قد تكون القراءة الثقافية للمشهد الضريحي أداة يتمكن بواسطتها من الكشف عن الخطابات التي ينطوي عليها هذا المشهد وربما تناقش بعض الإشكاليات التي تجلت في سياق الدراسات المتناولة للمكان. فأضرحة الأولياء والقديسين والصديقين تنبني علي محمولات دينية وثقافية وإيدولوجية وتمتح من ميثولوجيات ضاربة في القدم. فهي جزء مثمن من ثقافتنا وإيدولوجيتنا وهي تلعب دوراً هاماً في تكوين هوية الكيان الجماعي وربما أثرت علي المفاهيم الأخلاقية والجمالية التي تحركنا. وقد يسهم الدرس الجمالي للمكان في تأصيل الهوية إذا ما تأملنا في المكونات البيئية والخصائص المحلية ولكن تظل إشكالية الصلة بين ضريح الولي وقاصديه ومن منهما يؤسس للآخر تبحث عن صياغة عادلة. تأتي هذه القراءة التي تقدمها الباحثة عواطف سيدأحمد في كتابها الجديد "أبوحصيرة" في فصلين تناقش من خلالهما تلك الإشكالية من خلال تقديم نموذجين لضريحين: أولهما: ضريح الشيخ هريدي بمحافظة سوهاج الذي يأتي ذكره في أدبيات التاريخ علي أنه أفعي. وتحاول من خلال الوقوف علي الأبعاد والدلالات التي يحملها أن تبرز قدرة الذهنية الشعبية علي توظيف المكان وإخضاعه لمتطلباتها الروحية والاجتماعية والنفسية والنسق الفكري الذي تتوسل به في تمرير مقاصدها في اصطناع الحاكم الروحي فتستعيض به عن حاكمها الرسمي الذي همشها وانتخب فئة معينة اختصها بالرعاية. ثانيهما: ضريح أبي حصيرة بمحافظة البحيرة وهو الضريح الذي يثير جدلاً حول مدي أهميته أو حقيقته. وتحاول عواطف من خلاله استعراض الكيفية التي يتم بها توظيف المكان لأغراض استيطانية. لقد كشفت المخيلة الشعبية عما يكتنف المكان من جماليات وحملته بتصوراتها وإيدولوجيتها ومفرداتها المكانية. فالقبة تستحضر مقامات الأولياء ولكن ليس بالضرورة أسفل كل قبة شيخ "فاكر تحت القبة شيخ". والدفن يستحضر القبر الذي قد يطوي بداخله أوهاماً ومزاعم. فيا أبا حصيرة تقول عواطف "إحنا دافنينه سوا". والذي لم تكشف عنه الوثائق. قد تكشفه علاقتنا بالمكان.