات.. وأخيرا فالتاريخ لن يرحم من يتلاعب بمصير ومستقبل البلد. احترام الحرية * تردد في الآونة الأخيرة وجود حالة صراع ساخنة بين الكنائس والهيئات القبطية من أجل دعم أحد المرشحين فما مدي صحة هذا الكلام؟ ** لم يحدث هذا علي الإطلاق ولم يتم اتخاذ أي قرارات لدعم مرشح معين لأنه أمر يتنافي تماما مع حرية الرأي والأمور الدنيوية.. والشأن السياسي لا نتدخل فيه وبالتالي كل ما قيل عن عمليات التوجيه والحشد للمسيحيين بهدف مساندة ودعم أحد المرشحين هو أمر عار من الصحة.. وكل ما يهمنا جميعا ان يحرص الرئيس القادم علي النهوض بالدولة واحترام حرية الفرد وعقيدته. وكذلك خطته ورؤيته نحو التنمية والبناء لابد ان تكون واضحة ومحددة المعالم ومرتبطة بفترة محددة. يضيف: لدينا مقولة قديمة تشير الي أنه ان كان الشخص أمينا في القليل نقيمه علي الكثير.. ونريد ان نراها علي أرض الواقع في شخوص القادمين سواء في منصب الرئيس أو بقية مناصب وسلطات الدولة. * تابعتم علي مدار الفترة الماضية حملات وبرامج المرشحين للرئاسة.. واليوم بدأت جولة الحسم لاختيار الرئيس الجديد.. فما رؤيتكم للأفكار والاطروحات المقدمة؟ ** كل ما طرح هو مجرد كلام وشعارات ووعود.. كنت أتمني وجود رؤي وخطط وأهداف قابلة للتطبيق مع توضيح الآليات التي تساعد الرئيس القادم علي تحقيقها وكذلك الجدول الزمني المحدد لها.. وهذا المنهاج كان سيجعل الأمر أمام الناخب أكثر وضوحا وسهولة عند الاختيار ولكن الصورة التي رأيناها شابها الكثير من السلبيات والأخطاء إضافة الي مزيد من التصادم والتراشق مما ساهم في حالة الارتباك بين نسبة لا يستهان بها من المواطنين خاصة التي لم تنل حظها من التعليم.. لكن علي أي حال ينبغي ان يعلم الرئيس المنتخب في نهاية المطاف ان مطالب الناس وطموحاتهم نحو غد مختلف وعهد جديد أمر ينبغي تحقيقه.. وبقاء الرئيس في السلطة مرهون بذلك الأمر.. فالشعب لن يتقبل أخطاء الماضي لذلك أتمني ان يستطيع القادم تحقيق المعالجة الوطنية وليس تعميق حالة الاستقطاب القائمة حاليا ومصر تحتاج لقيادة حكيمة. وأخيرا فإن التمسك بقواعد الديمقراطية ونتائج صندوق الانتخابات أمر يجب ان يؤمن به الجميع. هروب من الميدان * كيف ترون دعوات المقاطعة وابطال الأصوات؟ ** المقاطعة هي هروب من الميدان والممارسة الديمقراطية هي تشجيع الناس وتحفيزهم نحو ممارسة حقهم بدون ضغوط أو توجيهات لأشخاص معنيين.. كذلك الدعوات لإبطال الصوت مرفوضة ولن تؤثر علي النتائج النهائية.. وهي دعوات سلبية لا تعني سوي انعدام الإحساس بالمسئولية أمام الله والوطن ومعناها بقاء أحوال البلد علي ما هي عليه.. فنحن مازلنا في بداية العهد بالممارسات الديمقراطية وحتي لو كانت هناك نسبة من الأخطاء والسلبيات في العملية الانتخابية لكن المؤكد أنها ستصحح نفسها بشرط ان يتم الارتفاع والارتقاء بمستوي الوعي السياسي والثقافي لدي المواطنين خاصة بعد مرور سنوات طويلة لم يتعود أي شخص علي ممارسة حقه السياسي في اختيار حاكمه. أكد ان النقلة التي نعيشها الآن تستوجب منا جميعا المشاركة الفعالة ولابد ان نكمل البناء عليها حتي نصل في النهاية لدولة المؤسسات ولابد ان يرفض المصريون كل دعوات التقاعس. * كيف ترون أداء الإخوان المسلمين والاتهامات الموجهة اليهم بالرغبة الدائمة في الهيمنة والاستيلاء علي السلطة؟ ** بداية الإخوان ظلوا لسنوات مهمشين ولم يمنحوا الفرصة للتعبير عن أنفسهم بوضوح وقد تم تقييد حريتهم في السجون والمعتقلات حتي عندما ظهروا في السنوات الماضية كان يطلق عليهم الجماعة المحظورة.. قد تكون لهم ممارسات قديمة لكن ليس هناك حساب بأثر رجعي. وكذلك عندما جاءت الفرصة للممارسة المنهجية كان التصرف وردود الأفعال بمثابة صدمة للمواطنين لأنهم يسعون للحصول علي مساحات أكبر ربما خوفا من ضياع الفرصة وأتذكر أنني بداية لقائي بالمرشد العام بعد انتخابات مجلس الشعب سألته هل النية متجهة الي الرئاسة أيضا فجاءت اجابته بالرفض لأنهم لا يريدون ان يحصلوا علي كل شيء لكن ما حدث علي أرض الواقع جاء مخالفا لما اعلنوه في البداية. وأعرب عن أمله في ان يتذكر الجميع ان الاستحواذ أمر خطير ويضعهم تحت المساءلة والحساب حتي لو تكلم باسم الدين والكارثة ان توضع كل التجارب تحت شعار الدين فلو فشلت سيصاب الناس بصدمة كبيرة لأن هذا الفشل سوف ينعكس بشكل أو بآخر علي الدين والدين منه براء. * هناك العديد من القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية وغيرها من الملفات الشائكة مثل التمييز والمواطنة.. هل تتوقع ان تنتهي بعد انتخاب البابا الجديد؟ ** فيما يتعلق بالأحوال الشخصية فان القانون تم تعديله في حياة البابا شنودة الراحل وهو كان معروفا بتمسكه بتعاليم الكتاب ولا يمكن ان يحيد عنها.. فلم يسمح بالطلاق إلا في حالة الزنا. أما رؤية المجمع المقدس والبابا ال 117 فقد تختلف وقد تستمر الي وقت لأن البابا شنودة كان مؤثرا فيمن حوله وفي مسيرة الكنيسة الارثوذكسية أعتقد انه ليس من السهل ان يأتي بعده من يغير سياسته بسهولة وربما يحتاج الأمر الي وقت لايجاد حلول لهذه القضايا. أما فيما يتعلق بالمواطنة والتمييز.. فلا نريد استمرار التصرفات السابقة التي تضرب المواطنة في مقتل مثل ما حدث في بناء دور العبادة. * هل هناك اتفاق بين الكنائس المسيحية حول رؤيتهم ومطالبهم في الدستور الجديد؟ ** بداية نحن نريد دستورا يحقق مدنية الدولة ويعمل علي تفعيل المواطنة واعتقد اننا جميعا مسيحيين ومسلمين.. نشترك في مطالب موحدة لكن المادة التي توقفنا أمامها هي تطبيق الشريعة الإسلامية.. لأنه لا ينبغي تطبيقها علي غير المسلمين فهناك اختلافات بيننا وبين المسلمين لابد من الوضوح وتحديد هذا الأمر بدقة. أما المساواة في المواطنة فهي أمر مطلق وينبغي ألا تكون هناك تفرقة بين المسلم والمسيحي فالدستور يأتي لحماية الجميع ولا ينحاز لفئة علي حساب الأخري وألا سنعود للعصور الوسطي لقد انتهت كل صور التفرقة في العالم المتقدم. ان هناك لقاء سيتم خلال هذا الأسبوع مع الانبا باخوميوس للتوصل الي رؤية واحدة للكنائس حول