أنيس منصور كان يسبقني في العمر. وفي الصحافة . بعشر سنوات. وفي التخرج بسبع سنوات. لذا فعندما بدأ هو لمعانه في عالم الصحافة كنت أنا لا أزال تلميذاً في ثانوي في طريقي لأصبح مهندساً. ولم تكن فكرة العمل الصحفي واردة بالنسبة لي علي الإطلاق.. لكنني كنت أحب السفر والرحلات لذا قرأت بشغف شديد كتابه الأشهر "حول العالم في 200 يوم" وعشت كل صفحة من صفحاته وكل مقابلة من مقابلاته. وتخيلت نفسي مكانه أقوم برحلة كبيرة مثلها وأقابل ناساً مثل الذين قابلهم.. وكنت في تسكعاتي في منطقة وسط البلد أري- عن بعد "أنيس" ومجموعة من جيله من الصحفيين والكتاب علي كافية "البن البرازيلي" في موقعه بين سينما "ميامي" و "عمارة يعقوبيان" في شارع سليمان باشا أو طلعت حرب الآن.. لكنني لم أجرؤ أبداً- ولا حتي فكرت- في أن أكلمه لأبدي له إعجابي بكتابه الشهير. ومرت السنوات وتخرجت وعملت مهندساً لعدة سنوات قبل أن تلعب الصدفة دورها في حياتي فأترك الهندسة إلي العمل الصحفي. وفكرة الرحلات تراودني دائماً.. حتي بدأت في عام 1964- بعد 6 سنوات من عملي بالصحافة- في نشر أول رحلة صحفية كبيرة لي وكانت بعنوان "117 يوماًً في الصحراء" التي كانت بداية الطريق لأتفرغ بعدها لكتابة الرحلات.. وكنت أقوم برحلة كبيرة كل سنة تنشرها مسلسلة علي حلقات مجلة "الإذاعة والتليفزيون".. كل ذلك وأنا أقابل أنيس منصور في المجالات والمناسبات الصحفية فلا أجرؤ برضه. علي أن أقترب منه أو أكلمه حتي بعد أن أصبحت معروفاً ككاتب رحلات.. حتي في عام 1974 نشرت رحلتي الأشهر "مذكرات شاب مصري يغسل الأطباق في لندن" مسلسلة في مجلة "الإذاعة والتليفزيون" كالمعتاد ثم نشرتها "دار المعارف" في كتاب في سلسلة "إقرأ" ولم تكن مجلة "أكتوبر" قد ولدت بعد ففوجئت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها أبداً ولم تخطر علي بالي أبداً: أنيس منصور شخصياً يتصل بي تليفونياً ليهنئي علي كتابي ويقول لي انه قد انتهي من قراءته في "قعدة واحدة" واستمتع به كثيراً ثم قلدني وساماً حين قال لي إنه لو كان هو الذي قام بهذه الرحلة "مذكرات شاب مصري يغسل الأطباق في لندن" لما كتبها أحسن مما كتبتها أنا!!. كان المفروض أن أقترب من أنيس بعد ذلك بعد أن أزال هو الحاجز بيننا لكن جاءنا بعدها بقليل في منتصف السبعينيات تكليفي بالعمل مراسلاً للإذاعة المصرية في واشنطن ثم في لندن فابتعدت عن المجال الصحفي كله في مصر. حتي الآن.