انصرف معظم النحاتين بعد محمود مختار وحتي بداية الثمانينيات إلي تشكيل تماثيلهم بخامة الجبس علي أمل ان يتاح لهم فيما بعد تكبيرها ثم سبكها بالبرونز. لكن خلال الثمانينيات انتشرت اللدائن مثل البوليستر وأصبحت تستخدم بدل الجبس في صياغة التماثيل. وتأكد الاتجاه إلي ضرورة صياغة المنحوتات في خامات نبيلة ومقاومة للزمن. مع ظهور الاتجاهات المعاصرة التي جعلت الفنان لا يعتمد كثيراً علي الصياغة والتشكيل في كتلة متماسكة. ولكن تعدد الخامات في التمثال الواحد والأعمال المركبة حلت مشكلة نقل التمثال من خامة خسيسة إلي أخري نبيلة. في هذا المجال نجد الفنانين محمود موسي "1913 - 2003" ثم الفنان عبدالبديع عبدالحي "1916 - 2004" قد حرصا علي ان يكون كل انتاجهما في الأحجار الصلدة والخامات القاسية. تتميز منحوتات محمود موسي - الذي عاش بالاسكندرية - بأنه واصل الإنتاج بنفس الأساليب والخامات التي انتج بها المصريون القدماء تماثيلهم القديمة. فقد كان شديد الشغف بالنحت المصري القديم. وقد تفرغ لفنه سنوات طويلة بعيداً عن مشاغل الوظيفة. فحقق أسلوبه الخاص الذي يميل إلي البساطة والفطرية في برائتها مع التعبير القوي. ولهذا تمثل أعمال محمود موسي نموذجاً خاصاً فريداً في النحت المصري المعاصر. وتمثل الطيور والحيوانات الأليفة الموضوع الرئيسي لمعظم تماثيله. وهي تتصف بالدقة في البناء والأناقة في التنفيذ والنقاء في تشكيل التفاصيل. "عبدالبديع عبدالحي" الذي ولد بمحافظة المنيا عام 1916 وتوفي عام 2004 هو النحات الثاني الذي تخصص في صناعة التماثيل - سواء كانت صغيرة أو كبيرة - من الخامات الصلدة والأحجار القاسية.. لقد تخصص في قهر الأحجار العنيدة. مثل الجرانيت والديوريت والكوارتز والبازلت والصوان وما شابهها. ورغم انه لم يدرس الفن دراسة أكاديمية في بداية حياته إلا أنه بعد ان خالط الفنانين المؤهلين والتحق بالدراسات الحرة بكلية الفنون الجميلة حقق مكانة مرموقة في سياق حركة النحت المصري الحديث. وأعظم ما يميز أعماله هو احترامه للخامة التي كان ينحت فيها تمثاله وعمق إحساسه بها حتي يشعر المشاهد بمدي تفاعله معها وحبه لها الذي يشبه العشق. من نجوم فن النحت في منتصف القرن تألق في ميدان من النحت من فناني جيل الوسط عدد كبير كان من أكثرهم تميزاً الفنان عبدالهادي الوشاحي.. وقد شغلته في بداية انتاجه قضية التوازن المبهر للمشاهد. فأقام أشكالاً وكأنها هرم مقلوب أو مسلة ترتكز علي ابرتها. ويهتم بالفراغ فيجعل النور والهواء يتخلل أشكاله. ويعتني عناية شديدة بالخطوط المحددة لهذه الفراغات حتي تبدو كتل التمثال وكأنها اطارات لهذا الفراغ الذي يقوم بتشكيله بعناية. يمثل الفنان فاروق إبراهيم "1937" موقعاً متقدماً بين المثالين لقدرته الفائقة في ميدان التماثيل الشخصية والميدانية التي تجمع بين واقعية الأسلوب وقوة التعبير عن الأعمال النفسية للشخصية التي يجسدها. وله أعمال تتضمن القيم الجمالية الشكلية المطلقة "التجريدية" وتحافظ في نفس الوقت علي الجانب الموضوعي التشخيصي. وهو من المثالين القلائل القادرين علي انجاز الأعمال الضخمة بنجاح سواء في النحت البارز أو التماثيل المجسمة. وهو من أوائل المثالين الذين اتجهوا إلي اللدائن الحديثة "البوليستر" لتنفيذ منحوتاته بعد ان نفذ تماثيله الميدانية بخامة البرونز. فنان النحاس المطروق محمد رزق "1937" بدأ تلقائياً ثم تطور بموهبته حتي يعتبر خليفة المثال جمال السجيني في ميدان لوحات النحاس المطروق. هذا الميدان العريق الذي لم يحمل شعلته بعد السجيني بكفاءة سوي محمد رزق. أما الفنان صبري ناشد "1938" فهو أبرز نحاتي الخشب في مصر وأغزرهم إنتاجاً. تخصص في هذه الخامة وتعرف علي أسرارها فأصبح يقيم منها التماثيل الصغيرة والأعمال الكبيرة الحجم بنفس الكفاءة. وهي سواء كانت شكلاً مجرداً أو تعبيراً عن عنصر واقعي. فهي تتضمن قيمة شاعرية مدهشة.