شنت الولاياتالمتحدة حملة مسعورة علي مصر بسبب إحالة المتهمين في قضية التمويل الأجنبي إلي محكمة الجنايات فقد تجرأت مصر الثورة علي محاكمة مواطنين أمريكيين دون إخطار الإدارة الأمريكية ودون التنسيق المسبق مع الأجهزة الاستخباراتية كما كان يحدث من قبل لترتيب إجراءات الدخول للمحاكمة والخروج منها لتبدو التمثيلية محبوكة وتنطلي علي المشاهدين. توالت التصريحات والتهديدات الأمريكية ضد مصر .. بعضها يتحدث عن قطع المعونة الملعونة .. وبعضها الآخر يتحدث عن إعادة النظر في التوجهات الأمريكية إزاء النظام الجديد في مصر .. وبلغت الحملة ذروتها بتهديد سوزان رايس السفيرة الأمريكية في الأممالمتحدة بأن يكون للإجراء المصري عواقب وخيمة علي العلاقات بين البلدين بما في ذلك المساعدات التي تقدمها أمريكا إلي مصر سنوياً .. بينما أكد جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض استمرار الاتصالات مع الحكومة المصرية لتوضيح خطورة المشكلة. وهكذا تسير الأمور في اتجاه التصعيد .. التهديدات الأمريكية وصلت إلي حد الترهيب .. ولا تريد الإدارة الأمريكية الاعتراف بأن مصر تغيرت .. وأنه لن يكون بمقدور أحد استنساخ نظام مبارك لإرضاء البيت الأبيض أو إرضاء الكونجرس .. وعلي الجانب الآخر فإن مصر تحبس أنفاسها وتحتشد في المواجهة لتثبت انها أقامت دولة القانون فعلاً .. وأنها قادرة علي الصمود ولن تقدم علي أية خطوة يشتم منها هيمنة السلطة التنفيذية علي القضاء إرضاء لأمريكا من أجل ان يعود المواطنون الأمريكيون إلي أسرهم معززين مكرمين. ولتأكيد جدية القضية فإن المتهمين الأجانب الذين تمت إحالتهم إلي المحاكم الجنائية يواجهون اتهامات خطيرة تشمل إنشاء منظمات حقوقية بدون ترخيص من الحكومة المصرية بهدف إجراء البحوث وإعداد تقارير وبرامج تدريبية وإرسال نتائجها إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية.. بالإضافة إلي تمويل بعض الحركات السياسية من خلال تقديم الدعم المالي لأشخاص بعينهم لخدمة المصالح الأمريكية .. وذلك علي مستوي انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات رئاسة الجمهورية. أما المتهمون المصريون عددهم 14 متهماً من جملة ال 43 متهماً في القضية فيواجهون اتهاماً بالاشتراك مع منظمات أجنبية أمريكية الجنسية لإحداث البلبلة وتخريب البلاد وإشاعة الفوضي وتهديد الأمن القومي من خلال تلقي تمويل أجنبي يقدر ب 68 مليوناً و600 ألف دولار وذلك عبر تحويلات بنكية من كل من المعهد الديمقراطي والمعهد الجمهوري والمركز الدولي للصحفيين والمركز الألماني للدراسات. وقد نشت الصحف والمواقع الالكترونية اليوم قائمة أسماء المتهمين وتبين انها تضم 19 متهماً أمريكياً و15 مصرياً ولبنانيين و3 صرب وألمانيين ومتهماً فلسطينياً وآخر نرويجياً وثالثاً أردنيا ومن هؤلاء جميعاً 15 متهماً هارباً. ومن هذه التشكيلة يتضح ان مصر واقعة بالفعل في فخ مؤامرة دولية تستهدف أمنها واستقرارها وان هذه المؤامرة تأخذ عناوين براقة وخادعة لتهدم بلدنا من الداخل .. وبأيدي فريق مغرر به من أبنائنا وبناتنا الذين يهرولون وراء تلك العناوين البراقة طمعاً في المال أو الشهرة أو النفوذ السياسي علي حساب وطنهم وعلي حساب مستقبلهم .. ثم بعد ذلك نبكي علي اللبن المسكوب ونبحث في الشقوق الخلفية عن اللهو الخفي. ان الاستراتيجية الأمريكية في منطقتنا ليست خافية علي أحد .. هم يريدون إضعافنا وانهاكنا في صراعات داخلية حتي يأكل بعضنا بعضاً وحتي لا تكون لدينا أدني فرصة للنظر فيما وراء حدودنا .. وهم يريدون تغييرنا من الداخل .. تغيير العقول والتوجهات والميول والأذواق وطريقة التفكير .. ولو استطاعوا تصنيعنا من جديد علي هواهم لفعلوا .. وفي سبيل تنفيذ هذه الاستراتيجية هم مستعدون أن يدفعوا ملايين بل مليارات الدولارات وان يحاولوا استمالتنا مرات ومرات بالمعونة أو بالتمويل المباشر للمنظمات المدنية. المهم ألا نخرج من المعطف الأمريكي. ولا شك ان تنظيف بيتنا من المال الأمريكي الملوث عن طريق هذه الخطوة وخطوات أخري يجب ان تتلوها سوف يساعدنا علي تحقيق الأمن والاستقرار .. وسوف يساعدنا ان نعيش في بلادنا أحراراً كما نريد لا كما يريدون لنا .. المهم ان تتوفر لنا الرغبة والإرادة والقدرة والاحتمال .. فالحرية لها ثمن .. والخروج من المعطف الأمريكي بعد 40 عاماً من التبعية التامة له ثمن .. ونحن علي استعداد لندفع هذا الثمن وذاك مقابل ان نقطع الشوط إلي نهايته. لو نجحنا في الخروج من المعطف الأمريكي .. من الأسر الأمريكي .. ولو نجحنا في ان نطهر أنفسنا من المال الأمريكي الملوث .. ونحمي أبناءنا وبناتنا وقادة الرأي عندنا من غوايته . فسوف تكون فرصتنا أكبر في العيش الآمن .. والبناء الحقيقي لاقتصادنا .. والحصول علي التوافق الذي يبدو الآن مستحيلاً .. وإنهاء مرحلة يائسة من الفتن والصراعات .. وقبل هذا وبعده سوف تكون لدينا القدرة علي مواجهة التهديدات الأمريكية بقلوب فولاذية لا تعرف الخوف.