نحن نعيش عصر حرية التعبير في حدود القانون.. نواكب ونساير العالم في هذا الحق الذي تتسع دوائره يوماً بعد الآخر. بحيث أصبح أمراً بديهياً لا يمكن الالتفاف عليه أو التراجع عنه. لكن جهاز تنظيم الاتصالات في مصر كان له رأي آخر.. فقد أراد أن يعود بنا إلي الخلف وأصدر قراراً باخضاع خدمة الرسائل النصية القصيرة علي التليفون المحمول للرقابة المسبقة أو اللاحقة وإلزام الشركات المرخص لها بتقديم هذه الخدمة بضرورة الحصول علي موافقات مسبقة قبل تقديمها ومراقبة محتوي هذه الرسائل. لكن القضاء العادل في مصر وقف لجهاز تنظيم الاتصالات بالمرصاد واعطاه درساً في ضرورة مواكبة روح عصر الحرية وقرر في حكم له مغزاه بإلغاء هذا القرار. قالت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حمدي ياسين نائب رئيس مجلس الدولة إن القرار خالف الدستور والقانون وخرج عن نطاق تنظيم خدمات الاتصالات واخضع هذه الرسائل لرقابة مسبقة وأخري لاحقة من جهات بعضها معروف وبعضها مجهول لمعرفة ما تتضمنه وما تحتويه وهو ما يعد اعتداء علي حرية التعبير. وأكدت المحكمة أن هذه الإجراءات تتصادم مع الدستور الذي جعل للمراسلات والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وكفل لها السرية ولايجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة. وأضافت المحكمة أن مراقبة محتوي هذه الرسائل إهدار لحرية الرأي المكفولة قانوناً واعتداء علي حق الصحفي في الحصول علي المعلومات والأخبار المباح نشرها.. ويترتب علي ذلك تعطيل حق المواطن في الإعلام والمعرفة. الغريب أننا في مصر - من خلال جهاز تنظيم الاتصالات هذا - بدلاً من أن نخطو خطوات للأمام في حرية التعبير وتدفق المعلومات نحاول العودة إلي الخلف والتخلف في الوقت الذي ينشغل فيه العالم كله بالعاصفة التي أثارها موقع "ويكيليكس" حيث يكشف هذا الموقع عن وثائق سرية أمريكية خطيرة تتعلق باتصالات للحكومات الأمريكية مع الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتؤدي إلي توترات في العلاقات معها!! العالم كله يعيش عصر الحرية وعصر تدفق المعلومات واحترام خصوصيات الأفراد.. ونحن مشغولون بخنق أنفاسنا وتكميم أفواهنا ومراقبة رسائلنا.. بعضنا يريدنا أن نعيش في اتجاه معاكس لاتجاه العصر.. فمتي نستفيق؟!