في الجزء الأول من الحوار مع ناجح إبراهيم، دافع الرجل الثاني في "الجماعة الإسلامية" عن التوجهات الجديدة للجماعة، وأعرب عن رأيه في فرص البرادعي السياسية التي وصفها بالمعدومة، وهنا الجزء الثاني والأخير من الحوار: ما هي تحركات الجماعة من أجل الإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن؟ دشنت الجماعة حملة على موقعها الاليكتروني وملفا كاملا للدكتور عمر عبد الرحمن، تعرض فيه لقضيته وتنقل أخباره أولا بأول.. وتطلق النداءات لإطلاق سراحه. وقد وجهنا نداءات متكررة للإدارة الأمريكية والرئيس باراك أوباما الذي يسعى لتحسين العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي. وقلنا أن إطلاق سراح الدكتور عمر هو أقوى خطوة على طريق تحسين هذه العلاقة لمكانة الشيخ كزعيم روحي للجماعة الإسلامية ولدوره الداعم لمبادرة وقف العنف وتأييده لمراجعات الجماعة الفقهية والفكرية . ونحن نجدد مطالبتنا للإدارة الأمريكية والرئيس أوباما بإطلاق سراح الشيخ لظروفه الصحية الحرجة ولوضعه الإنساني المتدهور في السجون الأمريكية في ظل ما يعانيه من فقد للبصر ومن أمراض خطيرة تهدد حياته . ونؤكد أن الإفراج عن الدكتور عمر يصب في مصلحة السلام العالمي ويدعم جهود الرئيس الأمريكي في التأسيس لحوار الحضارات والتعايش ونبذ العنف. ويفوت الفرصة على بعض الجهات التي تستغل القضية بصورة سيئة فتقوم بتفجيرات عشوائية وقتل للمدنيين هنا وهناك.. بما يضر الأمريكان ولا يفيد قضية الشيخ.. وبما يحقق بعض الانتصارات الوهمية لتنظيم القاعدة على حساب معاناة الشيخ وتعقيد موقفه. ولكن لماذا لم تنجح المحاولات السابقة للإفراج عن د/ عمر؟ مشكلة د/ عمر مشكلة معقدة جدا ً.. ولن تستطيع الجماعة أن تحلها وحدها.. ولكنها تحتاج إلى دولة.. لأن مثل الجماعة الإسلامية وغيرها من الجماعات المحظورة قانونا لا تستطيع أن تتواصل مع الحكومة الأمريكية مباشرة حتى لا تقع تحت طائلة القوانين المصرية التي تمنع ذلك.. أو يلوث سمعتها كل من هب ودب. كما أن القانون الأمريكي نفسه مازال يضع الجماعة الإسلامية حتى اليوم ضمن الجماعات الراعية للإرهاب رغم مرور سنوات طويلة على المبادرة. ولذا فإن الدولة المصرية هي التي ينبغي عليها حمل مسئولية ملف الإفراج عن الدكتور/ عمر.. مهما كان هناك خلاف فكري بينهما في السابق.. لأنه ببساطة وقبل كل شيء مواطن مصري وعالم أزهري معروف.
