غاضبون نحن مما يحدث في مصر الآن من مصادمات واشتباكات وسقوط ضحايا ومصابين بلا معني وبلا هدف في وقت كان من المفروض أن نفرح فيه بانتخاباتنا الحرة النزيهة ونسعد بالصورة الحضارية التي ظهرت بها مصر الجديدة أمام صناديق الاقتراع. ومحبطون نحن مما قد يحدث غداً أو بعد غد .. بل مما قد نفاجأ به من كوارث بعد ساعة أو ساعتين .. نفتقد الأمان ويملؤنا الخوف في وقت كان ينبغي أن نشعر فيه بالأمل والطموح والثقة في المستقبل بعد أن حققنا خطوات ناجحة ملموسة علي طريق الانتقال من نظام مستبد إلي نظام ديمقراطي حر يحترم إرادة أبنائه ويعمل علي تحسين مستوي معيشتهم. مازلنا للأسف غير جادين في تقدير الخطوة الأهم في هذه اللحظة التاريخية المفصلية .. الخطوة التي ستنقل مصر من دولة فرعونية عتيقة إلي دولة شابة فتية تقوم علي مؤسسات ديمقراطية يبنيها الشعب بيديه وهو متأكد أنها ملكه .. وانتماؤها له وحده. ومازلنا للأسف غير قادرين علي حل مشاكلنا بالحوار السلمي البناء .. ومازال اللجوء إلي العنف هو أسهل اختيار عندنا لحل الأزمات .. رغم علمنا التام بأن العنف يولد العنف ولا أمل من ورائه .. وقد جربناه من قبل كثيراً فلم يحل لنا أزمة ولم يحسم لنا مشكلة. إن حق التظاهر السلمي متفق عليه .. وليست هناك مشكلة في أن يتظاهر أو يعتصم مئات من الشباب أو آلاف ضد حكومة الدكتور الجنزوري .. ولكن المشكلة دائماً تكمن في تأخير القرر الخاص بالتفاوض والتفاهم مع هؤلاء المعتصمين أو المتظاهرين لاخلاء شارع مجلس الوزراء .. وإقناعهم بأنه لن يكون مقبولاً تعطيل مؤسسات الدولة مجلسي الوزراء والشعب إلي ما لا نهاية. لماذا لم يذهب إليهم الدكتور الجنزوري ومعه مفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر مثلاً وبعض الوجوه المقبولة للتفاهم وإنهاء الاعتصام؟! أعرف أن هناك من لا يريد لهذا البلد أن يستقر وأن تنطلق عجلة الانتاج ويعود الأمن ويشعر الناس بانتصار الثورة .. وأعرف أن هناك من لا يريد أن تكتمل العملية الديمقراطية إلي محطتها الأخيرة ويتم تشكيل مجلس الشعب طبقاً لخريطة الطريق المتفق عليها .. وأعرف أن هناك من يحرض ومن يدفع ومن ينظم الصفوف ويوزع الأدوار .. هذه أمور يعرفها القاصي والداني ولم تعد سراً خافياً .. ومع ذلك فإن التأخير في التعامل الواعي مع المعتصمين والمتظاهرين يعطي الفرصة لهؤلاء المحرضين والمحركين أن يستغلوا الموقف أسوأ استغلال لتظل مصر تدور في دائرة العنف وسقوط الضحايا والتعويضات وعلاج المصابين ولا تكون لديها قدرة علي أن تنظر لما هو أبعد من ذلك. لقد تضاربت الروايات حول أسباب الاشتباكات التي أدت إلي سقوط 9 ضحايا و374 مصاباً منهم 30 من حرس مجلس الوزراء وعدد من الضباط والجنود وشباب المعتصمين أمام مقر مجلس الوزراء .. وهو ما يعني أن هذه أسواء موجة عنف تشهدها القاهرة منذ عدة أسابيع مضت منذ الأحداث الدامية في شارع محمد محمود التي لم تتكشف حقائقها حتي الآن .. بالضبط مثلما لم تتكشف حقائق أحداث ماسبيرو. ومن باب الحسم والشفافية نتمني أن تصل التحقيقات التي تجريها النيابة حالياً إلي الجهة التي أطلقت الرصاص واستخدمت المولوتوف وقتلت الضحايا بينما يؤكد رئيس الوزراء والمجلس العسكري أن أحداً لم يصدر أمراً باستخدام العنف ضد المعتصمين والمتظاهرين. هل هذا كثير علي النيابة أن تعرف وأن تحدد وأن تعلن علي الملأ حتي لا نظل ندور في فضاء الظلمات ونغرق في الحديث عن الطرف الثالث الذي لا يستطيع أحد الإمساك به .. وهو الذي تلقي عليه كل الأطراف بالتهم والمسئولية .. هناك رصاص استخدم وزجاجات مولوتوف القيت وأعيرة خرطوش أطلقت وكرات نار قذف بها لتحرق الناس وتحرق مؤسسات الدولة فمن يا تري الذي فعل هذا؟! في ظل غياب الحقائق تصبح كل الأطراف متهمة ولا براءة لاحد بينما يظل الفاعل الحقيقي حراً طليقاً بعيداً عن الشبهات لكي يلعب لعبته مثني وثلاث ورباع .. وفي كل مرة تقول جهات التحقيق نفس الكلام والناس لا تصدق .. الناس تريد حقائق ملموسة وأدلة وبراهين حتي يظهر الفاعل ويقطع دابره وتنتهي اللعبة. إن الهدف من كل هذه المواجهات هو محاولة جر البلد إلي الفوضي فهل هذا لا يستحق تكثيف البحث والتحري حتي نصل إلي الرأس الكبير المدبر؟!