الدستور. كذلك هناك لقاء مع فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر خاصة وان وثيقة الأزهر التي أعدها نالت كل التقدير والاهتمام وأراها معتدلة وتتفق مع جميع الرؤي والتوجهات ومن الممكن ان تكون ملبية لكل مطالب وطموحات المصريين وبالتالي يمكن البناء عليها. أضاف.. باعتبارنا شركاء في المسئولية فعلينا التنسيق والتعاون ومن خلال بيت العائلة الذي جمع بين الأزهر والكنائس سنمضي في شراكتنا من أجل قو ووحدة الوطن لأننا نريد ان تكون هناك رؤية توحدية تجمعنا في مواجهة الرؤية الأحادية التي تفتت الدولة وتضعفها.. فلابد ان نعمل جميعا من أجل توحيد الأفكار المعتدلة تحت مظلة القانون الذي يحكمنا ويحمينا في نفس الوقت. * حاليا تمر الكنيسة الأرثوذكسية بمرحلة صعبة من المواجهات مع التيارات العلمانية التي ترفض ترشح الأساقفة.. وتهديدهم بالصدام مع الكنيسة؟ ** هذا الأمر يتعلق بالقوانين الكنسية واعتقد ان الانبا باخوميوس متفهم لمطالبهم.. ولدي يقين بقدرة الكنيسة الارثوذكيسة علي لم شمل ابنائها ولديهم مقولة جميلة "ابن الطاعة تحل عليه البركة" ومفهوم الطاعة هنا في المسائل الروحية وهي واجبة.. وقد يري البعض ان الضغط وسيلة لتحقيق المطالب لكن في النهاية الرأي الديمقراطي يحكمه التصويت والمجمع المقدس ومن يحوز علي غالبية الأصوات سيدخل القرعة الهيكلية. * لكن هل نحن في هذا الوقت الحرج مؤهلون للدخول في معارك جانبية وانشقاقات تهدد الكيان الواحد؟ ** الكنيسة جزء من المجتمع وبعد إطلاق الحريات لابد ان تكون هناك بعض السلبيات والأخطاء لكن بمرور الوقت سوف تصحح الأوضاع نفسها والخلافات في الرأي ظاهرة صحية بشرط ألا تكون هناك إساءة أو تجاوز ومن حق الجميع إبداء الرأي والنقاش حول الأفكار والتوجهات. * هل ترون ان القوي السياسية لعبت دورا مؤثرا تجاه تنمية الوعي الديمقراطي لدي جموع المواطنين؟ أعتقد ان البعض انشغل في البحث عن مكاسب وأهداف شخصية وتناسي المصلحة العليا للبلاد ومصالح المواطنين وعبر سلسلة من المعارك والصراعات جعلت الناس لا تلتقط أنفاسها وصار الجميع يدور في حلقة مفرغة بعيدا عن الهدف المنشود الذي قامت من أجله الثورة وهو التغيير للأفضل.. لقد نسيت القوي السياسية أو تناست ان ما نحتاجه هذه الأيام هو استعادة الثقة في أنفسنا وفي بعضنا البعض دون تخوين أو اقصاء للانتقال الي الدولة المدنية التي يسودها القانون ويتمتع فيها الجميع بالحرية والعدالة. * هل مطالبة البعض بتشكيل مجلس رئاسي يفيد مصر في تلك المرحلة الصعبة والملتبسة؟ ** هذه الفكرة كانت مطروحة منذ بداية الثورة لكنها الآن.. ونحن علي اعتاب مرحلة الحسم تدل علي أنانية القوي السياسية فقد أصبح الوقت متأخرا ولا نريد من أحد استغلال أوراق الضغط خاصة وأننا بدأنا بأخطاء فادحة بعد الثورة ولا نريد الاستمرار فيها.. لقد آن الآوان لتخرج مصر من المنعطفات الحادة والخطيرة.. وانقاذ الوطن لم يعد يحتمل هذه الرؤي التي تخلق المزيد من الأزمات وتقود لمزيد من الانقسام.. وهذا المطلب ينم