حرصت دائماً عندما كنت أتناول مشاكل العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية الشقيقة علي أن أكون موضوعياً وعقلانياً دون الانزلاق إلي حماس العاطفة الوطنية والشطط في التعبير. مراعاة مني لرابطة أخوية قوية جمعت البلدين منذ تأسيس المملكة علي يد الراحل الكريم الملك عبدالعزيز آل سعود. ووعياً بأن قوة العرب أساسها ومركزها قوة العلاقة واتساقها بين القاهرة والرياض. وكنت كلما أحسست أن هناك ظلماً واضحاً وبيناً وقع علي أحد المواطنين المصريين في المملكة الشقيقة أعالج الأمر بالحكمة والروية مناشداً المسئولين في المملكة وعلي رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يتدخلوا لرفع هذا الظلم من منطلق أن المواطن السعودي العادي إذا تصرف مع أخيه المصري من خلفية تتسم بنوع من المشاعر غير السوية فإن علي كبراء المملكة أن يعيدوا الأمور إلي نصابها الصحيح. واليوم فوجئت بأن السلطات السعودية اعتقلت المحامي المصري والناشط الحقوقي أحمد الجيزاوي في المملكة عندما وصل إليها لأداء العمرة بصحبة زوجته. ليفاجأ بحكم غيابي صدر ضده بجلده 20 جلدة وحبسه عاماً. وأعلنت الجبهة الحرة للتغيير السلمي في مصر أن الحكم الغيابي يكشف في تفاصيله عن تصفية حسابات مع المحامي لمواقفه في الدفاع عن المصريين المعتقلين في السعودية. واجترائه علي رفع قضية ضد جلالة خادم الحرمين الشريفين في هذا الإطار.. ولم يسبق لنا علم بهذه القضية ولا بسبب رفعها. ودون الدخول في تفاصيل الحكم وسببه.. وهل المحامي المصري مدان أم بريء؟. فإن القضية وملابساتها وطريقة القبض علي المحامي تدعو للدهشة. ويخلو تصرف الأخوة السعوديين من قيم الأعراف والتقاليد العربية الأصيلة ومن روح الأخوة. بل ويبتعد كثيراً عن مبادئ وأصول الدين الإسلامي الحنيف. فليس من المعقول ولا من المنطق بل وليس من قيم الإسلام أن أباغت إنساناً مسلماً قدم وهو في منتهي الطمأنينة والأمن ليؤدي شعيرة العمرة في البلد الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً. ثم أقبض عليه لأنفذ فيه حكم الجلد والسجن!! ماذا تقولون أيها الأخوة السعوديون لزوجته التي حضرت معه مقبلة بكل صفاء نفس وتشوق للطواف بالبيت الحرام والسعي بين الصفا والمروة وزيارة الرسول الأمين وطلب شفاعته يوم الدين؟! هل تقبضون عليها أيضاً لتودع في سجن النساء حتي تنتهي عقوبته؟! هل تأخذونها لمشاهدة زوجها وهو يضرب بالسوط علي ظهره لتنقل إلي المصريين هذا المشهد المأساوي ليكون عبرة لهم؟! أم هل تقذفون بها إلي باب الطائرة لتعود أدراجها من حيث أتت تاركة زوجها وأب أبنائها خلفها تفيض نفسها حسرة علي معاملة غير لائقة وغير إنسانية في بلد الكعبة المشرفة ومهبط الوحي الأمين؟! الغدر ليس من شيم العرب أيها الأشقاء السعوديون. وليس من قيم الإسلام الذي انطلق من تلك البقعة الطاهرة لينشر العدل والسماحة في كل أرجاء العالم.. وأنتم غدرتم بمواطن عربي مسلم وأخذتموه علي غرة دون سابق إنذار. لماذا لم تعلموه بالحكم الغيابي الذي صدر ضده ليتخذ الإجراءات القانونية لاستئنافه عن طريق محام سعودي زميل؟!. ولو أنني أشك أن محامياً سعودياً يجرؤ للدفاع عن مصري. أو يرسل محامياً مصرياً للدفاع عنه أمام المحكمة السعودية!! ثم هناك سؤال مهم للأشقاء السعوديين: لماذا تتعاملون بفوقية دائماً مع المصريين دون بقية الشعوب العربية؟! هل هناك حاجة ما في نفوسكم لا نعرفها تدفعكم لمثل هذه المعاملة؟! أخشي أن يكون للمال والثروة دخل في شعوركم بالأفضلية مع أن الرسول الكريم الذي نبت من بين ظهرانيكم هو القائل: "لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي". والله سبحانه وتعالي هو القائل في محكم قرآنه: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. أم أنكم تعتبرون مئات الآلاف من المصريين العاملين في بلدكم رهينة لديكم وورقة رابحة لفرض كبريائكم؟! هدانا الله وإياكم سواء السبيل.