لم تعرف الديمقراطية طريقها الي ثورة 23 يوليو أبداً.. ولم يعرف الشعب أي نسمة من نسمات الحرية كما أوهموه بذلك.. كان القانون في وادي والناس في وادي آخر.. قالوا أن القانون هو سيف العدالة ولكن لا القانون.. ولا العدالة عرفا طريقهما الي المجتمع كانت القبضة الحديدية والديكتاتورية هما المسيطرتان علي العباد.. ولهذا فتحت المعتقلات أبوابها لتستقبل الآلاف سواء ممن اتهموا.. أو الذين ألصقت بهم التهم جزافا. والحكايات عن واقع الناس في فترة الستينيات من القرن الماضي كثيرة والتي طالت أهل الفكر والرأي وكل من تسول له نفسه بالحديث ايا كان الحديث أو كل من لحقه بلاغا حتي لو كان كاذباً. ويروي الكاتب الكبير محمد العزبي في كتابه "كناسة الصحف" بعضا من هذه الحكايات وتناولت بعض رموز الفكر والأدب والصحافة أمثال صلاح عيسي وسيد حجاب وعبدالرحمن الابنودي وغيرهم وغيرهم. قال "المفاجأة.. كانت مصر كلها محبوسة.. فلم أكن أتصور بفعل الدعاية أو بسبب السذاجة ان هناك معتقلين إلا أولاد الأفاعي أعداء الشعب فإذا بهم في طره "1966" إخوان ووفديون وشيوعيون وتنظيم طليعي "حكومي" وثرثرة محامين و"نشاط معادي" وهي لافتة يندرج تحتها جميع الاتجاهات.. وقد اخترعوا هذه العبارة التي تصلح لكل زمان ومكان ويمكن لمن يشاء ان يضع شعبا بأسره في السجون دون أن يكون مطالبا ببرهان أو دليل. وفي حكاية أخري يقول عندما مات مصطفي النحاس باشا سارت الجموع في جنازته.. ولهذا تم اعتقال الكثيرين وكانت تهمتهم الخطيرة هي السير في جنازة النحاس باشا..!! ومن الأمور العجيبة التي تدل علي مدي جبروت عهد عبدالناصر فقد حدث أن وجه عبدالناصر الدعوة للفيلسوف الوجودي الفرنسي الشهير جان بول سارتر ولكنه رفض الدعوة لأن هناك معتقلين يساريين في السجون.. وعندما أقنعه ووعده من تحدث اليه في باريس مبعوثا عن ناصر جاد.. وكان أول ما أثاره عندما التقي بعبدالناصر هو طلب الافراج عن المعتقلين وصدرت التعليمات الي شعراوي جمعة فاستقبل سيد حجاب وعبدالرحمن الابنودي وكمال عطيه قائلا لهم "نفسي أعرف انتم شعراء وكتاب والريس بيحبكم ويحترمكم ومندهش ليه بتعملوا تنظيم معارض للنظام"! وقال الأبنودي كيف تعلن الدولة أنها اشتراكية والفصيل الوحيد المستبعد من العمل السياسي هم الاشتراكيون! والحقيقة أن كتاب العزبي يحتوي علي حكايات تنطق بالمرارة عن أعمال التعذيب والبطش بكل الأنواع للمعتقلين.. في معتقلات عبدالناصر والغريب أن في ظل النظام السابق كانت المعتقلات تموج بآلاف من المعتقلين من أصحاب الرأي والفكر وخصوصا من الإخوان المسلمين وألصقت بهم الاتهامات التي لا أول لها ولا آخر وكم من المعتقلات التي اصبحت كالقبور في باطن الأرض وكم من الأفراد اختفوا دون أن يعرف أحد الي أين ذهبوا.. ورغم ذلك كان عصر عبدالناصر أكثر قسوة واكثر تعذيبا. وبعد ثورة 25 يناير عاد للظهور والشهرة مرة أخري مزرعة وسجن طره ..2011 وليستقبل رموز النظام السابق الذين افسدوا الحياة السياسية ليس بالفكر والرأي ولكن بالتصرفات والأساليب التي اتبعها والتي أدت الي فساد الحكم والنظام والغريب أنه رغم كل ما قيل عن ديكتاتورية عصر عبدالناصر إلا أن صوره ملأت ساحة ميدان التحرير اعجابا به.. صحيح صدق المثل الشعبي "القُط يحب خناقه".