في الحقيقة عن عدم احترام للصندوق ولا رأي الأغلبية من المواطنين.. وأطالب هؤلاء بأن يظلوا في مواقعهم للعمل والعطاء من أجل تحقيق مصالح الوطن.. وليس بالضرورة ان يكون الموقع هو منصب الرئيس.. فحكومة الظل قد تكون أقوي اذا كانت تعمل بإخلاص وشفافية دون البحث عن مكاسب وأطماع شخصية. المهم هو السعي نحو المصالح العامة ليكونوا أكثر تأثيرا واكثر اصلاحا وتوجيها من الذين هم في موقع القيادة. إندلاع الثورات * كيف ترون المرحلة الحالية وحالة الاضطراب السائدة في المشهد السياسي؟ ** المرحلة التي نعيشها هي حالة تحفظ وجدال وجزء منه يعد مألوفا بعد اندلاع الثورات ومن الطبيعي ان تحجب الغيوم الرؤية لبعض الوقت ولكن هذا الأمر بالدرجة الأولي يقع علي عاتق القوي الثورية والفصائل السياسية ومدي نضجها ازاء مواجهة الأوضاع الراهنة. يقول: حقيقة لا ننكرها ان هناك أخطاء جسيمة وقع فيها الجميع وانشغال كل فريق بمصالحه وأطماعه منهم يريد ان يكون الحاكم بأمر الله مما زاد من حدة الصراعات والتعقيدات.. لذلك ينبغي ان تتشكل جبهة من المخلصين للتصدي لمن يخطئ ويتلاعب بمصير البلاد ويدفعها لحالة الضبابية السياسية.. وأخيرا مصر تستحق الأفضل والشعب المصري يحتاج الكثير. * كيف تري المطالب بالمحاكمات الثورية والعزل ضد من أفسد الحياة السياسية؟ ** لقد تعلمنا ان الحكم عنوان الحقيقة ولو تشككنا في القضاء فهذا يعني اختلال العدالة وهذه كارثة والمعروف للجميع ان هناك درجات للتقاضي. وبالتالي فان المحاكمات الثورية لا داعي لها وقد انتهي عصرها وأراها انفعالا وقتيا ربما تكون المطالبة عقب الثورة مباشرة ولكن بعد مرور أكثر من عام وبعد العديد من الخطوات التي مضينا فيها أصبح من الصعب ان نطالب بها الآن.. هذه التوجهات عودة للوراء والموقف الآن لا يحتمل الدخول في معوقات قانونية وسياسية للحيولة دون الخروج مما نحن فيه.. مشيرا الي ان هناك منظومة قانونية وقضائية ساعدت خطوات التحول الديمقراطي في بقاع العالم.. علينا ان نستفيد من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا الإطار فلا نريد البقاء كأسري للماضي مهما كانت آلامه وأخطاؤه. أما فيما يتعلق بالعزل فهو مخالف للاتجاه العام للقانون.. لأن القانون قاعدة عامة مجردة واذا فصلت قاعدة بمواصفات محددة لفئة من الناس فهو أمر مخالف. * ما الهدف من مجلس كنائس الشرق الأوسط؟ ** هذا المجلس أقيم من أجل ترسيخ التقارب والتعاون بين الشباب المسيحي من مختلف الطوائف ونحن في أمس الحاجة الي مزيد من التعاون والتلاحم لأن تشتيت الكيانات يأتي دائما بسلبيات وتداعيات والمجلس معني بالجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية فقط ولا شأن له بممارسة السياسة وهناك برامج وأنشطة مشتركة في هذا الإطار تساهم في تدعيم أواصر المحبة والتواصل.. ونحن نعمل علي تشكيل مجلس كنائس مصري خاصة وأن البابا شنودة وافق علي الفكرة قبل وفاته ونحن الآن نؤسس للخطوات المستقبلية وذلك أسوة بما يحدث في مجالس الكنائس علي مستوي العالم.