وعد ثوار التحرير وباقي ميادين مصر بأن تكون ذكري مرور عام علي انطلاق ثورة يناير بيضاء.. أي سلمية وحضارية.. بما يتناسب وعظمة ثورة اللوتس. اكدوا في كل بياناتهم ومنتدياتهم انهم بدأوا الثورة سلمياًً وحرصوا علي نفس المعني طوال عام كامل ويصرون علي استكمال ما بدأوه لتحقيق كل اهداف الثورة بنفس الأسلوب السلمي. وعدوا بذلك وأوفوا بوعدهم.. فقد مرت الذكري الأولي. واليوم التالي لها. بل والثالث أيضا أمس دون ان يحدث خرق أمني واحد أو أي اعتداء علي منشأة عامة أو خاصة. بل ان هؤلاء الثوار المحترمين والمخلصين لهذا البلد ضربوا مثلاً رائعاً في الفكر الرائق والراقي حينما اصروا علي أن يسموا أمس "جمعة العزة والكرامة".. رافضين تسميته ب "جمعة الغضب الثانية" لأن هذا المعني يحمل في طياته عدم السلمية. لقد حذرت قوي وتيارات سياسية عديدة من أن ذكري الثورة ستكون ناراً ودماراً علي مصر. وبشرت بانفلات أمني لا مثيل له. وادعت ان هذا الانفلات سوف يستهدف المنشآت الحيوية والمرافق والممتلكات العامة والخاصة بل والافراد العاديين أيضاً. وحاولت ان تجعل من هذا اليوم "فزاعة" جديدة للناس.. ربما لكي يحتاط المواطنون إذا احسنا الظن بتلك القوي والتيارات. أو بهدف اثنائهم عن الخروج وبالتالي تقل الاعداد المتظاهرة إذا كنا سيئي الظن علي اعتبار ان سوء الظن من حسن الفطن. لكن.. عموماً.. خابت الظنون.. ووجدنا الواقع شيئاً مختلفاً ورائعاً.. فتحت اللافتة الجميلة والبراقة "سلمية.. سلمية" خرجت المظاهرات الحاشدة ومسيرات الشموع والنعوش لاحياء ذكري الشهداء.. تأكيداً علي ان هذا الشعب الأبي الذي خلع رداء الجبن والسلبية والخنوع لن يفرط أبداً في حقوقه.. وفي مقدمتها الحق المدني والجنائي للشهداء والمصابين. وان تكون المحاكمات سريعة وناجزة. وان ينعم كل مواطن علي ارض مصر بجميع مفردات شعار 25 يناير 2011 "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية". بالتالي.. فإنني مع استمرار هذه التعبئة السلمية لعدة اسباب: * أولاً.. انها نموذج حضاري لحرية الرأي والتعبير التي كفلتها كل دساتير وقوانين العالم والمعاهدات الدولية.. مادامت لم تخرج علي القانون بالتخريب أو التدمير أو الاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة أو تعطيل المرور ومصالح العباد. * ثانياً.. انها ترسيخ لمبدأ مهم جداً وهو ان الشرعية الحقيقية هي شرعية الشعب التي تعلو ولا تعلي عليها من أي شرعية أخري سواء كانت تشريعية أو قضائية أو تنفيذية.. فهذه جميعاً تستمد سلطتها وشرعيتها اساساً من سلطة وشرعية الشعب.. ومن هنا وبمنتهي الصراحة والوضوح والتحديد فإن وجود البرلمان المنتخب لا يعني ابداً سلب الشعب شرعيته وسلطاته.. ونفس الشيء ينسحب علي القضاء وسوف ينسحب مستقبلاً علي الحكومة ورئيس الدولة المنتخبين. * ثالثاً.. انها رسالة قوية للبرلمان ولغيره.. رسالة للبرلمان تقول له انه إذا حاد عن الطريق أو ارتدي ثوب "ديكتاتورية الأغلبية" فإن هذا الشعب الذي اتي بنوابه كفيل بالإطاحة بهم دون حتي انتظار الانتخابات الجديدة. ورسالة لغيره سواء الرئيس القادم أو الحكومة الجديدة تقول لهما: انتم خدام لهذا الشعب.. ومن حق "السيد" ان يطرد خدامه في أي وقت يشاء إذا حادوا عن الطريق الذي رسمه لهم. * رابعاً.. ان وجود "الشعب" في الشارع يطالب باستكمال الثورة هو عامل ضغط علي صناع القرار.. لا يمنع فقط التراخي في القصاص لدم الشهداء وفي تسليم السلطة للمدنيين بل انه يفرض أيضا الاسراع فيها.. ولقد لمسنا تأثير الضغط الشعبي علي مجريات احداث كثيرة. كل ما اتمناه.. ان يحافظ الثوار علي سلمية ثورتهم وان يحتاطوا جيداً من دق الاسافين بينهم ومن دس المغرضين بين صفوفهم بهدف تحويل تظاهراتهم إلي مجازر يسقط فيها المزيد من الشهداء والمصابين.. وليثقوا ان هذا وارد.. ووارد جداً. لذا.. ارجوهم الحذر.. ثم الحذر.. وان يتمسكوا بموقفهم حتي تتحقق كل اهدافهم. ** برلمانيات.. * سمعت والعهدة علي الراوي ان هناك من يريد انشاء هيئة عليا للثورة تتحدث امام البرلمان باسم الثورة والثوار. بصراحة.. لا أري أي حيثيات قوية لانشاء هذه الهيئة اللهم إلا إذا كان الغرض منها ان تكون رقيباً علي الرقيب الذي هو البرلمان أو ان تكون هيئة تفصيل علي مقاس أحد بعينه لفرضه علي الساحة وتنصيبه زعيماً للثورة.. ومن المؤكد أنه ليس كذلك ولن يكون. * أؤيد بشدة طلب السلفيين في البرلمان بإلغاء الحصانة البرلمانية.. فهي بحق الباب الملكي لكل فساد ومحسوبية وتجاوز في المجتمع. ابحثوا عن شكل آخر للحفاظ علي هيبة النائب.. فلا أحد محصناً ضد المساءلة والتحقيق والعقاب.. وإلا ما الجديد؟! * د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق وصف جلسة الإجراءات البرلمانية بأنها هزلية وان هناك اخطاء قانونية واجرائية كثيرة وان النواب الجدد غير مؤهلين ويحتاجون إلي دورات تدريبية في العمل البرلماني!! يادكتور.. "خليك والنبي في حالك".. ألم تعلم حتي الآن ان هناك ثورة أم تحاول تجاهلها رغم انها حلت مجلسك والغت الدستور الذي تستند إليه ووضعتك في طرة؟!! ثم.. حتي لو ان النواب الجدد غير مؤهلين اليوم فهذا لا يعيبهم ومن المؤكد انهم سيكونون مؤهلين غداً.. هل نسيت ان مصر بعظمتها حكمها ضباط احرار برتب صغيرة.. ومع ذلك اصابوا العالم كله بسكتة قلبية ودماغية؟!! * لم يكن هناك أي داع لأن يحشد الفنانون انفسهم في مسيرة إلي البرلمان للمطالبة بعدم المساس بالابداع. كلنا مع الابداع.. لكن ليعلم الجميع انه إذا كان الابداع علي طريقة ايناس الدغيدي وامثالها.. فسحقاً لهذا الابداع.. بلاها إبداع.