أزعم أن كل بيت في مصر شعر بحالة من الرضا والارتياح بعودة سفير السعودية إلي القاهرة وعودة العلاقات بين البلدين إلي سابق عهدها بعد زيارة الوفد الشعبي المصري للرياض.. ليس فقط بسبب توفير مناخ من الاستقرار لأكثر من مليون مصري يعملون في السعودية.. وليس أيضاً بسبب تيسير إجراءات الحج والعمرة.. ولكن قبل ذلك وبعده بسبب وشائج القربي التي تربط الشعبين الشقيقين. لكننا فيما يبدون مغرمون بجلد الذات.. ومصرون علي تسفيه أي إنجاز مهما كانت قيمته.. فما أن نجحت مهمة الوفد الشعبي وعاد السفير حتي خرجت أصوات تهاجم الوفد وتهاجم الزيارة وتشكك في نيات من أعدوا لها ومن اختاروا الأعضاء الذين سافروا. ذكرت صحيفة "الشروق" أمس تحت عنوان "هجوم عاصف علي زيارة الوفد البرلماني للسعودية" أن أعضاء لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب شنوا هجوما عنيفا علي زيارة الوفد البرلماني والشعبي إلي السعودية بسبب ما وصفوه بسيطرة رجال الأعمال عليها.. وقال النائب أمين إسكندر: ما حدث مهين ويقزم دور مصر خاصة بعد أن أعلنت السعودية منح مصر 500 مليون دولار عقب الزيارة.. وهذا يعد مذلة وعاراً.. مضيفاً: لا تدار السياسة بهذا الانبطاح. وتحت عنوان "الوفد الذي تمرمغ في السعودية" كتب الأخ الذي يحمل اسم "نيوتن" في المصري اليوم أمس: "لا مصري يقبل الطريقة التي لجأ إليها حفنة البرلمانيين الذين سافروا للسعودية لكي ينهوا الأزمة ويعود السفير السعودي للقاهرة.. لم يكن هناك لزوم لكل هذا العدد".. وأضاف: ما جري حين سافر هذا الوفد المزدحم إلي السعودية يمثل تدنياً أعتقد أنه أدهش السعوديين أنفسهم قبل أن يدهشنا ويؤلمنا. وأشار الكاتب إلي أن ما حدث من الوفد يتناقض مع "الكرامة" التي طالبت بها الثورة.. كما أن طريقة الأداء وأسلوب التعامل مع الموقف والكلمات التي قالها من مثلوا الشعب المصري أمام عاهل السعودية "مؤسفة".. ثم قال جازماً: "التعبير عن الاحترام لا يكون بالتمرمغ.. كان يمكن لكل هذا أن يتم بطريقة أفضل وأكثر احتراما. واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد علي أن مشهد هذا الوفد بكل ما جري فيه وضعه وأداؤه كان حدثا استثنائيا في تاريخ مصر.. ترك غصة في نفوس المصريين بقدر ما ترك دهشة كبيرة في نفوس السعوديين. ولم يقتصر جلد الذات علي ما حدث في لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب ولا ما ورد في مقال "المصري اليوم".. فقد أكد الزميل محمود نفادي نائب رئيس تحرير الجمهورية في مداخلة مع ريم ماجد أن عمر سليمان كان له دور في تشكيل الوفد البرلماني الشعبي وتسفيره مما أدهش ريم وبدت غير مصدقة ولكن نفادي أكد أن لديه معلومات مصادرها موثوق بها عن دور نائب رئيس جمهورية مبارك في ترتيب الرحلة.. وهو ما دفع الكاتب الكبير الأستاذ محمد العزبي في مقاله بالجمهورية أمس إلي أن يطالب بأن يتطوع واحد ممن حضروا فيدلنا علي ما خفي.. ويرشح الدكتور محمد الجوادي لكتابة تفصيلات الرحلة وأجوائها من الطائرة إلي القصر الملكي وكيف تتم مراسم اللقاء وما يقال.. بل وماذا يقدم علي موائد الطعام.. باعتبار ذلك بانوراما إنسانية جميلة مفيدة.. لتبديد الغموض البريء الذي أحاط بالزيارة. علي الجانب الآخر نفي السفير السعودي أحمد القطان في أول مؤتمر صحفي يعقده بمبني السفارة بعد عودته ما تردد عن اشتراط بلاده لبعض الأمور علي الوفد المصري منها إصدار بيان اعتذار وإدانة للسياسة الإيرانية.. وقال إن السعودية لم تطلب أن يعتذر أحد.. وخادم الحرمين عبر في كلمته عن مشاعره لمصر ولم تطلب السعودية إصدار بيان لإدانة السياسات الإيرانية. وأضاف السفير مجاملا: لا يساورني أي شك في أن مصر ستبقي عيمة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.. للأسف في مصر أنتم لا تعرفون غلاءكم عندنا ولكن نحن نعرف غلاءكم عندنا. ونشرت صحيفة "الأخبار" أمس حوارا مع الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد اعترف فيه بأنه صاحب فكرة زيارة الوفد الشعبي المصري للسعودية.. وأن السبب في تشكيل هذا الوفد الكبير هو أن العلاقات المصرية السعودية قديمة ولا يستطيع أن ينال منها أحد أو يفسدها.. وقال إن الزيارة تركت أثرا طيبا في قلوب السعوديين والمصريين.. وأن خادم الحرمين كان حريصا علي ألا يساء لعلاقات البلدين.. وقد أتت الزيارة بثمارها والنفع كان أكثر.. وتوقع من خلال الروح التي لمسها من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده أن يصدر عفو عن المحامي المصري أحمد الجيزاوي رغم عدم وجود وعود رسمية حتي الآن بشأن هذا العفو. في أوروبا والدول المتقدمة يعلقون آمالا كبيرة علي الدبلوماسية الشعبية وجهود البرلمانيين والشخصيات العامة غير الرسمية في حل الأزمات المستحكمة بين الشعوب.. ولعلنا نتذكر أن العلاقات بين الصين وأمريكا لت مقطوعة بعد الثورة الشيوعية الصينية والحرب الفيتنامية ثم عادت بعد مباراة رياضية بين فريقي البلدين. وقد فشلت الدبلوماسية الرسمية عندنا في إدارة أزمة سحب السفير السعودي وحلها.. ولما نجحت الدبلوماسية الشعبية وعاد الوفد البرلماني الشعبي السياسي الفني بالسفير قمنا لنعطي العالم كله درسا في جلد الذات بدلا من أن نوجه الشكر لمن أخذ المبادرة ولمن شارك ولمن كللت جهودهم بالنجاح. وهكذا نحن.