وماذا عن الرافضين للمراجعات من الشباب أو الحركات الإسلامية الأخرى.. وكيف تتعاملون معهم؟ لابد أن تكون هناك قناعة عقلية وقلبية لدى الشخص لقبول المراجعات. فالمراجعات الفقهية شأنها شأن أي فكرة من شاء أن يقبلها قبلها.. ومن شاء غير ذلك فهذا اختياره.. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خير الناس في الإيمان به.. فما بالنا بما سوى ذلك: "فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ". ولكن دعنا نتفق على فكرة هامة واحدة وهي نبذ العنف كوسيلة لوصول إلى الحقوق والأهداف.. أو كوسيلة للتغيير. وأنا أرى أن الحركة الإسلامية كلها في مصر مجمعة على نبذ العنف.. وهي ناضجة الآن بما فيه الكفاية بكل أطيافها. ونحن نرى أن أفكار المبادرة يتسع مدى قبولها بين الحركة الإسلامية أكثر وأكثر عن ذي قبل.. ويتسع أنصارها بين الشباب عامة والدعاة والمفكرين الإسلاميين خاصة. ما هي خلاصة سياستكم تجاه قضايا الاحتقان الطائفي الذي شهدته مصر مؤخراً؟ نحن ندور في هذه القضايا مع الشريعة الإسلامية حيث دارت.. فبالعدل وللعدل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل.. وإن كان للمسيحيين أو الكنيسة حق..أو كانت على صواب قلنا ذلك حتى وإن أساء بعض المسلمين فهمنا.. فالحق قديم وهو أحق أن يتبع. وإن كان هناك خطأ ارتكبته الكنيسة جهرنا به.. وأظن أن أكثر المفكرين الإسلاميين يفعلون ذلك اليوم.. وأكثر الحركات الإسلامية تفعل ذلك اليوم. فعندما قتل ستة من المسيحيين في نجع حمادي ظلما ً وعدوانا ً وبغير حق أصدرنا بيانا ً ندين هذه الجريمة.. ونبين أنها لا تمت للإسلام بصلة.. وقلنا فيه أن هذا من الظلم الذي نهت عنه شريعة الإسلام.. تلك الشريعة التي سبقت كل الشرائع في مبدأ شخصية العقوبة "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى". وحينما نادي البابا شنودة بعدم إكراه الكنيسة على إنفاذ ما يخالف شريعتهم كتب أ/ صلاح إبراهيم في موقع الجماعة الإسلامية أول مقال في الصحافة المصرية كلها يبين أن الشريعة الإسلامية هي الشريعة الوحيدة التي نادت بأن يطبق كل أهل ديانة شريعتهم وعملا ً بقوله تعالى "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ".. وأن الحكم الذي صدر هو قانوني ولكنه غير دستوري.. وأن الأولى إلغاءه وتعديل مواد هذا القانون. وتكلمنا في الموقع كثيرا ً عن أن الشريعة الإسلامية هي التي انتصرت في هذه القضية. ونحن ندور مع الشريعة الإسلامية حينما نصب جام غضبنا على كلمات الأنبا بيشوي غير المسئولة التي قالها مرة عن القرآن.. وقالها أخرى عن أن المسيحيين هم أصحاب البلد.. وأن المسلمين هم مجرد ضيوف عليهم. وحينما نبين الأخطاء التي وقعت فيها الكنيسة ومنها احتجاز كاميليا ووفاء قسطنطين وأخريات كثيرات وكأننا نعيش في عصر محاكم التفتيش.. وليس في القرن الواحد والعشرين. نحن في ذلك كله ننظر إلى مصلحة الأوطان وسلامتها في المقام الأول.. فلا نريد أن نحول هذه المشكلات إلى حرائق تحرق الوطن كله. ولذلك نحن كتبنا عدة مرات نحذر الشباب من بعض الفتاوى الطائشة التي صدرت خارج مصر تحرض عوام المسلمين على تفتيش الكنائس بالقوة للبحث عن المسلمات المحتجزات. وقلنا أن هذه هي مسئولية الدولة ولا ينبغي الافتئات عليها.. وأن هذه الفتوى وأمثالها تمثل الشر بعينه ولا تمت إلى نصوص الشريعة أو روحها بصلة. ما رأيكم في تصرفات الكنيسة المصرية في الفترة الأخيرة؟ تصرفات الكنيسة في الفترة الأخيرة أدت إلى سخط الأغلبية المسلمة.. وستضر بالكنيسة وبالوطن. فحينما تقول: "لن نطبق الأحكام القضائية". وحينما يدعو المتظاهرون في الكنيسة بوش ثم أوباما لغزو مصر عسكريا ً.. وعندما ثم يتم سجن كل من تسلم في دهاليز الأديرة.. وكأننا في عصر محاكم التفتيش. فما هذا.. أليس الإنسان حرا ً في اعتقاده..وحرا ً فيمن يعيش معه.. وتتزوج من تشاء.. وتترك من تشاء.. أليس هذا أساسا ً من أسس الشريعة " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" وأساسا ً أيضا ً من أسس المدنية الحديثة. أما أن يكون مصير كل من تسلم ألا يراها أحد.. وأن تقضي بقية حياتها في سجن رهيب.. لا يستطيع أحد الاتصال بها.. أو الظهور أمام الإعلام.. أو مقابلة أحد. طالبتم النظام بضرورة محاصرة التطرف الطائفي فكيف يتم ذلك من وجهة نظركم؟ يتم ذلك بترسيخ قيم المواطنة وبعودة روح المحبة والمودة والإخاء والبعد عن مظاهر الشحن وخطابات الإثارة والتهييج. ويتم بالحوار الهادئ العاقل بين القيادات حتى لا يفسح المجال لخروج المظاهرات ولحلول الشارع التي تمثل خطورة كبيرة ؛ فمظاهرة قبطية في مواجهة مظاهرة إسلامية في وجود النفوس المريضة ومؤججي الفتن هو أمر غير محمود العواقب. يتم ذلك أيضا بسيادة القانون على كل المصريين أقباط ومسلمين ، فليست هناك مؤسسة مصرية فوق أحكام القانون، وليست هناك شخصية مصرية - مهما علا شأنها – فوق القانون. ويتم ذلك بعودة الكنيسة لدورها الروحي الرعوي بعيدا عن صراعات السياسة. إطلاق حرية الاعتقاد.. مع إعطاء الأزهر بعض الحقوق التي تتمتع بها الكنيسة.. أو إخضاع الكنيسة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات شأنها شأن كل مؤسسات الدولة الدينية.. وإطلاق حرية الدعوة الإسلامية ورفع القيود التي كبلت بها.
طالبتم الدولة باستعادة سلطاتها.. فكيف ترون موقع الدولة الآن؟ لقد استغلت الكنيسة في الفترة الماضية الظروف الدولية والإقليمية والمحلية أسوأ استغلال.. وقامت بابتزاز الدولة أسوأ ابتزاز.. وظنت أن الدولة ضعيفة وهذا فهم خاطئ جدا ً وضار جدا ً بالكنيسة قبل غيرها. وقد استغلت الكنيسة هذه الظروف في تحقيق بعض المكاسب الطائفية الغير مشروعة والتي تصب في مزيد من الاحتقان.. لأنها تمس وجود الغالبية المسلمة في مصر وتستهدف حقوقها. والدولة مطالبة ببسط سيادتها على مؤسساتها.. ومن ضمنها مؤسسة الكنيسة ومطالبة باستعادة هيبتها وإنفاذ قانونها وتطبيقه على الجميع. ونرى أن تهاون الدولة ليس في صالح الأقباط على المدى المنظور ، بل إن قوة الدولة وسيادة القانون حماية للأقباط قبل المسلمين في حال حدوث فتنة – لا قدر الله – نتيجة الشحن الطائفي المتصاعد من بعض الأصوات القبطية المتطرفة .
