رحلة معاق لتجديد رخصة: 7 أشهر بين مصالح حكومية.. و«اللى يحب النبى يشيل»

عشرات المواطنين تزاحموا على مدخل المبنى المؤدى ل«القومسيون الطبى» فى منطقة أبوالسعود بمصر القديمة، الساعة تقترب من التاسعة والنصف صباحاً، الجميع حرص على الحضور قبل ساعات العمل الرسمية بساعة على الأقل، أملا منهم فى التمتع بأسبقية الحضور ومن ثم أسبقية الانصراف أيضاً بعد الحصول على رخصة قيادة جديدة أو تجديد القديمة.
تشتد درجات الحرارة لتتجاوز الأربعين بدرجتين، فيميل الواقفون إلى الأماكن المظللة أو يرتكنون إلى جدران أحد المبانى القائمة فى انتظار ذلك الهتّاف الذى يجعلهم يحصلون على التقارير الطبية المطلوبة لعمل الرخصة.
يقترب أشرف حمزة بوجه عابس ونظرة مترقبة من المكان عبر سيارته المجهزة، يسارع صديقه الذى اصطحبه خلال تلك الرحلة من أجل تحضير الكرسى المتحرك أثناء نزوله من العربة ليبدأ مشقة الحصول على الأوراق المطلوبة لتجديد رخصة القيادة.
لحظات وتتسابق الأيدى فى مساعدة القعيد، منهم من يحاول الإمساك بيديه، ومنهم من يتقدم لدفع الكرسى المتحرك إلى الأمام، تلك المعاناة لا يعيرها أشرف اهتماما ولا يحمل لها هماً، قدر ما يشعر به وقت أن يُطلب منه الصعود للطوابق العلوية من أجل عمل الفحوصات الطبية المطلوبة للحصول على تقرير طبى يسمح له بتجديد الرخصة.
الوقوف على باب القومسيون الطبى فى انتظار تقرير الحالة الصحية لصاحبه رحلة بدأها أشرف وقت أن تقدم بطلب لشراء سيارة مجهزة بعد تعرضه لحادث أليم تسبب فى إصابته بشلل نصفى.. الحصول على سيارة مجهزة يستلزم تقديم أشرف ومن مثله بطلب للكشف داخل وزارة الصحة من أجل الحصول على تلك السيارة،
والكشف نوعان أحدهما عادى ويتكلف 300 جنيه، فيكون عرضه على اللجنة بعد شهرين من وقت تقديمه للطلب، والآخر مستعجل ويأتى عرضه على اللجنة بعد التقديم للحصول على سيارة بشهر واحد فقط، اللجنة الثلاثية تؤكد إصابة أشرف بإعاقة تسمح له بالحصول على سيارة مجهزة،
بعد حصوله على التقرير بثلاثة أشهر يأتى ميعاد تسلم السيارة ويبدأ بعدها مشقة أخرى تتعلق بذهابه إلى ميناء بورسعيد تسلم سيارته المجهزة بنفسه ويعود بها دون تعليق لوحات معدنية.. هنا يتعين على أشرف تجديد رخصته بالطريقة التى تسمح له قيادة السيارة، خاصة أنه يمتلك رخصة قيادة عادية ولكنه وبعد حصوله على سيارة مجهزة لا يمكنه قيادتها إلا عبر رخصة خاصة تؤكد إعاقته وتفيد قدرته على القيادة.
القومسيون الطبى مرحلة بين مراحل عدة فى طريق تجديد رخصة القيادة فعليه الذهاب إلى مرور الدراسة بالقاهرة، ونظرا للزحام الشديد وساعات الانتظار يحرص أشرف على الحضور مبكرا فى ساعات النهار الأولى حتى يتمكن من إنهاء الإجراءات المطلوبة منه.. المشهد هنا لا يختلف كثيرا عن القومسيون الطبى فنظرا لأنه كان يتمتع برخصة قيادة سابقة فيستوجب عليه أن يتقدم بعمل معارضة للمخالفات التى كانت عليه من قبل،
وهو الأمر الذى يتطلب منه الصعود إلى الدور الثالث لحضور الجلسة أمام قاضى المعارضات، ولأن المبنى يخلو من الأسانسير فعلى الواقفين التكاتف سويا من أجل حمل القعيد للدور الثالث، ولحمله لحظات حرجة تتعلق بمن يحملونه بالخطأ فمن الممكن أن يصاب القعيد بكدمة ما أو يميل بدرجة قد تتسبب فى وقوعه وهو أمر يخشاه أشرف كثيرا،
يتكبد أشرف مرارة الصعود والهبوط من على سلالم المنشآت الحكومية حتى يمكنه الانتهاء من الأوراق اللازمة لتجديد رخصته لكن الألم الذى تُرك بداخله من مشقة الصعود والهبوط والإجراءات الطويلة وغير المبررة، على حد وصفه، أصابته بألم نفسى لا يمكنه نسيانه فعلى حد تعبيره: «رغم أننى حصلت على تقرير طبى يؤكد إصابتى بشلل نصفى من لجنة ثلاثية تابعة لوزارة الصحة فإن المسؤولين فى ادارة المرور لم يهتموا به وطلبوا منى تقريراً آخر، وهو الأمر الذى يدعو للحيرة فلماذا لا تكون إجراءات شراء السيارة هى نفسها إجراءات عمل رخصة القيادة حتى لا يزيد من اعباء المواطنين ويزيد من همومهم وآلامهم».