في آخر مشاهد فيلم "الهروب" "1991" للمخرج الراحل عاطف الطيب "1947 - 1995" يتم اغتيال رجل الشرطة الشريف سالم "عبدالعزيز مخيون" والمواطن منتصر الخارج عن القانون "أحمد زكي". الجسدان - الشرطي والمواطن - ملقيان علي الأرض غارقان في الدماء وكأنهما كيان واحد اخترقته رصاصات جنود الأمن المركزي بقيادة ضابط دموي "محمد وفيق" أغلق قلبه وأمات ضميره وألغي عقله ولم ينصت لتوسلات زميله من أجل إعمال صوت العدل وسيادة القانون. المشهد يمكن ضمه لألبوم الثورة. حيث الضابط الدموي أصبح نمطاً شائعاً له حضور كلي. موجود في حياتنا وقد تجذرت ملامحه في الضمير الجمعي للشعب صانع ثورة 25 يناير. سالم ومنتصر أبناء قرية واحدة في الصعيد وكانا زميلا دراسة وصديقا طفولة وتربط بينهما تقاليد وقيم مجتمع يعتبر هذه التقاليد والقيم مقدسة مثل العقيدة. سالم الشرطي الشريف الخارج من بيئة طيبة لم يقطع أواصر الصلة الروحية والوجدانية بابن قريته وأراد أن يصل إلي العدالة عبر سيادة القانون بعيداً عن دموية العنف. ومنتصر هو نفسه شاب ابن هذه البيئة الصعيدية ولكنه محبط لم يجد قوت يومه حين انتقل إلي العاصمة إلا من خلال مكتب للعمالة في الخارج صاحبه نصاب يبيع الوهم للغلابة ويحتال علي الحالمين بحياة أقل قسوة لكنه حين احتال علي أهل بلدته وهو يعلم أنهم باعوا ما يملكونه من أجل تحقيق هذا الحلم قرر أن يتصدي له ويتخلص منه. المشهد يمكن أن نعتبره وليد نفس الظروف التي حين تراكمت أكثر وتضاعف أثرها أطاحت بصبر المصريين وساقتهم جماعات جماعات إلي ميادين التحرير تطالب باسقاط النظام الذي حرم المواطن أحلامه المشروعة. واستهان بقدرته علي التمرد ورفضه للظلم. من بين كل المخرجين من جيل الثمانينات أجد عاطف الطيب الأكثر تعبيراً عما جري للشعب المصري بعد حرب أكتوبر المجيدة التي استفاد منها اللصوص وتجار الانتصارات وبائعو الوهم والخارجون عن القانون. والمغتالون للعدالة. عاطف الطيب الذي حارب في حرب 1973 أكثر أبناء جيله حساسية وتعبيراً عن الشخصية المصرية في ظروف قامعة ومستبدة. إنه المخرج الذي صنع "البرئ" و"الزمار" و"سواق الاتوبيس" و"الحب فوق هضبة الهرم" وهذا الفيلم الرائع "الهروب" الذي عرض منذ أيام في إحدي القنوات الفضائية. إنه الفنان ابن الحلال القحُ. المنتمي بعقله وضميره وقلبه ومهاراته الفنية إلي هذا الشعب. والشاعر بظروفه. وبالمفارقات المحزنة فعلاً التي تجعل أي انتصار عسكري أو قومي يحققه الشعب بمثابة فرصة للاستثمار وللبزنس والانفتاح التخريبي للاقتصاد الموجه وليس الحر. لأن أرباحه توجه فقط لجيوب الجالسين علي مقاعد السلطة واذنابهم. عاطف الطيب يحتاج إلي تكريم وحفاوة وإحياء لذكراه وتذكير بأعماله وعرضها وخصوصاً فيلمي "الزمار" و"البرئ" الأقل حظاً في عروض التليفزيون والعروض العامة.