الوفد –الناصري – الوطني – العربي – الإخوان- لمن ستعطون أصواتكم ؟ في كل حزب من الأحزاب ومن المستقلين أناس صالحين يستطيعون خدمة الوطن والسعي في حوائج أبناء دائرتهم. وأرجو أن يختار كل واحد منا أصلح الموجودين في دائرته.. قربة إلى الله وتزلفا ً له سبحانه.. وعملا ً بالحديث الشريف "ثم الأمثل فالأمثل". فعلينا أن نختار من هو أقرب إلى الصلاح والذي لا يستخدم هذه المكانة لأغراض شخصية أو لمزيد من الغنى أو لحماية نفسه من المساءلة القانونية أو... وليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص إسلاميا ً.. فقد يكون شخصا ً عاديا.. ولكنه الأقدر والأقوى على خدمة الناس. فإن كان قوياً وقادرا ً وإسلاميا ً فذلك أولى. وإن كان إسلاميا ً ولا يستطيع خدمة أحد لسبب أو آخر فليختر أقربهم إلى الصلاح وأقواهم على خدمة الوطن وأبناء دائرته. وذلك كله يرجع إلى تقدير كل واحد في مكانه. وقد وصل أبناء الحركة الإسلامية لدرجة من الوعي والنضج يميز بها الخبيث من الطيب. ذكرتم في إحدى تصريحاتكم أن من يرشح نفسه في الانتخابات يسعي للوصول للسلطة فهل ترون أنه ليس من حق الإسلاميين الوصول للسلطة؟ وهل ما يفعله الإخوان مخالف لنهجكم ؟ الإسلاميون كغيرهم من حقهم السعي إلى السلطة من خلال الطرق السلمية وانتخابات ديمقراطية، لكنهم في ظل الأوضاع الدولية والمحلية الراهنة لن يصلوا إلى السلطة، وحتى إن وصلوا إليها بشكل أو بآخر سيجبرون على تركها بالقوة، وسيضيق عليهم وسيجهض مشروعهم وستسعى أمريكا وأوربا ومن خلفهم إسرائيل في إفشالهم وتكبيلهم وحصارهم. وهى تجربة تكررت كثيرا قديما وحديثا ، وأهدرت فيها أعمار وطاقات وأموال، وكبدت فيها الحركة الإسلامية خسائر باهظة. وهى تجربة حبست الحركة الإسلامية وأسرتها خلف جدران المعتقلات لسنوات طوال ، وأعادت الحركة إلى الوراء لعقود وأصابتها بالجمود وأثرت على مسيرة تطورها ورقيها واندماجها في المجتمع. ولكن للأسف الشديد نحن لا نتعلم من تجارب الماضي، ولا نريد التسليم بالحقائق ونرفض التعامل مع الواقع بما يحقق مصلحة الأوطان من جهة والحركة الإسلامية من جهة أخرى. وهذا الرأي نراه مناسبا ً للجماعة الإسلامية.. فمن رأى فيه خيراً وصوابا ً اتبعه.. ومن رأى فيه غير ذلك فلا نعيب عليه.. فهو حر فيما يراه مناسبا ً له ولمن معه. ونحن لا نلزم أحدا ً بهذا الرأي.. أو نحجر على أحد في رأيه. والإخوان جماعة كبيرة ولها سياساتها وقادتها وهي أدرى بشأنه.. ولها الحق في أن تختار لنفسها ما تراه صوابا ً في كل حزب من الأحزاب. وماذا سيفعل الإسلاميون لإصلاح المجتمع إذا لم يشاركوا في الحكم ؟ الإسلاميون أمامهم ميادين الدعوة والمشاركة المجتمعية والعمل الأهلي ومساعدة الفقراء ورعاية اليتامى والأرامل وكافة صور العمل الخيري. وأمامهم منابر الثقافة والفكر والفن للوصول إلى الجماهير العريضة بأخلاق دينهم وشريعة ربهم وسيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم وسنته . الإسلاميون مطالبون بالمشاركة في الارتقاء بمجتمعاتهم علميا وثقافيا لمحو الأمية الدينية وحماية الشباب من الأفكار المتطرفة . ومطالبون بالدفاع عن رموز الإسلام وثوابته ونشر الخير والمعروف والحض على الفضيلة. ومطالبون بإيقاظ الضمائر لإيقاف شلالات الفساد والرشوة التي جرفت الفقراء والبسطاء وتركتهم يعانون على حافة الجوع والبؤس . الإسلاميون مطالبون بإنقاذ المجتمع من مظاهر التغريب وفساد الأخلاق وانتشار الرذائل ، ومطالبون بنشر قيم التسامح والعفو والتعايش التي جاء بها الإسلام . ولو انشغلوا عن ذلك بالصراع السياسي الساخن أو البارد لضاعت كل الأهداف منهم. ولو قاموا بهذه الوجبات وحدها فلربما أصلحت المناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي المصري.. بحيث يقبل بعد ذلك وجود الإسلاميون كشريك سياسي دون عوائق كثيرة.. ودون تكسير البعض لعظام الآخر.