هناك مشاهد تظل محفورة في الذاكرة طالما بقي الإنسان علي قيد الحياة وهناك مشاهد تظل في ذاكرة المجتمعات أبد الدهر. وتظل لحظة إعلان تنحي مبارك أو خلعة في أعماق الأجيال التي عايشت تلك اللحظة ويبقي ما هو أهم للبقية الباقية من سكان مصر علي مر العصور القادمة. لقد خرجت مصر علي بكرة ابيها في الشوارع والحواري تحتفل بانتهاء حقبة كانت الأسوأ والأسود من تاريخ مصر المعاصر. حقبة لا تقارن بحكم المماليك الذين أشاعوا الظلم والفساد في ربوع مصر. حكم مصر خلال فترة مبارك مماليك جدد جاءوا بهم من منابت السوء. وبراري مصر وإذا بما لم يكن متوقعاً. أنهارت دولة الظلم في ساعة وخرج المصريون بمختلف فئاتهم للاحتفال باللحظة التاريخية التي ظلت بعيدة عن عيون من كانوا يحكمون. لقد قامت الثورة وظل بعض قصاري النظر الذين لم يستطيعوا قراءة الوضع في حيرة من أمرهم. لا يصدقون ما يحدث وما حدث. بعضهم عاش علي أمل أن ينتهي هذا الكابوس وأن يكون تنحي مبارك مناورة يعود بعدها أقوي وأشرس ويعود رجاله إلي البطش بلا رحمة. كانت الشوارع مليئة بالبشر ترفع أعلام مصر وتهتف بالحرية والخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية. تحولت الشوار والبشر إلي كتلة واحدة متماسكة هادرة في الوقت ذاته وظن الناس أن خلع مبارك هو المنتهي والمراد وتناسوا في أفراحهم أن هناك العديد من الكهوف التي أعدها رجال مبارك للاختباء بها والاحتماء فيها إلي أن يحين الوقت مرة أخري لهم بالظهور والانتقام من الثورة والثوار. سنة كاملة علي الثورة وأهدافها لم تتحقق. سنة كاملة والعدالة تراوح مكانها ولا تقتص من السفلة والمجرمين. سنة كاملة وهناك أصابع تقتل وتصيب وتسيل دماء المصريين في مناطق عديدة علي أرض الوطن وسط صيحات متضاربة بعضها يدعو للعصيان وأخري تدعو للإضراب. وصيحات أخري تطالب بالصبر والتروي. لقد مر عام كامل ولم يشعر المرء إلا بزيادة برودة الطقس وانتخاب مجلس شعب وإلغاء التوقيت الصيفي ومازال الشعب ينتظر أن يري أهداف الثورة وقد تحققت ورغم إخفاقات العالم. إلا أن لحظة خلع مبارك ستظل محفورة في وجدان الشعب المصري الذي صبر علي طاغية لمدة ثلاثين عاماً. ويكاد ينفد صبره بعد مرور عام واحد.