كانت الحكومة المصرية في كل عهودها ترصد في ميزانيتها السنوية مبلغاً ثابتاً في باب من أبواب الميزانية وهو باب "المصروفات غير المنظورة" أو "المصروفات السرية" ويقول شيخ الصحفيين حافظ محمود في كتابه حكايات صحفية أن هذا الباب اختفي من ميزانية الدولة في عام 1952 .1953 وفي ندوة عقدها في حقوق القاهرة في مارس سنة 1953 ثارت مناقشة خلالها جري تجريح للصحفيين لأنهم كانوا يتقاضون مبالغ من هذه المصروفات .. ورداً علي الطلاب بقوله ليس الذنب ذنب الصحفي المحتاج الذي أخذ .. انما هو ذنب صاحب هذا النظام الذي أعطي. وروي لهم حكاية صحفي فوجئ عند استلامه مرتبه أول الشهر أنه كان ثلاثة جنيهات وذهب إلي صاحب الجريدة "المقطم" وهو فارس باب نمر ليشكو له .. الخطأ الذي حدث في مرتبه وأن جوابه أبداً إن ما تسلمته هو أجرك الفعلي من الجريدة .. أما باقي المرتب فإنك ستتسلم منه مبلغ عشرة جنيهات من وزارة الداخلية .. وعشرة جنيهات أخري ستصرفها من مكتب رئيس الوزراء .. أما السبعة جنيهات باقي المرتب وقدره 30جنيهاً فإنه عقد الكارنيهات التي نصرفها لاستخدام المواصلات. ويقول حافظ محمود إنه علي الرغم من أن هذه الحكاية قد تكون نكتة إلا أنها تمثل الواقع تماماً حيث كانت بعض الصحف تصرف مرتبات الصحفيين من المصروفات السرية التي تتلقاها من الحكومة التي كانت تصرفها كإعانة لنشر الثقافة بين الجماهير وأيضاً لنشر أخبار الدعاية عن الحكومة وأجهزتها. وكانت الصحف تعاني دائماً عجزاً مالياً يهددها بالتوقف ولهذا كانت المصروفات السرية .. وظهر اتجاه آخر هو نشر الاعلانات الحكومية في الصحف لتغطيهم مصدراً للدخل قد يغنيهم عن المصروفات السرية وفي سنة 1946 استدعي عبدالرحمن البيلي وزير المالية حافظ محمود وقال له إن إسماعيل صدقي باشا أمر بفتح اعتمادات مالية كبيرة للإعلام "والإعلام هنا كان قاصراً علي الصحافة.." وذلك بمناسبة إجراء مفاوضاته مع وزير خارجية بريطانيا. وفي عهد حسين سري باشا رئيس الوزراء ثار نقاش حول إلغاء هذه المصروفات غير المنظورة وجعلها منظورة .. وكان من رأي رئيس الوزراء ارسال هذه المصروفات إلي نقابة الصحفيين لكي تتولي النقابة تحديد أولئك المستحقين وحيثيات استحقاقهم وهذا المشروع يعتبر حلاً لمشكلة المصروفات السرية يصون كرامة الدولة والصحافة معاً .. ولكن فكري أباظة باشا نقيب الصحفيين اعتذر هو ومجلس النقابة عن قبول هذا العرض حتي لا تزج النقابة في متاهات القيل والقال. مضي عهد الملكية بقيام ثورة 23 يوليو وبعد سنوات من قيامها ازيح الستار عن أسماء من كانوا يتقاضون مصروفات سرية وكان أنور السادات يعتقد أن الصحفيين يتقاضون مرتبات ضخمة .. ولكن عندما تبين العكس وأن أقل المرتبات يحصل عليها الصحفيون .. أصدر تعليماته بإعداد جدول جديد لتحسين مرتباتهم. وفي السنوات الأخيرة كانت انتخابات نقيب الصحفيين مصحوبة دائماً بصرف مبالغ مالية تحت أي مسمي من المسميات حتي تتاح لهم الفرص للاطلاع والثقافة ومسايرة العصر ومتابعة تكنولوجيا والكترونيات الصحافة .. وهي نفس فكرة حسين سري باشا سنة 1946 جمع التعديل طبقاً لمقتضيات العصر.