لا أدري لماذا توقعت أن يكون رذاذ الثورة قد وصل إلي هذا المكان بالذات قبل أي مكان آخر. ربما كان السبب المهانة الشديدة التي يواجهها المواطن في إدارات المرور وهو يستخرج رخصة جديدة أو يجدد رخصته الحالية أو يسترد رخصته "المسحوبة" أو أي مطلب آخر. عن نفسي لا أطيق الذهاب إلي هذا المكان وعادة ما أجدد الرخصة في آخر يوم في مهلة الشهر بعد انتهاء الموعد الرسمي واعترف أني كنت أحياناً أطلب المساعدة من بعض زملائي الذين يتعاملون مع وزارة الداخلية لتيسير انجاز مهمتي الثقيلة دون "بهدلة". هذه المرة لم أطلب المساعدة .. ورغم أن الرخصة مازالت سارية إلا أني وجدتني مضطرة للذهاب إلي مرور فيصل لإنهاء اجراءات نقل ملكية السيارة إلي شركة التأمين وفق ما تقتضيه الاجراءات وذلك إثر حادث أودي بالسيارة وحا ل دون اصلاحها. ولأني هذه المرة لا أسعي لتجديد الرخصة بل أطلب إلغاءها واغلاق ملف السيارة بعد أن تحولت إلي "كهنة" توجهت إلي مكتب رئيس الوحدة لأسأله عن الاجراءات للوهلة الأولي لاححظت ثمة تغيير. الغرفة ليس بها سوي مكتب وحيد يقف خلفه الضابط بينما اختفت الاريكة والكراسي التي كان يجلس عليها أصحاب الوساطات المختلفة. قلت في نفسي بداية مبشرة لكن يبدو أن التغيير الذي كنت انشده لم يتجاوز حجرة الضابط .. الاجراءات مازالت شديدة البطء لدرجة أن رحلة ملف السيارة من مسافة لا تتجاوز عدة أمتار إلي الموظف المختص استغرقت نحو ساعتين أو يزيد .. وعندما "زهق" الموظف من كثرة سؤالي عن الملف الذي لا يأتي دعاني للمعاينة علي الطبيعة لحجم المعاناة التي يكابدها الجندي الذي يبحث عن الملف ويستخرجه من بين عشرات آلاف الملفات .. ومن فرط عدم تصديقي لما يقول قبلت الدعوة متحدية .. وهالني ما رأيت .. شعرت أنني رجعت عشرات السنين إلي الخلف حجرة مظلمة أشبه بالكهف ليس بها سوي منفذ صغير يسمح بدخول شعاع بسيط من ضوء النهار لا يكاد يسمح برؤية أي شيء ورفوف كثيرة مكدسة بآلاف الملفات الورقية المغطاة بالاتربة وبعضها ملقي علي أرض الغرفة. وجندي صغير السن يحاول جاهداً البحث عن الملفات المطلوبة .. سألت الموظف لماذا لا توجد إضاءة قال ممنوع تحسبا لوقوع أي حريق. تدخل رئيس المكتب في الحديث "تقدمنا بمقترحات لوزارة الداخلية قبل الثورة" أيام الحكومة الالكترونية "لميكنة عمل إدارات المرور وتحويل الملفات الورقية إلي ملفات الكترونية من خلال "الكمبيوتر" وهو ما يؤدي إلي سهولة الاجراءات واختصار الوقت اللازم لانهائها من ساعات إلي دقائق ولكن الوزارة رفضت الاقتراح لعدم وجود امكانيات مالية!! غادرت المكتب لأبحث عن مقعد في انتظار الملف. وظل هناك يقين لم يغادرني حتي الآن بأن المصريين لن يشعروا بأن هناك ثورة قامت مالم تحترم الحكومة آدميتهم في كافة مواقع تقديم هذه الخدمات وليس إدارات المرور فقط.